الكيان الصهيوني عندما سعى رجاله لإقامته، فهم سعوا حينها لنهايته؛ لأن ذلك كتابٌ كتبه الله على بني إسرائيل، فلن يتجمعوا إلا ويفرقهم الله، ولن يقووا إلا ويُضعفهم الله، ولن يعزّوا إلا ويذلهم الله…

كيان يحمل بداخله عوامل هدمه وزواله

في الحقيقة.. الكيان الصهيوني عدو نفسه، وهو أول الساعين – وأكبرهم – في نهايته؛ وذلك للأسباب الآتية:

أولًا: وجوده

الكيان الصهيوني عندما سعى رجاله لإقامته، فهم سعوا حينها لنهايته؛ لأن ذلك كتابٌ كتبه الله على بني إسرائيل، فلن يتجمعوا إلا ويفرقهم الله، ولن يقووا إلا ويُضعفهم الله، ولن يعزّوا إلا ويذلهم الله…

وذلك الكتاب الذي كتبه الله على بني إسرائيل، يعلمه بنو إسرائيل أنفسهم، وكثير منهم حذر منه علانية، بل وكثير منهم ما زالوا يتظاهرون ويحتجون على قيام دولة إسرائيل من البداية، فهم يعرفون أنه لن يكون من وراء ذلك إلا النهاية والزوال.

كثير من حاخامات اليهود ورجال دينهم، يتظاهرون في أمريكا وفي غيرها من بلاد العالم، رافضين تجمُّع اليهود في فلسطين، وفي غيرها من البلدان؛ لأنهم يعلمون أن الشتات هو كتاب الله عليهم، وأنه لن يكون من وراء هذا التجمع إلا الشتات، ولكن على يد من يسومهم سوء العذاب، كما توعدهم الله عز وجل في كتابه، وكما تقول نبوءاتهم وكتبهم المقدسة.

لعنة العقد الثامن

ولعنة العقد الثامن لعنة يعرفها القاصي والداني، منهم ومن غيرهم، وقد قال عنها إيهود باراك في مقال نشرته صحيفة يديعوت إحرونوت: “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة، فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.

ويقول أيضًا: “المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ، ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية وننغمس في كراهية مجانية”.

ويقول تقرير نشرته تي آر تي العربية عن فكرة لعنة العقد الثامن في التاريخ اليهودي: “تجدر الإشارة إلى أن الدولة اليهودية الأولى، التي أسسها الملك داود، قد بقيت موحدة لمدة 80 عاما، ولكن في العام الـ81، وبسبب الصراعات الداخلية، تفككت مملكة بيت داود إلى مملكتي يهودا وإسرائيل المنفصلتين، وهكذا بدأ سقوطها.

أما الدولة اليهودية الثانية فكانت مملكة الحشمونائيم في عهد الهيكل الثاني، فقد ظلت لمدة 77 عاما كمملكة موحدة وذات سيادة، ولكن في العقد الثامن من عمرها تمزقت بسبب الاقتتال الداخلي، ما دفع ممثلي المعسكرين اللذين يطالبان بالتاج إلى الاقتراب من بومبي في سوريا، إذ استجداه كل واحد منهما للموافقة على جعلهما تابعين لروما، وهكذا أصبحت دولة الحشمونائيم ذات السيادة دولة محمية متدهورة تابعة لروما”.

ثانيًا: إصراره على الاغتصاب الكامل لفلسطين ومنع إقامة دولة للفلسطينيين

الكيان الصهيوني يصر بغباء منقطع النظير على عدم إقامة دولة للفلسطينيين، ولو على أقل القليل من الأرض الفلسطينية التاريخية؛ ما يبقي العداء والكره له قائمًا من كل فلسطيني، ومن كل عربي ومسلم، بل ويُبقي صورته بذلك في عيون العالم كله غاصبًا محتلًا.

ولو عقل هذا الكيان قليلًا، ولو أراد أن يبقى لبقيةٍ من السنوات، لكان قَبِل بقيام دولة فلسطينية، في الضفة وغزة، تلملم الفلسطينيين من هنا وهناك، وتعطيهم بعضًا من حقوقهم المسلوبة.

لقد أصر الكيان الصهيوني وما زال يصر على أن تكون المعركة بينه وبين الفلسطينيين معركة صفرية، فهو يسعى لقيام دولته الكاملة من البحر إلى النهر، ولم يُبقِ للفلسطينيين خيارًا إلا بالسعي لتحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر، والتحرير هو ما سيكون بإذن الله، بكلمة الله الموثقة في كتابه، وبكلمة التاريخ الموثقة في صفحاته المتتابعة، فلم تُحتل أرض إلا وتتحرر في النهاية، ولم تتجبر أمة ولا دولة إلا وتذل في النهاية.

ثالثًا: سعيه لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكله المزعوم

وهذه ثالثة الأثافي؛ إذ يسعى الكيان الصهيوني المجرم الغبي، لهدم المسجد الأقصى، لإقامة هيكله المزعوم على أنقاضه.

ولو عقل في هذه أيضًا، لسعى لإقامة هيكله بجانب المسجد الأقصى، في جواره الملاصق له، ولكان حينها قد حل الإشكالية الأكبر في وجوده وتاريخ مستقبله.

أما وأنه يصر بغباء منقطع النظير، على هدم المسجد الأقصى، فهو يصر على نهايته، ولا شك في ذلك؛ لأن هدم المسجد الأقصى إن كان – لا قدر الله – فهو ما سيفتح عليه النار التي لن تتوقف إلا بحرقه ونسفه في البحر نسفًا.

فالأمة الإسلامية النائمة، لن يوقظها مثل هدم المسجد الأقصى، وإذا استيقظت فلن توقفها الحدود، ولن توقفها الأنظمة الحاكمة الخائنة العميلة، ولا الأنظمة الحاكمة المنبطحة الجبانة.

