قناعتي القديمة المتجددة أن الفرس والروم المعاصرين.. (عدوان وسيتحاربان) هكذا كانوا على مر التاريخ، وحتى نهاية التاريخ، وقد خصصت لذلك فقرة كبيرة بذاك العنوان في كتابي (حتى لا يستباح الحرم) الصادر عام ١٤٣٧ هجري الموافق ٢٠١٦ ميلادي.
طوفان الأقصى معركة ستتمدد وتتطور وتطول
وكنت قد كتبت في هذه الصفحة قبل بعيد اشتعال حرب غزة مقال بتوقعاتي عن هذه الحرب في ٢١ اكتوبر ٢٠٢٣، جاء فيه:
(كل المؤشرات تؤكد أن معركة طوفان الأقصى ستتمدد وتتطور وتطول، لتتحول من أحداث تخص جزءا صغيرا من فلسطين ؛ إلى صدام واسع المدى ، له أبعاده العالمية والإقليمية، وكذلك تداعياته الداخلية في الدول المحيطة بكيان الاحتلال .
.. وستكون هذه التطورات على هذه المستويات الثلاثة في حال حدوثها – والعلم عند الله – مقدمات لملاحم وصدام عظيم بين عتاة الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين .
تداعيات طوفان الأقصى على كافة المستويات
فطوفان الأرض المباركة مرشح للتحول إلى ثوران إقليمي حولها، ثم بركان عالمي تتغير موازين القوى حيالها.
فعلى المستويات الداخلية
فإن البلدان المعنية بما كان يسمى بـ (الصراع العربي الإسرائيلي) سيجري جر أنظمتها طوعا أو كرها للعودة لذلك الصراع بصور جديدة ، وهو ما سيطيح بمخرجات استراتيجيات السلام الموهوم والتطبيع المزعوم ، خاصة إذا جرى البدء في تنفيذ مخطط (الوطن البديل) للفلسطينيين في سيناء والأردن.
وأما على المستويات الإقليمية
فإن الهزيمة الإسرائيلية خلال الأيام الأولى لطوفان الأقصى؛ كانت أيضا هزيمة أمريكية، باعتبار أن كيان العدوان هو في الأصل قاعدة عسكرية متقدمة للأمريكان في صورة دولة.
ولأن إيران عدت ما جرى انتصارا لها قبل غيرها؛ فالمترجح التحرش بها واستدراجها للمواجهة من قبل الحشود العسكرية الأمريكية والغربية التي يتوالى وصولها إلى المنطقة.
ولا شك أن العواصم العربية التي احتلتها إيران، واصطنعت فيها أذرعتها العسكرية تحت مسمى (محور المقاومة) في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء؛ ستظل أنظمتها تحت خط النار، إذا ما تقرر كسر شوكة طهران ، بعد أن تخطت الخطوط الحمر التي رسمت لها بانضمامها إلى تحالف المعسكر الشرقي الجديد، الجامع بين الأعداء الألداء لأمريكا والغرب، وهم الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
وأما على المستويات العالمية
فإن الحشود العسكرية الأمريكية والبريطانية الضخمة، لم تأت لمجرد مساندة عصابات نتنياهو المذعور من هجوم المقاومة الإسلامية، وكذلك فإن إرسال أمريكا ثلاث حاملات طائرات إلى شرق المتوسط بكامل التسليح البري والبحري؛ وبصحبة ٢٠٠٠ مقاتل من قوات المارينز وتجهيز أضعافهم (حتى كتابة هذه السطور) ، مع قدوم قوات بريطانية بحرية للدعم اللوجستي، وقول بايدن بأن الحرب ستطول؛ وقول وزير خارجيته بأننا نخوض حربا دينية، كل هذا يدل على أن المخطط أكبر من تل أبيب، وأبعد من غزة..) انتهى النقل..
واليوم أقول: لا زال في هذه النازلة فصول، فاللهم سلم سلم..
