هلت علينا أيام مباركة. فما هو فضلها؟ وما أحب الأعمال إلى الله فيها؟
فضل العشر الأوائل من ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:
يحل علينا موسم من مواسم الخير والتنافس في الطاعات والتقرب من الله عز وجل ألا وهي عشر ذي الحجة المباركة التي أقسم الله عز وجل بها في قوله سبحانه (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) وحث على كثرة الذكر فيها في قوله (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) [الحج – 28].
وهي أيام مشهودة كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ ، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”1(1) رواه البخاري (969)، وأبو داود (2438) – واللفظ له –، والترمذي (757)، وابن ماجة (1727)..
إذن هي فرصة للراغبين في القرب من الله عز وجل ورجاء رضاه وجنته أن لا تضيع عليهم الأوقات في هذه العشر المباركة، والأعمار بيد الله عز وجل فلا أحد يدري متى يفجأه الأجل، وإذا أدركها فهل يدركها في العام القابل أم لا يدركها، فحري بمن يحب الخير لنفسه أن يجعلها زمان عبادة وقربات من الله عز وجل، والأعمال الصالحة كثيرة لكن جاء الحث على بعض الأعمال فيها؛ منها:
أحب الأعمال في هذه الأيام
- كثرة ذكر الله عز وجل فيها حيث جاءت السنة بالإكثار من التكبير والتحميد والتهليل فيها في كل وقت فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”2(2) أخرجه احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر..
وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، وهناك صفات أخرى.
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولاسيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع.
وينبغي عند التلفظ بهذا الذكر العظيم أن نتدبره وأن يتواطأ القلب مع اللسان في فهم معانيه وما تقتضيه من الإخبات والمحبة والتعظيم والخوف والرجاء لله عز وجل وأن لا تكون مجرد ألفاظ نرددها ولا نفقه معناها أو نفقه معناها ولا نعمل بمقتضاها (فالله أكبر) تعني أن يكون الله عز وجل أكبر في قلوبنا وأعمالنا من كل شيء وأن تكون حدوده وأحكامه أكبر من كل شيء فلا نتعداها ولا نقدم عليها شيئاً.
- كثرة الصلاة من النوافل والسنن الرواتب وقيام الليل وصلاة الضحى والتطوع المطلق.
- صيام أيامها ولاسيما يوم عرفة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين”3(3) أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462...
- كثرة الصدقة وإغاثة الملهوف وإعانة المحتاج وتفريج الكربات والتيسير على المعسر.
- صلة الرحم والقرابة وتجديد الزيارات لهم وتفقد أحوالهم وزيارة مريضهم وإعانة محتاجهم وإصلاح ذات بينهم وإعادة ما انقطع من الصلات معهم.
- الأضحية: حيث أنها من أعظم العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى ولنتذكر أن الذي يصلنا من أجرها هو الإخلاص لله فيها وتقوى الله عز وجل وابتغاء مرضاته وليس مجرد الذبح والأكل منها قال سبحانه: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) [الحج – 37] ولنتذكر أصل مشروعية الأضحية وأنها جاءت من تضحية إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإبنه وذبحه تقرباً لله تعالى وامتثالاً لأمره. وتذكر هذا الأصل يجعل المسلم وهو يضحي لله تعالى يستشعر أن الذبح لله تعالى تجديد عهد مع الله سبحانه في استعداد المؤمن لأن يضحي في سبيل الله تعالى بالغالي والنفيس وأن لا يقدم شيئاً من الدنيا على مراد الله تعالى ومحبته.
نسأل الله عز وجل أن يستعملنا في طاعته، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وأن يجعل أيام هذه العشر المباركة ولياليها أيام وليالي نصر وعز وفرج للمسلمين في كل مكان.
والحمدلله رب العالمين
الهوامش
(1) رواه البخاري (969)، وأبو داود (2438) – واللفظ له –، والترمذي (757)، وابن ماجة (1727).
(2) أخرجه احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر.
(3) أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462.
اقرأ أيضا
خير أيام الدنيا .. ماذا يشرع فيها؟