إن المنقب عن أهداف اتفاقيات ومؤتمرات المرأة يصل إلى أن الأهداف المعلنة ما هي إلا ستار لتمرير ما هو أشد خطراً بالمجتمعات البشرية فضلا عن الإسلامية…فما هي تلك الأهداف؟.
حقيقة مؤتمرات المرأة
انطلقت اتفاقيات ومؤتمرات المرأة – كافة – من أهداف محددة تحكمها فلسفة واحدةً، وملتزمة بتلك الأهداف، واستراتيجية طويلة المدى، عملت على فرض مبادئ وقيم على المجتمعات وبخاصة الإسلامية، بقصد تفتيت الهوية الإسلامية، وجعل النظام الغربي هو النظام العالمي.
ولهذا كان العمل على تحقيقها بشتى الطرق، إلا أن هذه الأهداف لم تصبغ صبغة واضحةً، بل تفاوتت ما بين أهداف معلنة واضحة، وأهداف عمل عليها تحت الستار، وما ذاك إلا أنها تريد الزج بالمجتمعات الإسلامية في ملتها، مصداقًا لقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]. وفيما يلي بيان لتلك الأهداف والاستراتيجيات التي تعمل في ضوئها:
أولا: الأهداف المعلنة من اتفاقيات ومؤتمرات المرأة.
جاءت اتفاقيات ومؤتمرات المرأة بأهداف معلنة، اتخذ بعضها طابع الإيجابية لكل منصف للحق امتثالا لقول الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ) [المائدة:8]، وهي على الوجه الآتي1(1) انظر العبد الكريم، فؤاد بن عبد الكريم، العولمة الاجتماعية للمرأة والأسرة. الرياض، مجلة البيان، ع 170 يناير 2002م، ص 43. :
1 – تعليم المرأة، والقضاء على معدلات الأمية المرتفعة بحلول عام 2000م.
2 – الدعوة إلى العناية بالنساء المسنات، وذوات الحاجات الخاصة.
3- مكافحة الأمراض السارية بين النساء، خاصة في المناطق الفقيرة.
4 – محاربة الاتجار بالمرأة، واستغلالها جنسيا من خلال شبكات وعصابات حماية متخصصة في هذا المجال، واعتبار ذلك جريمة دولية محرمة.
5 – تشجيع وسائط الإعلام على الامتناع عن تصوير المرأة على أنها مخلوقة أدنى منزلة من الرجل، وكذلك عدم استغلالها مادة وسلعة في سوق الجنس.
6- العمل على المساواة في الأجور بين الجنسين لنفس العمل، وبنفس الجودة.
7- إعطاء المرأة العاملة إجازة أمومة.
8 – الدعوة إلى الرضاعة الطبيعية، بالنسبة إلى الأم.
9 – مسؤولية الوالدين عن تربية الطفل، وتنشئته تنشئة سوية.
10 – التحذير من وأد البنات والانتقاء الجنسي قبل الولادة.
وعلى الرغم من إيجابية هذه الأهداف – المتوافقة مع الشريعة الإسلامية – وما تعمل عليه من القضاء على التحيزات والعادات العرقية الضارة بالمرأة، ومن الحصول على مطالبها وحقوقها المشروعة2(2) انظر : بنود ومفاهيم حرجة في المواثيق الدولية، استرجعت بتاريخ 2012/10/17م من، إلا أن هذه المؤتمرات لم تحرص على متابعة تنفيذها ، خاصة ونحن نشهد ما يحصل في مناطق النزاع في العالم من سوء أحوال المرأة، واستغلالها، والاعتداء عليها جنسيا، كما أن وسائل الإعلام لم تلتزم بذلك وما زالت تقدم المرأة بصورة سلعة ومادة جنسية.
ثانيا: الأهداف غير المعلنة من اتفاقيات ومؤتمرات المرأة
إن المنقب عن أهداف اتفاقيات ومؤتمرات المرأة يصل إلى أن الأهداف – السابقة الذكر – ما هي إلا ستار لتمرير ما هو أشد خطراً بالمجتمعات البشرية فضلا عن الإسلامية، ومن هذه الأهداف:
1 – الهدف الرئيسي هو فصل الدين عن جوانب الحياة الاجتماعية المختلفة3(3) الشامي، إيمان بنت محمد محمد، التربية وبعض قضايا المرأة بين الفكر الإسلامي والعربي ص153.، حيث إن أساس تلك المؤتمرات تقوم على فكرة مخالفة – من حيث الأصل – حيال طبيعة المرأة، ووظيفتها في الحياة4(4) العبد الكريم، العدوان على المرأة مرجع سابق، ص 8 ..
2 – إرساء قواعد كونية تنظم وتحكم السلوك البشري على الصعيد العالمي في كل مجالات الحياة، سواء كانت اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية، ومما يدل على ذلك ما صرح به روبرت مولر أحد مسؤولي الأمم المتحدة، حيث يقول: “لقد اعتقدت جازمًا أن مستقبل سلامنا وعدالتنا وتجانسنا في هذا الكوكب لن يكون رهنا بحكومة عالمية بل بوحي كوني وحكومة كونية، بمعنى أننا نحتاج إلى تطبيق قوانين طبيعية تطورية استلهامية كونية، إن معظم هذه القوانين موجودة في الديانات الكبيرة والنبوءات العظيمة، وسيعاد اكتشافها رويدا رويدا عبر المنظمات العالمية.
