ما الذي حدث من تغيير خطير في فاعلية الجماهيرحتى نرى هذه الظاهرة المحيرة من برود ردود الأفعال تجاه أحداث جسام أكبر وأخطر، وآخرها هذه الحرب الدولية التي يخوضها وراء شرار الخلق غالب عالم الغرب؛ ضد كرامة العرب والمسلمين المتجسدة اليوم في غرة الجبين وتاج رؤوس المجاهدين (غزة الأبية)؛ التي صارت آخر عرق ينبض، وأشجع كيان يحاول أن ينهض..؟!

هكذا تفاعلت الأمة مع قضاياها المصيرية

قبل عقود قليلة خلت، وبخاصة قبل بدء الألفية الثالثة؛ كانت عادة الأمة أن تتحرق وجدانيا ثم تتحرك واقعيا وعمليا كلما وقعت أحداث كبرى تخص المسلمين، سواء أكان ذلك في اعتداء الأعداء على الأرواح  أو الأعراض أو الرموز المقدسة ..

  • فمن ذا الذي لا يذكر، أو لم يقرأ عن اهتزاز العالم الإسلامي بأركانه حين اعتدى (شخص) نصراني استرالي – قيل وقتها إنه معتوه – على المسجد الأقصى بشب حريق فيه عام ١٩٦٩..؟
  • ومن ينسى انتفاض الأمة مع انتفاضة أطفال الحجارة في فلسطين عام ١٩٨٧، والتي لم تطفأ إلا باتفاق الخيانة في (أوسلو) عام ١٩٩١.
  • ومن لا يذكر انتفاض الأمة أيضا مع انتفاضة الأقصى الثانية عام ٢٠٠٠ عندما تجرأ رئيس وزراء كيان العدوان (شارون) مع نفر من وزرائه على اقتحام ساحات المسجد الأقصى، حيث لم تتوقف تلك الانتفاضة ولا التفاعل الإسلامي معها إلا بعد الاتفاق بين أهل الكفر وأهل النفاق في شرم الشيخ عام ٢٠٠٥ ..!
  • وهل ننسى كيف اهتز الضمير الجمعي للأمة مع طفل فلسطيني واحد قتل غدرا، وهو (محمد الدرة) على يد طغاة اليهود؟ حيث طبع مشهد مقتله الحسرات والأحزان على قلب كل من له قلب من مئات الملايين في عالم المسلمين.
  • وكذلك لا ننسى كيف التفت جماهير الأمة قبل ذلك – دون التفات – مدة عشر سنوات، وبكافة شرائحها مع الجهاد الأفغاني الأول ضد عدوان الروس، بدءا من أوائل السبعينات وحتى أواخر الثمانينات، وكذا تعاطف جماهيرها وتفاعلها بعد ذلك مع أحداث البوسنة والشيشان والعراق والصومال وغيرها من البلدان ..
  • ولا تزال الذاكرة ملأى بمشاهد المظاهرات المليونية إثر انطلاق الثورات العربية في بلدان كبيرة وكثيرة، والتي كانت بدايتها شرارة تطايرت من مظلمة ما ؛ في منطقة ما ؛ تسببت في إحراق الشاب التونسي (بو عزيزي) نفسه احتجاجا على ما رآه ظلما فادحا من السلطات؛ فكان أن اندلعت ثورة عارمة للمظلومين في تونس، تداعى لها المظلومون في مصر وسوريا واليمن.. وألهبت بعد ذلك الروح الثورية في بقية الشعوب العربية والإسلامية ..

خطوات الصهيوصليبية العالمية لاستقبال المسيح

لكن .. ما الذي حدث بعد ذلك من تغيير خطير في فاعلية الجماهير حتى نرى هذه الظاهرة المحيرة من برود ردود الأفعال تجاه أحداث جسام أكبر وأخطر ، وآخرها هذه الحرب الدولية التي يخوضها وراء شرار الخلق غالب عالم الغرب؛ ضد كرامة العرب والمسلمين المتجسدة اليوم في غرة الجبين وتاج رؤوس المجاهدين (غزة الأبية)؛ التي صارت آخر عرق ينبض، وأشجع كيان يحاول أن ينهض..؟!

سأحاول رصد ما أراه وراء هذه الظاهرة المحيرة من الأسباب، ولعل رأيا سديدا منكم يفتح الأبواب ..

