مجموعة من القواعد والفوائد التي تختم سلسلة “مئة قاعدة وفائدة في الدعوة والتربية”، تجمع بين التأصيل الشرعي واللمحات التربوية، وتلخص خبرات في التعامل مع النفس والناس والأحداث.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذه مئة قاعدة وفائدة في الدعوة والتربية:
91- الوجوب معلق بالاستطاعة: والاستطاعة تتطلب كلا من العلم والقدرة، فإذا تخلف أحدهما يسقط الوجوب، لأن الوجوب حسب الإمكان.
92- التحالف مع أهل البدع غير المكفرة: يجوز إذا لم يكن لأهل السنة القدرة على صد عدوان كافر محارب يريد استباحة البلاد والاستيلاء عليها.
93- قال ابن عقيل الحنبلي: (من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسر على الأرزاق، وذم الزمن وأهله، وذكر نكد العيش فيه، وقد رأوا من انهدام الإسلام، وتشعب الأديان، وموت السنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي، وتقضى الأعمار في الفارغ الذي لا يجدي، والقبيح الذي يوبق ويؤذي، فلا أجد منهم من ناح على دينه، ولا بكى على ما فرط من عمره، ولا آسى على فائت دهره، وما أرى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان, وعظم الدنيا في عيونهم، ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبلاغ من الدنيا، وينوحون على الدين.)
94- أزمة كثير من المتدينين اليوم: هي التركيز على النفس، وانتظار المجهول، والعجز والكسل، وأوهام الخوف، وعدم الوعي بواقع الأمة، والمشاركة في همومها، مما نشأ عنه تدين خامل، خلاف ما يربي عليه الإسلام أبناءه. حيث يوجد عندهم التدين النشط. ومن أشنع ما خطط له الأعداء هو نزع الروح التغييرية من التدين، ليصبح دينا مسالما، متعايشا مع أعدائه، منصرفا عن قضايا الأمة الكبار، كغياب شريعة الله، وموالاة أعداء الله، واحتلال الكفار للمقدسات، وإقناع النفس ببعض المسموح به كإلقاء المواعظ، والنظر في مسائل الخلاف، والانشغال ببعضنا؛ مما يصرفنا عن قضايانا الكبار، فكيف إذا تحول المسلم إلى مُسَوِغٍ للظلمة وموال للظالمين.
95- السلمية والعنف (القوة): الخطير في الأمر أن تتحول السلمية والعنف من كونها وسيلة إلى كونها عقيدة ومبدأ تفاصل عليها، حيث يتهم فريق السلمية فريق العنف بالتهور والتطرف، ويتهم فريق العنف فريق السلمية بالخور والضعف والجبن ومداهنة الأعداء. والواقع أنهما وسيلتان تعملان حسب ظروف الزمان والمكان والقوة والضعف.
96- سئل الأمام أحمد رحمه الله: متى الراحة؟ فقال: عند أول قدم تضعها في الجنة. وقيل له في زمن المحنة: أَوَلَى ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟ فأجاب: كلا إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة؛ وقلوبنا بعد لا زمة للحق. وفي رواية: كلا ما دامت القلوب ثابتة؛ فالحق منتصر.
97- بين نوح وابنه: في قوله تعالى عن نوح عليه السلام وحواره مع ابنه يوم الطوفان: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِی مَعۡزِلࣲ یَـٰبُنَیَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ٤٢ قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ﴾ [هود:42-43]. في هذا الحوار درسان عظيمان هما:
1) في نداء نوح عليه السلام لابنه قال: ﴿ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ ويحمل هذا النداء معان عظيمة في الولاء والبراء ذلك أنه قال له: ﴿ارْكَبْ مَعَنَا﴾ ومعنا هنا تعني: أن يكون مع المؤمنين الموحدين في سفينة النجاة، ولذا قال بعدها: ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾، ولم يقل: (ولا تكن مع الغارقين الهالكين)، فتكرار المعية مرتين لها دلالتها، فقول: (معنا) مع المؤمنين والموالاة لهم، وقوله: ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ يعني البراءة منهم والبقاء معهم.
2) في الحوار بين نوح عليه السلام وابنه؛ يتمثل المنهج الرباني الشرعي للأحداث والكوارث؛ والتفسير المادي الجاهلي لحدوثها. فابن نوح فسر الطوفان بظاهرة طبيعية يمكن أن يتخلص منها في ذروة جبل. وهذا ما يقوم به الإعلام الجاهلي اليوم من تفسير الظواهر الطبيعية تفسيرا ماديا مفصولا عن تدبير الله وقضائه وحكمته. بينما فسرها نوح عليه السلام بأنها أمر الله الذي لا ينجو منه إلا من رحم؛ ولا يرحم إلا المؤمن.
98- وسائل تثبيت التوكل في قلب العبد: في تدبر قوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [الشعراء:217]، وقوله سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58] يظهر لنا درس عظيم؛ ألا وهو أنه من تعبد لله تعالى باسمه: العزيز، والرحيم، والحي قوي توكله على الله، وثبت ذلك في قلبه عزيمة. فاختيار الله عز وجل لهذه الأسماء الثلاثة في الأمر بالتوكل له دلالته العظيمة. لأن حقيقة التوكل هو: غاية الاعتماد مع غاية الثقة. فاسمه سبحانه (العزيز): يثمر في القلب غاية الاعتماد، لأنه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء ولا يعجزه شيء، واسمه (الرحيم): يثمر غاية الثقة، لأنه سبحانه أرحم بعبده من نفسه، واسمه سبحانه (الحي): يثمر الاطمئنان والسكينة، فهو حي لا يموت، ومن يُعتمد عليه من الخلق يموتون وينامون فمن للعبد المعتمد عليه إذا ماتوا أو ناموا.
ومن وسائل قوة التوكل على الله تعالى إضافة إلى ما ذكر، هو يقين العبد بأن الطريق الذي يسلكه في عبادة، أو دعوة، أو جهاد، أو أمر، أو نهي، هو محبوب إلى الله تعالى، وهو الحق الذي لا مرية فيه، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل:79]، وقوله تعالى عن مخاطبة أنبيائه لأقوامهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم:12].
99- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأسلمي قال: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي اللَّهِ عَنْهُ فَقَالَ: ابن عباس: “إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي وَفِيَّ ثَلَاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لَآتِي عَلَى الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلِعَلِّي لَا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ ” [رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (10621)، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” (1/ 322)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ].
وهذا فيه: من أسباب تحقيق الموالاة في الله، والحب في الله، والفرح بحسن حال المسلمين، وحب الخير لهم، واسترضاء المسلم لأخيه المسلم، وقضاء حاجته.
100- يعلق الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على قول النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاء الَّذِي وَرَاه الإمام أحْمَد وَالنَّسَائِيّ: “اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ،” وَهَاتَانِ الكلمتان هما جماع الْفَلاح وَمَا أُتى العَبْد إلا من تضييعهما أوْ تَضْييع إحداهما فَمَا أُتى أحْدُ إلا من بَاب العجلة والطيش واستفزاز البداءات لَهُ أَو من بَاب التهاون والتماوت وتضييع الفرصة بعد مواتاتها فَإِذا حصل الثَّبَات أولا والعزيمة ثَانِيًا أفلح كل الْفَلاح وَالله ولي التَّوْفِيق.
المصدر:
مئة قاعدة وفائدة في الدعوة والتربية – الشيخ عبد العزيز الناصر