3 – فرض نمط الحياة الغربية، وهذا يبدو من أول الأهداف الحقيقية لتلك الاتفاقيات والمؤتمرات، وذلك من خلال طرح بديل قيمي وثقافي وأخلاقي مخالف للقيم والثقافة السائدة في المجتمعات الإسلامية، أو بمعنى أدق جعلنا مستهلكين لآخر ما توصل إليه العالم الغربي في مجال القيم والسلوك.
4- تفكيك نمط الحياة الأسرية لتسهيل السيطرة على المجتمعات الإسلامية، فلقد أدرك الغرب أن نجاح المجتمعات الإسلامية وتحررهم من الاحتلال الغربي يرجع في المقام الأول إلى قوة البناء الأسري، لذلك عمدت تلك الاتفاقيات والمؤتمرات بالتركيز على قضايا المرأة بهدف هدم كيان الأسرة، وبالتالي هدم المجتمع ككل.
5- التحكم ومحاولة السيطرة على الزيادة الكمية لأعداد المسلمين، حيث ارتبطت الدعوة بالغرب بنظرية الراهب توماس مالتوس5(5) توماس بالتوس: (1766 – 1834م)، عالم اقتصاد سياسي إنكليزي، وضع نظرية تعرف بالمالتوسية تقول بأن عدد سكان العالم يتزايد بنسبة تفوق نسبة تزايد المواد الغذائية، وبأن هذه الواقعة إذا لم يكبح جماحها عن طريق الزواج المتأخر والتقليل من إنجاب الأولاد، فإنها تقود العالم إلى حال من الفقر والمجاعة غير المحمودة، انظر: معجم أعلام المورد طاء البيروت: دار العلم للملايين، 1992م)، ص 412. الذي ربط بين زيادة السكان ونضوب الموارد، مع أن مشكلة السكان متباينة من إقليم لآخر، إلا أن هيئة الأمم المتحدة لم تراع هذا التباين، وما ذاك إلا محاولة للسيطرة على الزيادة السكانية في المجتمعات الإسلامية .
6- إلغاء ثقافات الشعوب وحضاراتها وهذا في غاية التناقض بين النص القائم في مؤتمراتها واتفاقياتها على مراعاة الخصوصية الحضارية والثقافية والقانونية وبين مضامين النصوص التفصيلية التي تكرس معايير نمطية يراد فرضها على جميع البشر دون مراعاة الخصوصيات ولعل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة خير شاهد على ذلك6(6) انظر: اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التميز ضد المرأة “ميداو” رؤية نقدية من منظور شرعي، ص 25..
7- جعل الوثائق وما تحمله من أفكار وقيم فقط المرجعية النهائية التي تحتكم إليها المجتمعات الإسلامية، وتلزم بها الدول على تغيير قوانينها الداخلية وفق تلك الوثائق، ومما يزيد الأمر سوءا أن تلك الوثائق تحتوي على ألفاظ فضفاضة – غير محددة المعنى – وإن كان لها معنى مستبطن، لم يكن كذلك إلا لتعتمده الدول الإسلامية، ومن بعد ذلك يأتي دور التفسير لذلك المعنى (المستبطن) ودور الضغط على الدول الإسلامية – وبخاصة الفقيرة منها – لتقبل تلك المعاني، وتُعدّل نظامها على أساس تلك الوثائق، وهنا مكمن الخطر7(7) انظر: العجمي، نحو نموذج تربوي للحفاظ على هوية المرأة المسلمة، ص8..
ونتيجة لتلك الاتفاقيات والمؤتمرات، وما تنطوي عليه من الأهداف المبطنة ظهرت العديد من المفاهيم؛ بداية من مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق، إلى مفهوم يرفض وجود اختلافات بينهما، وأن سبب هذه الفروق يعود إلى أسباب تاريخية واجتماعية وليس إلى فروق بيولوجية، وهو ما تطلق عليه هيئة الأمم المتحدة مفهوم “الجندره”.
الهوامش
(1) انظر العبد الكريم، فؤاد بن عبد الكريم، العولمة الاجتماعية للمرأة والأسرة. الرياض، مجلة البيان، ع 170 يناير 2002م، ص 43.
(2) انظر : بنود ومفاهيم حرجة في المواثيق الدولية، استرجعت بتاريخ 2012/10/17م من
موقع اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل.
(3) الشامي، إيمان بنت محمد محمد، التربية وبعض قضايا المرأة بين الفكر الإسلامي والعربي ص153.
(4) العبد الكريم، العدوان على المرأة مرجع سابق، ص 8 .
(5) توماس بالتوس: (1766 – 1834م)، عالم اقتصاد سياسي إنكليزي، وضع نظرية تعرف بالمالتوسية تقول بأن عدد سكان العالم يتزايد بنسبة تفوق نسبة تزايد المواد الغذائية، وبأن هذه الواقعة إذا لم يكبح جماحها عن طريق الزواج المتأخر والتقليل من إنجاب الأولاد، فإنها تقود العالم إلى حال من الفقر والمجاعة غير المحمودة، انظر: معجم أعلام المورد طاء البيروت: دار العلم للملايين، 1992م)، ص 412.
(6) انظر: اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التميز ضد المرأة “ميداو” رؤية نقدية من منظور شرعي، ص 25.
(7) انظر: العجمي، نحو نموذج تربوي للحفاظ على هوية المرأة المسلمة، ص8.
المصدر
كتاب: “مفهوم الجندر وآثاره على المجتمعات الإسلامية” أمل بنت عائض الرحيلي، ص57-63.
اقرأ أيضا
دحض شبهات حول نظام الأسرة في الإسلام