كل من تابع تصاعد الهوس الديني الصهيوصليبي في منطقتنا العربية قبل وبعد سنة ٢٠٠٠ بعدة سنوات؛ كانت تظهر أمامه بصورة واضحة أعراض “حمى ألفية” توراتية إنجيلية، تمت ترجمتها إلى عدة أهداف أساسية، شكلت فيما بعد استراتيجيات للمستقبل على المدى المتوسط والبعيد .

وكان يقبع خلف ذلك الهياج الديني عند هؤلاء الأعداء وقتها؛ معتقدات وتصورات خرافية بأن العالم مقبل في العقود الأولى من الألفية الثالثة على استقبال عهد العودة الثانية لمسيح النصارى، وبدء علامات الخروج الأول لمسيح اليهود المنتظر، وهو ما يستلزم عند المغضوب عليهم والضالين معا؛ شروعا فعليا في خطوات يسلم بعضها لبعض، لن يخرج منتظر أي منهما – في اعتقادهم – بدون تحققها كلها..

وهذه الخطوات هي:

١_  ترسيخ وترسيم مبدأ (يهودية الدولة) على أرض فلسطين كلها، وإقرار ذلك في ظل “الشرعية” الدولية الجائرة..

٢_ إعلان القدس بقسميها عاصمة أبدية لهذه الدولة بعد استكمال تهويدها ودفع العالم للاعتراف الرسمي بها.

٣_  الإقدام الفعلي على هدم المسجد الأقصى بعد خطوات تدريجية  لفرض واقع جديد تحت سيف التهديد .

٤_ الشروع العملي في إعادة بناء المعبد اليهودي مكانه تحت مسمي (هيكل سليمان الثالث) باعتباره قبلة اليهود الضائعة منذ ألفي عام.

٥_ تهيئة شعب اليهود في العالم لاستقبال العصر المسيحاني، بذبح (البقرة الحمراء العاشرة) على أعتاب هذا الهيكل، للتطهر من النجس العام الذي يلطخ الأمة الملعونة منذ زمان البقرة التاسعة قبل ألفي عام..!

٦_ ترويض الشعوب الإسلامية لقبول الأمر الواقع الجديد في أرض بيت المقدس وماحولها  من خلال التوسع في سياسات التركيع عن طريق الإكراه على الرضى بسياسات التطبيع .

٧_ تغطية كل ذلك برفع راية عمية جاهلية  عامة، تحاول تحويل العداوات إلى صداقات، وتذيب الفوارق بين أصحاب الديانات ذات الأصول السماوية، وهي ما اصطلح مؤخرا على تسميته ب (الإبراهيمية)..

٨_ تكثيف التربص بالحرمين الشريفين، باستغلال الحقد والغل الرافضي، واستخدامه للنيل منهما، بزعم السعي لتحريرهما من أهل السنة الذين يمثلون عندهم العدو الأكيد..وربما الوحيد..!

٩_ التوسع أفقيا في دولة اليهو.د لاستكمال معالم ( مملكة داوود) من النيل الى الفرات،التي ترمز لها النجمة السداسية، التي صارت ترفرف في معظم العواصم العربية..!

إشعال (حرب عالمية) على القوى الحية في الأمة الإسلامية

كل ذلك كان يحتاج من تحالف الأعداء إلى إشعال (حرب عالمية) على القوى الحية أو القابلة للحياة في الأمة الإسلامية .. وهو ما بدأ بالفعل في بدايات الألفية، من خلال الحرب التي أسموها بكل صراحة ووقاحة وبجاحة: (الحرب العالمية على الإرهاب) أو (الحرب الطويلة) .. أو (حرب القرن القادم) كما أسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية _ اليهودية _ في عهد كلينتون (مادلين أولبرايت) في تصريحات علنية لها قبل أن تبدأ هذه الحرب بأعوام..

فكيف بدأت تلك الحرب المستمرة منذ ما يزيد على عقدين، والتي يجنون غنائمها اليوم على المستوى العام لأمة الإسلام، وماذا استهدفت،  وإلى أين وصلت أو أوصلت ..؟

إعادة بناء الهيكل على أنقاض الأقصى..أخطر أحداث العصر

من ظن أن إجماع طواغيت العصر على التنكيل بساكني الأرض المقدسة في هذه المرحلة ليس وراءه إلا الانتقام من تبعات طوفان الأقصى .. فليراجع معلوماته عن أسباب مجئ اليهود أصلا لفلسطين بدفع من الصليبيين..

