السؤال
كثرت مطالباتٌ من دولٍ كالإمارات ومصر وغيرهما بتسليم بعض المعارضين – ولاسيما الإسلاميين – وقد قامت لبنان بالفعل بتسليم عبد الرحمن القرضاوي للإمارات، والآن توجد مطالبات بتسليم بعض المجاهدين؛ فهل يجوز لدولة إسلامية وحكومة مسلمة أن تطلب هذا الطلب، وهل يجوز للدولة المطالبة بهذا الطلب أن تقوم بالتسليم؟ وما هي الأحكام الشرعية المنظمة للحقوق في هذه المسألة؟
الجواب
أولًا: لا يصحُّ تسمية الأنظمة الحاكمة لبلاد المسلمين دولًا إسلامية؛ لأنّها لا تمثل الإسلام ولا تحكم بشريعة الإسلام حتى توصف بأنّها دول إسلامية، ثمّ إنّها ليست دولًا على الحقيقة وإن تمتعت بأركان القوة اللازمة لقيام الدولة؛ إنْ هي إلا أنظمة غير شرعية ولدت من سفاح على مخدع (سايكس بيكو)، ومهمتها أن تحكم المسلمين بالوكالة عن النظام العالميّ المحارب لله ورسوله، أو عن الذين صنعوا النظام العالميّ ليهيمنوا به على العالم، كما أنّ هؤلاء الحكام لا يمثلون المسلمين إلا كما كان يمثلهم في الماضي المندوب السامي للاحتلال، فلا يقال عنهم الحكام المسلمين، لأنّهم – وبغضّ النظر عن حكم الشرع فيمن يحارب شريعة الله ويوالي أعداء الله – لا يمثلون المسلمين، فيجب تسمية الأمور بأسمائها؛ ليصحَّ بناء الأحكام.
ثانيًا: هناك من الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين – وهي قلّة قليلة – ما دلّ الواقع على أنّها تجتهد في إقامة الدين وتحقيق العدل بقدر الإمكان، وأنّها – على الرغم من أنّ أغلبها لا يحكم بشريعة الله – تحاول بتدرج ومرحلية تحقيق ما يمكن تحقيقه من الخير ودفع ما يمكن دفعه من الشرّ، فهذه لها خطاب، أمّا الأنظمة الأخرى – وهي الأكثر والأغلب – فليست من الإسلام في شيء؛ فلا يوجّه لها الخطاب ذاته، وإنّما يوجه إلى المسلمين خطابٌ يتعلّق بها وبكيفية التعامل معها والتأثير والضغط عليها.
ثالثًا: يجب على الأنظمة التي لا تزال على إسلامها – لكون الواقع دلّ على أنّها ما تأخرت عن تحكيم الشريعة إلا لأنّها في حال الضرورة – أنْ تعلم أنّ المعارضين السياسيين اللاجئين إليها – ولاسيما العاملين للإسلام – يمارسون حقّهم الشرعيّ في الهجرة من الظلم إلى أرض الله الواسعة، عملًا بقول الله تعالى: (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا) الآية (النساء: 97)، وأنّهم قد دخلوا في أمان إخوانهم من المسلمين، ولاذوا بحماهم؛ فلا يجوز – ألبتّة – تسليمُهم لحكوماتهم ولا حتى تهجيرُهم إلى بلد لا يجدون فيها الأمان، لأنّ هذا من قبيل الظلم والطغيان، ومن جنس التعاون على الإثم والعدوان، ومن نوع الخذلان وقطع وشائج الإيمان بين الإخوان، والله تعالى يقول: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (المائدة: 2)، والرسول الله صلّى الله عليه وسلم قد قال في خطبة الوداع: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» 1متفق عليه البخاري برقم (1739) ومسلم برقم (1679)، وقال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا ولا يُسْلِمُه ولا يَخْذُلُهُ» 2متفق عليه البخاري برقم (2442) ومسلم برقم (1986)، وقد أمر الله بتأمين من طلب الأمان من المشركين فقال بعد آية السيف: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) الآية (التوبة: 6)، فكيف بالمسلم؟ بل وكيف بالمسلم الداعية أو المجاهد العامل للإسلام؟! ثمّ إنّ الذي يقوم بتسليم مسلم ليُحكم عليه بالإعدام أو ليُقتل تحت التعذيب هو في الحقيقة شريك في القتل، وقد قال أمير المؤمنين عمر: “لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به”، والجمهور من العلماء على أنّ الجماعة تقتل بالواحد، فلا ريب أنّ هذا حرام، وأنّه ظلم وإجرام.
ثالثًا: يجب على المسلمين في كافّة بلاد الإسلام التي تحكمها أنظمة عميلة دخيلة محاربة لله ورسوله – وهي السواد الأعظم من الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين – أن يبذلوا وسعهم ليكفّوا هذه الأنظمة عن الظلم وعن اعتقال الدعاة والمصلحين وطلائع الأمة من الشباب المجاهدين في سبيل الله، وألّا تشغلهم دنياهم عن هذا الواجب؛ فإنّ السكوت عن ذلك خذلان للمسلمين، وخذلان المسلم أو انتهاك حرمته لا يجوز كما مرّ في الأحاديث، ونصرته واجبة لعموم الآيات والأحاديث التي تحثّ المسلمين على التناصر والتعاضد، وفي الحديث:«ما من امرئٍ يخذُلُ امرَأً مسلماً في موضعِ تُنتهَكُ فيه حرمتُهُ، ويُنتقَصُ فيه من عِرْضِهِ، إلا خذلَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ، وما من امرئٍ ينصُرُ مُسلِماً في موضعِ يُنْتَقَصُ فيه مِن عِرْضِهِ، ويُنتهَكُ فيهِ من حُرمتِه إلا نصرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه» 3رواه أبو داود برقم (4884)، كما يجب على الشعوب المسلمة أن تسعى لإزالة هذه الأنظمة التي تحارب الإسلام وتطارد الدعاة المطالبين بشريعة الإسلام، فجهادها من أوجب الواجبات؛ لأنّ الله شرع الجهاد لغاية حدّدها في قوله: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية (الأنفال 39)، فإذا كانت الفتنة قائمةً بقيام هذه الأنظمة، وإذا كان الدين لغير الله، أو كان بعضه لله وبعضه لغير الله؛ وجب الجهاد حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله، فإذا عجز المسلمون عن جهادها عُلّق وجوب الجهاد وبقي وجوب الإعداد، ومن الإعداد أن تنحاز الشعوب لعلماء الأمة الصادقين، وأن يتقدم العلماء الناس بمشروع الأمة الواضح .. والله تعالى أعلم.
هوامش
- 1متفق عليه البخاري برقم (1739) ومسلم برقم (1679)
- 2متفق عليه البخاري برقم (2442) ومسلم برقم (1986)
- 3رواه أبو داود برقم (4884)

