جعل سبحانه من آياته ما قدّره من خلق السكن في المرأة للرجل. وهي من نفْسه. وضمن تعالى أن يجعل بينهما ما يربط القلوب ويظلل الحياة. ولهذا أسباب ووسائل.
مقدمة
لا ينظر الإسلام للزواج باعتباره ارتباطاً بين جنسين فحسب، وإنما يعتبره علاقة متينة وشراكة وثيقة لا تنفصم عراها تجمع بين متعاقدين لبناء أسرة متماسكة تربطها روابط الرحم؛ وأكد أن قوامها الوداد والتراحم والتعايش ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم:21].
ومثلما أن هناك عوامل وأسباباً يمكن أن تساهم في تعكير صفو هذه العلاقة، وربما تؤدي إلى هدمها، فكذلك ثمة عوامل وأسباب يمكن أن تقوي هذه العلاقة وتزيد من متانتها وتساعد على غرس وتنمية السعادة الزوجية والمحافظة عليها بين الزوجين، ولعلنا نحاول أن نصل معاً إلى أهم تلك الأسباب.
أهم أسباب السعادة الزوجية
التدين الراشد
الالتزام بأوامر الله عز وجل والإكثار من ذكره والبعد عن معاصيه، به تنشرح النفوس وتطمئن القلوب ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب﴾ [الرعد:28].
وحينما نقول: إن التدين ينبغي أن يكون راشداً فليس من أجل استتباب الحياة الزوجية فقط، بل الحياة كلها، بمعنى أن يكون التدين شاملاً عاما، يشمل كافة مناحي الحياة اليومية.
فالعبادات والقربات من الدين. وحسن التعامل مع الآخرين من الدين، وصلة الرحم، والابتسامة، وأداء الواجبات والحقوق للناس، كلها من أمور الدين. كما لابد أن يكون التدين متوازناً فليس من الفقه التوسع في النوافل مع إهمال حقوق الزوج أو رغباته أو العكس، ولذلك لا يشرع للمرأة صيام النفل إلا بإذن زوجها.
والشيطان قرين الغافلين عن الله وشرعه، وهو من أهم العوامل المفضية لغرس الكراهية وبث البغضاء بين الزوجين وله في ذلك طرق ووسائل شتى وحيل وحبائل عديدة، بل إن أدنى أعوان إبليس إليه منزلة هو ذلك الذي يعمد إلى التفريق بين الأزواج ويفلح في إيقاع الطلاق بينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً. يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ». (1مسلم 5032)
البعد عن الروتين وضرورة التجديد
فالإنسان بطبعه يحب التجديد في كل أمر من أمور دنياه، والروتين أحد أسباب الملل وجلب الكآبة؛ لذلك ينبغي على الزوج والزوجة أن يضفيا على حياتهما نوعاً من التغيير وألا يعكفا على نمط واحد، كأن تجتهد الزوجة في تغيير زينتها بما يناسبها، أو تتعلم نوعاً جديداً من الأطعمة والمشهيات فتضيفه إلى مائدتهما، وعليها كذلك من وقت لآخر أن تغير من صورة بيتها بنقل الأثاث وتحويره من مكان إلى آخر.
والزوج مطالب كذلك بأن يكسر الروتين بوسائل كثيرة منها على سبيل المثال الخروج مع أهله للترويح عن النفس من خلال الرحلات المشروعة من دون إفراط ولا تفريط.
غض الطرف عن بعض الهفوات
فالكمال ليس من سمة البشر، بل الأصل في البشر الخطأ والزلل، ولذلك فمن الحق والعدل أن يغض الزوج والزوجة طرْفهما عن الأخطاء الصغيرة والهفوات العابرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (2مسلم 2672، لا يَفْرَك أي: لا يبغض)
الملاطفة من أسباب دوام المودة والرحمة
فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحرص كل واحد على ملاطفة الآخر وملاعبته والمزاح معه. فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه برغم جديته وشدته يقول: «ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي فإن كان في القوم كان رجلاً».
وروت عائشة رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» (3أبو داود 2214)
احتواء المشاكل الطارئة وسرعة معالجتها
ومعالجتها أولاً بأول وعدم الهروب منها، فإن تراكمها وتطورها يقود إلى نتائج غير محمودة العواقب، ويجب ألا يسيطر اليأس على أحد الزوجين أو كليهما باستحالة الحل، فلكل مشكلة حل ولكل خلاف علاج.
