في صراعنا مع العدو الصهيوني لا يخفى الفارق الهائل في موازين القوة المادية بيننا وبينه، إلا أنه رغم هذا التباعد الشاسع فإنَّ العقل يمكن أن يُحيِّد كثيرًا من القوة.
تاريخ حافل لخداع العدو عبر العقل
والمقاومة ذات تاريخٍ ممتد في صراع الأدمغة مع العدو، وكثيرًا ما خدعت العدو ووصلت إلى مآربها حين لم تستطع أن تُغالِبَه بموازين قوته المادية.
ومن الأمثلة على ذلك:
صفقة شاليط: كيف حُيِّدت أحدث تقنيات التجسس؟
– حين تم تسليم الجندي الأسير جلعاد شاليط ضمن صفقة وفاء الأحرار كانت المقاومة تعلم أنَّ السماء مُلبَّدةٌ بالطيران من مختلف الأشكال بما يمتلكه من أعلى درجات التقنية، وربما كانت الأقمار الصناعية في خدمتهم، وكان من السهل على العدو أن يسترجع الصور ويعرف مكان الجندي الذي طال البحث عنه، واضطروا أخيرًا أن يُفرِجُوا عن أكثر من ألف أسيرٍ فلسطيني في مقابله.
وكانت الخطة تقضي هنا بتحريك 350 سيارة من نفس النوع واللون -جيب تيوتا أبيض- وتخرج في نفس الدقيقة من مختلف مناطق القطاع وتتوجه باتجاه معبر رفح، وحين وصل هذا العدد الضخم نزل شاليط من إحدى تلك السيارات لتُحيَّد القوة التي لا تكاد تقف عند حد عند هذا التدبير العقلي بفضل الله تعالى.
حيلة الجثة المزيفة: استغلال عين العدو ضد نفسه
– حين وجدت المقاومة أن العدو يستهدف الأماكن التي يتم استخراج جثث الأسرى منها ويمكن أن يستفيد أمنيًّا منها قامت بخداعه عبر إلقاء جثة في أحد أماكن الحفر وهي تعلم أن الطيران يرصد كل شيء، وبالفعل وقع العدو في الخديعة ونشر المقطع ثم أخرجت المقاومة مقطعًا تُظهر فيه أن الجثة التي ظهرت لم تكن جثة؛ بل كان في داخل الكفن وسادة بينما كانت الجثة الحقيقية تجري في مكان آخر لا ينبغي كشفه.
نقل القادة تحت أنف العدو: التفاوض كسلاح
– أثناء المعركة احتاجت المقاومة أن تقوم بتغيير مكان القائد العام أبي خالد ولكن المخاطرة في ذلك كبيرة من غير شك، فقدمت عرضًا بالإفراج عن امرأةٍ مُسنة مقابل وقف حركة الطيران لمدة ساعتين، ووافق العدو وتم نقل الرجل بهدوء.
وقد تعرض لعدة محاولات اغتيال ونجاه الله منها حتى قضى نحبه بعد رحلةٍ ممتدة من إمامة العمل الجهادي، عليه رحمة الله.
مظاهرة مُفتعلة لإنقاذ الأسرى: استغلال الدعاية المضادة
– مما ذكره أحد الأسرى الصهاينة أن فريق التأمين الخاص بهم أراد يومًا نقلهم بعد أن أحاط بهم الخطر، وحيث إنَّ النقل لم يكن ممكنًا فقد قاموا بافتعال مظاهرة تطالب برحيل الحركة عن الحكم، وفرح العدو بهذه المظاهرة وساندها وحامت فوق سمائها الطائرات منعًا للمقاومة من منعها؛ ظنًّا أن هذه بذرة ثورة شعبيةٍ على المقاومة وقادتها.
وهكذا تم نقل أسرى العدو وهم تحت عينه وبحراسةٍ من طائراته.
خدعة عمر سليمان: اللقاء أمام الكاميرا دون أن تدري!
– مما لا أزال أذكره مما انتشر أيام صفقة شاليط وما زال يتكرر ذكره بين الفينة والفينة ولم أسمعه من ثقةٍ يؤكده أن الطرف الألماني لما دخل على خط محاولة الوصول إلى صفقة تبادل وقطع بعض الخطوات الجيدة في ذلك اشترط رؤية الجندي للتوثق من حياته لئلا يُدفع في مقابله أعداد كبرى من الأسرى ثم يتبين أنه جثة.
وبعد الضغط وافقت المقاومة على ذلك، وجاء وزير المخابرات المصري عمر سليمان يومها ليتولى أمر الاستيثاق ويقابل شاليط بنفسه.
ولا يخفى أن السماء ستكون ملبدةً بالطيران الصهيوني وأن المكان أنى كان دقيقًا فيسهل الاهتداء إليه بمتابعة الموكب.
وحين وصل عمر سليمان إلى معبر رفح ركب سيارة ثم أنزل منها لثانية ثم لثالثة وهكذا يُفعل معه وهم يتحركون من رفح إلى شمال غزة، ثم استدار المسير وبدأ التوجه جنوبًا حيث معبر رفح، والعدو الصهيوني بالتأكيد سيكون مطمئنًّا إلى أن الخطة مهما كانت معقدة إلا أن معرفة المكان ستكون سهلة لأنه يراقب كل حركةٍ وسكنة.
وكانت المفاجأة أن عمر سليمان عاد إلى المعبر لأن اللقاء بالجندي شاليط قد تم في إحدى السيارات في بداية الطريق حين حصل التوجه من رفح إلى غزة، مما يعني أن شاليط كان قد عاد إلى مكانه واستقر فيه بينما كان الفيلم ما زال ساريًا والعدو يرصد الموكب جيدًا يتابع الفيلم حتى النهاية!
التوفيق الإلهي هو سر النجاح
والمقصود أنَّ العقل يمكن أن يُحيِّد كثيرًا من القوة، وهذا كله ليس بقدرة الإنسان المجردة ولا بذكائه المحض؛ بل هو بفضل الله تعالى وتوفيقه وتسديده وإعانته، وهذا يؤذن بأن الضعيف مهما كان ضعيفًا إلا أنه يمكن أن يُغالب القوي على قواعد المدافعة، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر
الشيخ محمد بن محمد الأسطل.