معارك تكسير العظام.. بين الواقع والمتوقع
أظهرت أحداث لبنان واقع العداوة الحقيقية – لا المسرحية – بين أمريكا وحلفائها من جهة؛ وبين إيران وأذرعها من جهة أخرى، وبدت تلك البدهية من خلال استهداف اليهود بالقتل المذل لأبرز رموز الزعامة الشيعية عجما وعربا، بدعم أمريكي وغطاء غربي، حتى اضطرت إيران اضطرارا أن ترد على اليهود صاروخيا، فتعطي أعداءها المتربصين بها أكبر الذرائع التي ينتظرونها لتقليم أظافرها وقص مخالبها، حتى لا تغري غيلان الشرق بالوصول إلى أخطر مناطق نفوذ الغرب في جزيرة العرب.
الحيلولة دون اكتمال تشكيل معسكر شرقي جديد
قوة إيران العسكرية وتجهيزاتها النووية وثرواتها البترولية؛ في دائرة الاستهداف الإسرائيلي العاجل والمتوقف على موافقة الأمريكان وتوافر الإمكانات، فالتوقيت قريب، ولكن لهدف بعيد؛ وهو الحيلولة دون اكتمال تشكيل معسكر شرقي جديد، يستهدف إنزال أمريكا من كرسي زعامتها القطبي العالمي الوحيد، فضرب إيران بعد حرب روسيا في أوكرانيا، كان لابد منهما – في نظر التحالف الغربي – لإرباك التحالف الشرقي الصاعد بقيادة الصين.
موقف حلفاء إيران
وفي المقابل فإن إيران ليست وحدها، فمشروعها الفارسي الامبراطوري يستند إلى ظهير خطير من الروس والصينيين، وربما الكوريين الشماليين؛ وسيلجأ قادتها غالبا للخيار (شمشون)؛ إذا وجدوا أن إيران ستواجه مصير صدام وزعيم حزب لبنان، بما يؤول في النهاية إلى هدم الجمهورية الفارسية، الطامحة للتحول إلى امبراطورية عالمية تتزعم العالم الإسلامي، بفرض مذهب الرفض.
تهديد لمصالح أمريكا في الجزيرة العربية
- .. الضربات الإسرائيلية المتوقعة قريبا قد تتورط فيها أمريكا، لاحتياج إسرائيل إلى دعمها المباشر، ومن المرجح حينها أن توجه إيران بأسها نحو المصالح والأهداف الأخطر لأمريكا في الجزيرة العربية، كالقواعد العسكرية والآبار النفطية، واستخدام الممرات المائية لخلق أزمات اقتصادية عالمية.
أبرز قضايا الصراع القائم
وعلى هذا؛ فإن التهوين من شأن عوامل القوة لدى أصحاب المشروعين الصفوي والصهيوني؛ يضر في التفكير ويضلل في التحليل، والأمر باختصار يتمثل في أن إعادة تشكيل النظام العالمي القادم؛ هو أبرز قضايا الصراع القائم، وكل ماعدا ذلك من قبيل التفاصيل ..
- .. أكتب هذا، لا على سبيل التكهن أو التنبؤ بأسرار الغيب – عياذا بالله – ولكن على طريقة من سئل عن العقل فأجاب: (الإصابة بالظن.. ومعرفة ما يكون بما قد كان)..
وما قد كان خلال العقود القليلة الماضية، كان خزان تجارب متشابهة في مقدماتها المنظورة؛ التي تكاد تتطابق في نتائجها وتداعياتها المتوقعة المقدورة..
غير أن أخطر ما في تلك التداعيات والتوقعات – كما أرى – هو ما يحاك من أصحاب المشروعات سرا وجهرا ضد المقدسات ، لما لها من قيمة بالغة المركزية والأهمية في بقاء الدين والملة والهوية..
ولكن هذا شأن آخر.. وله حديث آخر..
اقرأ أيضا
التحالف غير المرئي بين الروم والعبيديين
عشر حقائق قرآنية في صراع الرافضة مع اليهود