لن يكون في ملك الله إلا ما أراد الله، ولا تنال الإمامة في الدين، إلا على بساط الصبر واليقين. سينجز الله وعده، وسيعلو دينُه كل دين، وذلك حق اليقين.
وانتصرت غزة
لا تقولوا لماذا تأخر النصر عن غزة؟؟، فغزة انتصرت وستنتصر بإذن الله ..
انتصرت يوم ثارت لمقدساتٍ دُنست، وهويةٍ مُسخت، وحرائرَ سُحلت، ومقامٍ للنبوة تناولته ألسنة الغزاة بالسوء على مرأى ومسمع من العالم؛ فلم تنقلب الدنيا، ولم يتحرك أحد؛ ولم يكن لها يومئذٍ إلا غزة.
غزة انتصرت لأنها لم تتأخر عن ميادين المواجهة في كل مرة، ولم تركن لراحة، ولم تخلد لدعة، ولم تتردد أن تبذل أغلى ما تملك فداءً لدينها وأمتها على طريق الخلاص والتحرير.
لا تقولوا تأخر النصر؛ ولكنْ..
قولوا: ماذا صنعنا ليكره الله انبعاثنا، ويقعدنا في كل مرة عن اللحاق بركب الأبرار الأبطال، فكنّا كما قال ربنا -تقريعاً- (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة: 46]؟؟
قولوا: أي ذنب هذا الذي أخلدنا إلى الأرض، فلازمنا الخذلان دون محاولة الخلاص منه ولو مجرد محاولة، فرأينا إخواناً لنا في الدين يساقون للموت ونحن شهودٌ ننظر ونراقب الصورة، ونتابع المشهد؟؟
غزة لا تحتاج من يبكي غربتها؛ ولكنها تحتاج من يساندها تعبداً لله، وتحقيقاً لمعاني الولاء والبراء.
وكل ذلك لكم لا لها؛ فأنتم من يحتاج نصرتها والالتحام أكثر بقضيتها؛ أما هي فقد شقت طريقها وتحملت في سبيل دعوتها ما تنوء بحمله الجبال، فلم تستسلم، ولم تُسقط الراية، ولم تساوم على مبادئها، وهي ماضيةٌ في طريقها حتى يتحقق بها وعد الله لأوليائه المؤمنين (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21]، أو تلقى في سبيل ذلك ما لاقى حمزة بن عبد المطلب.
معية الله عز وجل لأهل غزة
الناظرون لغزة بمنظور الحسابات المادية البحتة بمعزل عن الجانب الإيماني في المواجهة؛ سيصيبهم خور همة وضعف عزيمة، وسيجدون أنفسهم في دائرة من الشك التي ربما تصل بهم حدّ خصوبة تلقي مقالات الإرجاف، والتثبيط والإسفاف.
ولا يمنع ذلك كلّه عن “المؤمن المرابط، والمتابع الصادق” إلا النظر للحوادث النازلة بمنظور الحسابات الإيمانية، والثقة بوعد الله لأوليائه، ودفع الشك بعين يقين المعية الإلهية المصاحبة أولياءه بعد 14 شهراً من معركة الكون على غزة.
تحلل من كل ضغط مادي، ثم راقب يد الله في هذا الجهاد المبارك ولاحظ معه: ثبات الناس المُعجز، ورباطة جأش المرابطين، وإساءة وجه العدوّ في ذلك كله.
سترى لطف الله المخيّم على كل لحظة من لحظات معايشتنا لهذه المعركة العظيمة.
ستسمع من المرجفين قول المنافقين: (غرّ هؤلاء دينهم)، (هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً)، (ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)، (لو نعلم قتالاً لاتبعناكم)، (لو أطاعونا ما قُتلوا) .
ولا يدفع ذلك إلا عواصم الإيمان بالقضاء والقدر، وحسن الظن بالله، (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” (وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
لن يكون في ملك الله إلا ما أراد الله، ولا تنال الإمامة في الدين، إلا على بساط الصبر واليقين.
سينجز الله وعده، وسيعلو دينُه كل دين، وذلك حق اليقين.
ولكنها جولة الصبر والاحتساب في ميدان الحسم المبين -بإذن الله- ولكن الناس يستعجلون..
المصدر
صفحة د. نائل بن غازي رحمه الله.