ولا نظن أبدًا أن يبلغ غباء ذلك الكيان إلى هذا الحد ولو وصل، فإن اللحظة التي سيقدم فيها على البدء في ذلك، هي اللحظة التي ستكتب فيها نهايته.

كما أن إقدامه على المساس النهائي بالمسجد الأقصى سيجلب غضبة الله العظمى، وهو البعد الذي لا بد أن لا نغفله في أي صراع بيننا نحن المسلمين وبين غيرنا من الكفرة الفجرة الظالمين.

فإن لله غضبةً لا تُبقي ولا تذر، وإن كان الله يترك الساحة لظلم أهل الباطل ومدافعتهم من أهل الحق، فإنه سبحانه وتعالى يرى ويعلم، وله غضبة من وراء غضبة من وراء غضبة، فإذا بالغ الظالم في جبروته وطغيانه، وعجز أهل الحق عن إيقافه، فحينها ننتظر جميعًا غضبة الله الكبرى، التي لا تبقي ولا تذر، والتي حدثت كثيرًا في التاريخ الإنساني، بل وفي التاريخ الحديث، غير أننا لا ننتبه لها، ولا نربط الأحداث ببعضها جيدًا، وننسى كثيرا من علاقة بعض التفاصيل الحادثة بالتفاصيل السابقة عليها.

وإذا كان الله قد بعث يومًا طيرا أبابيل لترمي المعتدين على مسجده الحرام، فتجعلهم كعصف مأكول، فإنه سبحانه وتعالى سيرمي المعتدين على مسجده الأقصى، مثلما رمى المعتدين على مسجده الحرام، ولكن في الوقت الذي يحدده هو، وبالكيفية التي يريدها هو، وليس شرطًا أن يرميهم بحجارة كالحجارة التي نعرفها، وكم لله من جند خفيّ، هو أشد فتكًا وإفناء من جنده الظاهر الجليّ.

رابعًا: إجرامه الطاغي التاريخي

من أول يوم خطا فيها ذلك الكيان الملعون على أرض فلسطين، وهو يجرم إجرامًا لا مثيل له؛ فالمجازر التي أحدثها تمهيدًا لقيام دولته – في عام 1948م – مجازر تاريخية، علمنا عنها الكثير، وما خفي منها أكثر وأكثر.

ثم مجازره التي أحدثها في عام 1967م، ثم مجازره التي أحدثها في لبنان، عند اقتحامه لها في عام 1982م، ثم مجازره التي أحدثها في حروب غزة المتتابعة، وحرب جنوب لبنان، وجرائمه التي أحدثها ويحدثها في الضفة يوميًا.

ثم يأتي إجرامه الأكبر اليوم، وتأتي مجزرته الأكبر، في حرب غزة التاريخية، التي هي حرب الحروب، والتي قالوا عنها: “إنها التدمير الأشد في التاريخ، والذي يسبق التدمير الذي كان في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذا قيس بنسبية الوقت وحجم التدمير”.

وهنا تكون النهاية، وتبدأ بداياتها؛ فهذا الطغيان التاريخي، هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه ذلك الكيان المجرم في طغيانه واستعلائه، وقمة الشيء هي بداية نهايته.

طوفان بداية نهاية دولة الاحتلال

والعدوان الصهيوني اليوم على غزة، هو بداية نهاية دولة هذه الكيان، مهما كانت نتائجه، فإن انتهى عند هذا الحد، فقد ظهرت هزيمته الواضحة، وهي الهزيمة التي ستدب في كيانه كالسرطان المهلك… وإذا تمادى في طغيانه، واستطاع أن يهجر أهل غزة، فهو ما سيجعل الأرض كلها تغلي من تحته، لينتظر معها الطوفان العظيم، والذي لن يكون طوفانا فلسطينيًا فقط، بل سيكون بقوة الله طوفانًا عربيًّا إسلاميًّا، سيقتلع هذا الكيان من جذروه، ويرمي به لأمواج البحر، لتعود تلك الأمواج بمن يبقى منه إلى شتاتهم التاريخي وذلتهم التاريخية.

وإذا كان علينا ألّا ننسى غضبة الله الكبرى، إن بالغ هذا الكيان المجرم في مساسه بالمسجد الأقصى، فإن الأولى أن لا ننسى غضبة الله الكبرى على هذا الكيان، لتلك المجزرة التاريخية التي يحدثها في إخواننا في غزة، وتلك المشاهد التي تضج لها الأرض والسماء، فحرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة المسجد الأقصى، بل ومن حرمة المسجد الحرام.

وإننا لعلى يقين أن غضبة الله الكبرى لما يحدث في غزة قادمة لا محالة، ولكنّ الله بحكمته، سيجعل هذه الغضبة في وقتها المحدد، وبكيفيتها المحددة، كما تقتضي حكمته وقدرته ويقتضي تصريفه للأحداث.

بل وإن يقيننا هذا، ليجعلنا نخشى على أنفسنا من هذه الغضبة، فإن غضبة الله إذا جاءت، فستكون على المجرمين الظالمين، والمناصرين المؤيدين، والخائنين الموالين، ونخشى حينها أن تأخذ معهم الصامتين العاجزين.

المصدر

موقع بصائر، راغب طاهر.

اقرأ أيضا

الدور الوظيفي لـ”إسرائيل” هل يجرفه “الطوفان”؟

بلفور.. أكثر من وعد وأكبر من فلسطين

صراع بني إسرائيل مع أمة الإسلام.. الخلفيات والمآل

المعركة مع اليهود لماذا وإلى أين؟

ما بين النكبة والطوفان.. هل هرمت «إسرائيل»؟

التعليقات غير متاحة