تذكرةٌ لكلِّ مُسلمٍ يأملُ في الفرج: لا تتُبْ عن كلمةِ حقّ، فإنّه حين يهلّ النصر، سيبكي الناسُ بعدك على ما ضيعتَ من أجر الصبر، وقد كنتَ في أوّل الأمر صوتَ الأحرارِ والأبرار.
أثرُ طولِ الأمدِ في قتل الأمل
قرأتُ البارحة تعليقًا على أهزوجةٍ ثوريةٍ في مظاهرةٍ حمويةٍ تعود إلى قرابة ثلاث عشرة سنة من اليوم.
يقول صاحب التعليق، ما خلاصتُه أنّه كان يخرج مع الثوّار عند إطلاق تلك الأهازيج الليلية، والأمل يحدوه ويحدو الجميع بأنّ بشّار زائلٌ قريبًا… ثم بقي بشّار، وتقاذفت البلاد صاحب التعليق من مصر إلى الأردن، حتى رسا في ألمانيا، وقد مات في صدره ما مضى من أملٍ وحماسةٍ.
آلمني هذا التعليق العفويُّ غيرُ المتكلَّف، المنقوشُ في قلوب ألوفِ السوريين المُهجّرين، الذين استُشهد فريقٌ منهم أثناء هجرتهم، وبقي في صدورِ البقيّة…
آلمني فيه أثرُ طولِ الأمدِ في قتل الأمل، وأشدُّ من ذلك أن ينسى الإنسان أنّ إشعال الفتيل الأوّل لا يقلُّ قيمةً عن استئصال العدوّ في آخرِ المعركة…
آلمني أن أرى في ظلالِ كلماته تجاربَ تكرّرت، اعتذر فيها أهلُ الحقِّ عن مبادرتهم إلى مواجهةِ المجرمين، بعدما طال أمدُ المعركة دون نصرٍ عاجل. لا خلافَ في ذلك بين شيخِ علمٍ تحوّل إلى “الواقعيّة”، وشابٍّ غاضبٍ لكرامته قرّر في الختام أن يعيش لنفسه وحدها.
معركةُ الأمّة طويلةٌ بلا ريب
المؤلم في الأمر: الغفلةُ عن قولِه تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ﴾ [الحديد:10].
معركةُ الأمّة مع أعداءِ الدين من محتلّين ووكلائهم والشاربين من دماء الأمّة، طويلةٌ بلا ريب، تتخلّلها الأوجاع والانكسارات… ثم بعد ذلك يأتي الفرج.
وأعظمُ النصرِ أن يلقى المرءُ ربَّه غيرَ مُبدّل، لم تُرهقه الرحلةُ البعيدةُ قبل أن يستكمل مسيرتها في حياته القصيرة.
معاركُ التاريخِ الكبرى معاركُ أجيال، ولم تكن أبدًا، ولن تكون البتّة، معاركَ قصيرة.
من يُشعل الفتيلَ الأوّل، فهو خيرُ القوم.
والمعركةُ الكبرى هي مع عجزِ النفسِ عن إكمال المسير.
تذبلُ الزهورُ إذا لم تُوطّن البراعمُ أوراقَها على الصبر، وإذا لم توقن بأنّ الغيمَ لا بدّ أن يزول، لتشرق الشمس على الورود قبل أن يخنقها الشحوب.
لا تتُبْ عن كلمةِ حقّ
هذه الدماءُ التي نراها على القنوات في فلسطين والهند والصين، والتي قتلت قدرتَنا على تصويرِ بشاعتها، وهذه الأنفسُ الشمّاء للعلماءِ الذين رفضوا شرعنة العلمنة واللبرلة في بلاد المسلمين، فالتقمتهم السجونُ بلا رحمة…
كلّها تدعو المُسلمَ أن يُسبل يده، ويندم على أيام الأمل الأولى.
والشيطانُ يعدكم الهزيمة، والله سبحانه يعدُ الصابرين بما في الختام من نصرٍ وأجر.
النفسُ نزّاعةٌ إلى اليأسِ إذا طال المسير…
والوحيُ مذكِّرٌ بزاد الطريق: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].
لا “يتوب” العاقلُ عن العمل لله ولنصرة المستضعفين…
تذكرةٌ لكلِّ مُسلمٍ يأملُ في الفرج: لا تتُبْ عن كلمةِ حقّ، فإنّه حين يهلّ النصر، سيبكي الناسُ بعدك على ما ضيعتَ من أجر الصبر، وقد كنتَ في أوّل الأمر صوتَ الأحرارِ والأبرار.
لا أهوّن من أوجاعِ الدنيا، ولكن لا وجع أشدَّ من أن يخذل المرءُ نفسَه؛ فيتوب عن استقامته الأولى.
المصدر
صفحة د. سامي عامري، على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
تاريخ الأنبياء .. وسنن الصراع بين الحق والباطل