وليحرص الزوجان على المحافظة على أسرار حياتهما الزوجية؛ وذلك من خلال الثنائية في طرق المشاكل والاتفاق على الحل وألا يوسعا دوائر الخلاف بإدخال أطراف أخرى لئلا تتسرب الأسرار وتتطور المشكلة، وإن كان لا بد من مشاركة طرف آخر فليكن الوسطاء من أهل العقل والتجربة والحكمة والصلاح وممن يحفظون أسرار البيوت.
تبادل الهدايا تغرس المحبة في النفوس
تبادل الهدايا بين الأزواج لا سيما هدايا الزوج للزوجة، إحدى أسباب غرس المحبة بينهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (4البخاري في الأدب المفرد 612، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 1601)
فالهدية هي تعبير عن المودة وهي كسرٌ لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية؛ فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف؛ فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً.
ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الغرض من الهدية هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول، وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية، ولكن إن كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المَوَدّة.
الغيرة المحمودة تؤثر على العلاقة
مع عدم المبالغة في الغيرة بل تكون باعتدال وروية، وهي بذلك تكون مؤشراً على محبة كل من الطرفين للآخر وعدم تفريطه فيه أو السماح بالنيل منه بشكل غير مشروع، فيجب على الزوج أن يعتدل في هذا الشأن، ولا يبلغ إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات النساء: «إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ». (5النسائي 2511، وأحمد 22630، وحسنه الألباني في الإرواء 1099) لأن ذلك من سوء الظن الذي نهانا الله تعالى عنه، فإن بعض الظن إثم.
ويُحكى أن سليمان عليه السلام قال لابنه: «لا تكثر الغيرة على أهلك، ولم تر منها سوءاً؛ فترمي بالشر من أجلك، وإن كانت منه بريئة». (6أبو نعيم في الحلية 3 / 71 حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه، وكذا البيهقي في شعب الإيمان 842، وابن عساكر في تاريخ دمشق 22/285).
وأما الغيرة التي تكون في محلها فهي مطلوبة شرعاً ولا بد منها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ..». (7مسلم 44959، والترمذي 1088 وقال حسن غريب)
فالمطلوب إذاً هو الاعتدال بحيث يغار الزوج في المواطن التي تجب فيها الغيرة، ويُمسك فيما عدا ذلك من غير ضعف ولا تنطّع.
العقلانية في الطلبات
بحيث لا تكلف الزوجةُ زوجها بطلبات ترهق ميزانيته أو وقته أو صحته وتضيف عليه أعباء جديدة خاصة إن لم يكن قادراً على توفيرها، وكذلك الزوج مُطالَب هو أيضاً ألّا يحّمل زوجته ما لا تطيق من أعباء وتكاليف، سواء كان ذلك في التعامل أو المسؤوليات أو غيره. قال تعالى في محكم تنزيله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286].
الإحترام المتبادل يزيد في الودّ والمحبة
ينبغي على الزوجة أن تحترم زوجها، وأن تعترف له بالقوامة، وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن ينفرد بها، وإنزاله منزلته التي أنزله الله إياها، من كونه رب الأسرة وسيدها وحاميها والمسؤول الأول عنها.
وإذا أرادت الزوجة أن تشاركه الرأي في بعض اختصاصاته فيجب أن يتم ذلك بتلطف ولباقة واختيار الوقت والزمان المناسبَيْن لمناقشة مثل هذه القضايا وطرح الأفكار، على ألا تصرّ الزوجة على رأيها أو موقفها إن وجدت منه تمنّعاً، بل عليها أن تؤجل الأمر حتى تسنح الفرصة ويتهيأ بذلك المناخ لمناسب لمعاودة الطرح.
التشاور وتبادل الرأي
ويتم ذلك من خلال عقد جلسات عائلية داخل المنزل من وقت لآخر؛ يتشاور فيها الزوجان عما يجب عمله في الأمور المهمة في حياتهما المشتركة. ويتم من خلال ذلك تقويم تجاربهما الماضية والتخطيط للمستقبل؛ وذلك عبر رؤية مشتركة؛ فإن القرارات إذا أُخذت باتفاق لا شك أنها أفضل من نظيراتها الفردية.
ضبط النفس وعدم التنابز
يجب ضبط النفس عند وقوع الخلافات بين الزوجين، والبُعد عن استخدم العبارات الجارحة أو انتهاج السلوك المؤذي بين الزوجين. كأن يعيّر الزوج زوجته بنقص فيها، أو أن تخدش الزوجة زوجها بنقائصه، خاصة إن كانت تلك النقائص مما لا يؤثّر في الدين والخُلق أو يجرح الاستقامة والسلوك. وفي ذلك يجب أن يكون النقد أو التوجيه بأسلوب رقيق تلميحاً لا تصريحاً، ثم المصارحة بأسلوب المشفِق الودود.
