المتبرّجة الفاضلة

كيف ينبغي الحديث عن التبرج في زمن استعلان المنكر؟

لو قلت: رُبّ محجّبة لا حسنة لها – فيما يظهر – سوى حجابها، ورُبّ متبرّجة لا سيّئة لها سوى تبرُّجها… لم تخطئ…

ولو قلت: إنّ كلَّ عمل ابن آدم معروض على الميزان، فمن رجحت حسناته نجى.. فقد قلت بما جاء به الوحي…

ولو قلت: إنَّ التبرُّج معصية كسائر المعاصي لا توجب بمجرّدها الهلاك كما لا يوجب الحجاب بمجرّده النجاة … لكنّ العبد لا يدري بأيّ عمله يهلك وبأيّ معاصيه ينجو… لكنت مصدّقها خبر الوحي …

أين يخطئ الواعظ؟

لكن هل يصلح أن يُردّد هذا الكلام في مقامات الوعظ والتذكير، وفي زمن ” قوة المنكر واستعلانه “؟

خذ الجواب، لعله ينفعك:

أمّا حديث ذلكم الشيخ عن تارك الصلاة وأنه لا يُحكم بمجرّد تركه لها بضلاله، فأرجو أن يكون مجرّد هفوة منه، فلعلّه قصد عدم الحكم لمجرّد المعصية بهلاك العاصي فلم يحسن اختيار المثال، وإلا فلا أضلّ في من انتسب إلى الإسلام من تارك الصلاة التي هي ركنه الأعظم وعموده الأوثق …

من التبرج إلى “إيديولوجية” التبرج

أمّا التبرّج فينبغي عند الحديث عنه التمييز بين المقدمات التي ذكرتها، وبين حالة ” الفجور ” به وتحوّله إلى” إيديولوحيا ” تهدّد التديّن وتقاومه وتزاحمه في ” الهيمنة ” على السلوك العام .. التبرّج إذا صار ” ثقافة ” ومظهرا للحرية الشخصية، فإنّه بهذا يكون مقابلا لمقصد الدين نفسه من مظهر المرأة والمجتمع …

التبرّج – بمجرّده – هو = استعلان بالمعصية ودعاية لها، فإن كان تحت شعار ” نلبس لي نبغي ” والإيمان فالقلب ماشي فالجسد، وأنا ثورة ماشي عورة، والفضيلة لا تحتاج إلى الحجاب… فإنه يصير بهذا ” دينا ” منافسا لهيمنة الإسلام العظيم على ” الجسد والتصرّف الفردي والاجتماعي ” …

حكم الجاهلية، ظنّ الجاهلية، حمية الجاهلية، تبرّج الجاهلية… جاهلية الوعي والتشريع والولاء والمظهر العام … أربعة خُصّت بالتحذير في القرآن، لأنّ كلاّ منها منازع للهيمنة المقصودة للأمر الرباني على الحركة البشرية … الفضيلة لا تكون داخل المجتمع الإسلامي إلا من جهة الالتزام بالتعليم السماوي والأمر المتعالي للباري العظيم …

بين المعصية الفردية والفجور الثقافي

نعم ليس التبرّج بنفسه ” خطيئة ” تستوجب الإخراج من الملكوت بمثل ما في النسق الكنسي في تصنيف الخطايا… لكنّه بالفعل ” فجور ” ومزاحمة اجتماعية لمظاهر ” التديّن ” ..

على الواعظ أن يحسن اختيار الكلام المناسب لكلّ مقام، والواقع أنّ مشاعر المتبرّجات لا تحتاج لمن يجبرها، حتى تُذكر لهن الموازنات واحتمالات الفلاح لبعضهن كلما ذُكرت معصيتهن… ومعنوياتهنّ لا تحتاج لمن يرفعها والواقع أنّهن يملأن الشوارع من غير أن يكون لأحد الحق في مساءلتهنّ… وما ينبغي أن يتفطّن إليه الواعظ – مع ضرورة معرفته بمراتب المعاصي قواعد الميزان ومنع الجزم لأحد بالهلاك – أن يحسن الانتباه لما يمكن أن يُستعمل من كلامه في تقليل حدة الإنكار والرفض للمعصية التي يتحدّث عنها، فيؤوّل كلامه إلى غير قصده ويستعمل في ضدّ ما أراد …

مما أحدّث به نفسي لو وجدت سبيلا إليه، أن أجري إحصاء لعدد النساء المتبرّجات اللاتي يقُمن الليل ويختمن القرآن ويصمن الإثنين والخميس، وأحسب نسبتهن من مجموع اللاتي يملأن الشوارع بتفاصيل لحومهنّ … لأن الحديث عن المتبرجات الفاضلات يكثر ترديده كلما ذُكر الحجاب …

المصدر

صفحة الأستاذ أبو عبد الرزاق فتح الله، على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

فتنة شيوع المعاصي وترك إنكارها

الفتن الناجمة عن شيوع المعاصي والفساد

تحذير المسلمين من اللهو والمعاصي

الفُساق وشرعنة المعاصي

عندما أشاعوا الفواحش فقد أضروك..!

المعاصي بين الاستعلان والاستحلال (2)

التعليقات غير متاحة