  • فكما هو معلوم؛ فإن الشروط الثلاثة التي اشترطها التوراتيون لمجيء مسيحهم المنتظر؛ والتي حولها السياسيون من خرافات خيالية إلى استراتيجيات واقعية؛ هذه الشروط لم يحقق المغضوب عليهم مع الضالين منها إلا شرطين اثنين بعد حربين كبيرتين، فالشرط الأول وهو أن يكون لليهود دولة؛ حققوه في حرب عام ١٩٤٨ التي عرفت بحرب النكبة، و الشرط الثاني وهو أن تكون القدس عاصمتها؛ تحقق في حرب عام ١٩٦٧ التي سميت بحرب النكسة، وكان لابد – بحسب اعتقادهم – من حرب ثالثة أكبر لتحقيق الشرط الثالث الأخطر؛ وهو إعادة بناء الهيكل على أنقاض الأقصى.
  • فاستكمال معالم مشروعهم لن يتم في اعتقادهم إلا باستعادة قبلتهم التي كانوا عليها، ولو كان ذلك بحرب إقليمية أو عالمية، تفتعل وسط أدخنتها الكثيفة أحداث يغطي ضجيجها الضخم على التمهيد لأخطر أحداث العصر ..!

استراتيجية (الصدمة والترويع) لمواجهة الشعوب

ومن تأمل في مجريات الحرب المعلنة منذ أكثر من عقدين تحت مسمى (الحرب العالمية على الإرهاب) سيدرك أنها دبرت لتهيئة ساحات المسلمين بوجه عام نحو إحباط وعجز تام ، وقد كان تخطيطها كما هو معلوم؛ من تدبير عصابة (المحافظين اليهود الجدد) الذين غلبوا على إدارة (جورج بوش الابن).

  • وقد رأى المتآمرون أن تنفيذ الشرط الثالث المذكور، لن يقود الأمة في مواجهته إلا الإسلاميون، رغم ضعفهم أو استضعافهم، لذلك كان لزاما شن تلك (الحرب الطويلة) ضدهم بكل اتجاهاتهم في أنحاء العالم، بحيث تعتمد لهذه الحرب استراتيجية (الصدمة والترويع) التي قصدت بها الشعوب قبل الكيانات والجماعات منذ البدايات، وهو ما حدث في التنكيل بالشعب الأفغاني خلال غزو أفغانستان عام ٢٠٠١، ثم الشعب العراقي عام ٢٠٠٣،  ثم تكررت حروب الإبادة الجماعية بعد ٢٠١١ خلال الثورات العربية في مدن سورية وعراقية وليبية كحلب والرقة والأنبار ودرنة والموصل وتكريت والباغوز وغيرها ..
  • ولإعطاء استراتيجية (الصدمة والترويع) بعدا عالميا حقيقيا؛ شكلت أمريكا وقتها تحالفا دوليا ضم ثمانين دولة، كثير منها توصف بأنها عربية أو إسلامية..!

وقد ساهمت حرب بوش التي استكملها أوباما ومن بعده في تهيئة أوضاع الشعوب لما هو حاصل اليوم، حيث يدل تسارع الأحداث وتسلسلها على أن القوم يعجلون في شأن الشروع في تنفيذ شرطهم الثالث المتعلق بالهيكل الثالث في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين على أقل تقدير..

لكن الله على كل شئ قدير، وهو بالإجابة جدير لكل من دعا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.

(رَبِّنا أعِنِّا ولا تُعِنْ عليَّنا، وانصُرْنا ولا تنصُرْ عليَّنا، وامكُرْ لنا ولا تمكُرْ عليَّنا، واهْدِنا ويَسِّرْ الهُدى إليَّنا، وانصُرْنا على من بغى عليَّنا).

اقرأ أيضا

دور الأمة في التغيير

محورية البعد الديني في صراعنا مع اليهود

المعركة مع اليهود لماذا وإلى أين؟

من منكرات التطبيع مع اليهود؛ التنازل عن أرض إسلامية

التطبيع مع اليهود والاحتلال الناعم

التعليقات غير متاحة