وليس هناك أي مبرر مثلاً لكي يعيب الزوج على الزوجة عدم إتقانها لفن الطبخ، بل عليه بدل ذلك أن يحضر لها الكتب المتخصصة في هذا الشأن. ومن الممكن أن يوجهها بعبارات لائقة كأن يقول لها لو فعلت ذلك لكان خيراً، ولو امتنعت عن ذلك لكان أفضل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يصحح الأخطاء تلميحاً لا تصريحاً فكان يقول «مَا بَالُ أَقْوَامٍ». (8انظر مثلاً: البخاري 436، 708، ومسلم 2487، والنسائي 938، والترمذي 2050، وأبو داود 779، وابن ماجه 2007)
وكذلك أيضاً ما عاب طعاماً قط؛ فالانتقاد الحاد والهجوم الصارخ من الممكن أن يقود إلى التعنت ويؤدي إلى العزة بالإثم.
مبدأ الخصوصية بين الزوجين
عدم السماح للغير (خاصة الأقربين) بالتدخل في الحياة الزوجية وتناول الأمور الخاصة بالزوجين؛ فأغلب هذه التدخلات لا تأتي بخير، فأهل الزوجة غالباً ما يتدخلون لصالح ابنتهم، وكذلك فأهل الزوج يتدخلون لمناصرة ابنهم، الأمر الذي يعمل على إيجاد المشاكل وتأزّمها بين الزوجين.
وكثيراً من الخلافات الزوجية إنما تنجم بسبب تدخلات الأقارب في الشئون الزوجية، فحياة الزوجين هي ملك لهما فقط لا ينبغي أن تُعكّر صفوَها التدخلاتُ الخارجية مهما كانت درجة القرابة.
العدل
إذا كان الرجل متزوجاً أكثر من واحدة فيجب عليه الاجتهاد أن يعدل بين أزواجه، وألّا يفضل إحداهما أو إحداهن دون غيرها، فالشعور بالظلم من قبل الزوجة سيولّد مشاكل، ولربما يكون سبباً في هدم العلاقة الزوجية.
كما انه ليس من الحكمة في شيء أن يبوح الزوج بحبه وتقديره لإحدى زوجاته دون غيرها من نسائه في وجود الضرة، ولا أن يتكلم عن محاسن وإيجابيات إحداهما في وجود الأخرى حتى وإن كان صادقاً ومحقاً في ذلك.
فالغيرة تُعد طبيعة فُطِرَت عليها النساء ولم يسلم منها حتى أمهات المؤمنين من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة كانت تغار من خديجة رضي الله عنهما برغم أنها لم تدركها، وكانت تنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه وثناءه عليها، فتقول: «قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا». (9وهو من كلام السيدة عائشة رضي الله عنها، البخاري 3536، ومسلم 4467)؛ فإن كان هذا هو شأن عائشة مع خديجة رضي الله عنهما، فكيف يكون الحال بالنسبة لمن عداها من النساء؟!
خاتمة
تلك نصائح وخلاصات لتجارب، ومدلول أدلة شرعية وتوجيهات نبوية من أجل تحقيق حالة المودة والرحمة التي يرجوها الزوجان من علاقتهما الزوجية، وهي من آيات الله تعالى. فمن أخذ بها ثقة بربه وجد ما وعد تعالى من الموَدة الرابطة بين القلوب والرحمة المظللة للحياة.
……………………………….
هوامش:
- مسلم 5032.
- مسلم 2672، لا يفرك أي: لا يبغض.
- أبو داود 2214.
- البخاري في الأدب المفرد 612، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 1601.
- النسائي 2511، وأحمد 22630، وحسنه الألباني في الإرواء 1099.
- أبو نعيم في الحلية 3 / 71 حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان لابنه، وكذا البيهقي في شعب الإيمان 842، وابن عساكر في تاريخ دمشق 22/ 285.
- مسلم 44959، والترمذي 1088 وقال حسن غريب.
- انظر مثلاً: البخاري 436، 708، ومسلم 2487، والنسائي 938، والترمذي 2050، وأبو داود 779، وابن ماجه 2007.
- وهو من كلام السيدة عائشة رضي الله عنها، البخاري 3536، ومسلم 4467.
المصدر:
- “رفقاً بالقوارير – نصائح للأزواج”، أمة الله بنت عبد المطلب، ص218-234.