اِعتقدَ أنَّ غزة ستكون خاصرةً رخوة، فهاجمَها بكلِّ قوة، وحشدَ لها كاملَ جيشه، لكنها  بعد ١٠ أشهر أرغمتهُ على الاعتراف بالفشل، وضربتْ رأسَه بحائطها حتى هشَّمته، فاختار أنْ يهربَ منها لخواصر رخوة، يرتكب فيها جرائم، تعتبر بعرف القانون الدولي، أعمالاً إرهابية.

لم يكن إسماعيل هنيـة، بوصفه سياسياً، يتخفى في مكان إقامته، ولكنَّه يحتاط أمنياً، واستهدافه ليس إنجازاَ، بمقدار ما هو مغامرة وقفز في الهواء، لشخص مثل نتنياهو، فقد عقله، وبات يتصرف مثل ثورٍ هائج في متجر تُحف.

ما الذي دفع نتنياهو المأزوم الموتور لاغتيال شخصية رفيعة مثل هنيَّـة؟

١. الإخفاقُ الذريع في حسم معركة غزة، وعدم القدرة على تطويع شعبها ومقاومتها.

٢. الفشلُ في الحصول على أي إنجاز، وخاصة عدم الوصول إلى أيٍّ من قادة الصف الأول.

٣. الإخفاقُ في استعادة أسرى أحياء، وفي مقدمتهم عسكريون من ذوي رتب.

٤. الإنهاكُ الذي يعاني منه الجيش، وارتفاع أصوات تطالب بوقف الحرب، قبل انهيار كتائب وأولوية لم يعد جنودها قادرين على القتال.

٥. تفكك الجبهة الداخلية، واحتدام الصراع بين المتطرفين والجيش، وانحياز جهاز الأمن (ممثلا في بن غفير) لجانب المتشددين.

٦. وصول الحرب إلى نقطة لم تعد فيها إسرائيل (رغم الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود) قادرة على التقدم لكسر دُفَّة المقاومة، وفرض أي نوع من الاستسلام عليها، وهو ما دفع نتنياهو، وفق نصائح مستشاريه، لنقل المواجهة إلى مستوى آخر.

إيران .. خاصرةٌ رخوة

بخلافِ ما يُروَّج، فإن إيران (وأذرعها المحلية)، باتت تشكل خاصرة رخوة، أضعفت غزة في أغلب مراحل المواجهة، إذا أنها وضعت سقفاً لتحركها، وهو ما أدركه نتنياهو، الذي يهدد الآن بحرب شاملة (لا تريدها إيران)، وبالتالي فإنَّ العربدة التي يقوم بها نتنياهو، باتتْ تصبُّ في مصلحته، وتؤذي غزة، بالنظر إلى أنَّ حدود الرد عليها لن يتجاوز مناوشات لا ترقى إلى الردع.

في موازاة ذلك، بدا حجمُ الاختراق الأمني في مناطق النفوذ الإيراني (سورية، لبنان، العراق وإيران)، ورغم الضربات الموجعة ما زالت الاختراقات الأمنية مستمرة، وهي نقطة عَجَز نتنياهو عن تحقيقها في غزة المحاصرة والصغيرة مساحة، ولكنَّه حققها في مناطق أخرى، كي يبدو كمن استعاد الردع النسبي الذي فقده كلياً في حربه على غزة.

الرد على الجريمة

سيحاول نتنياهو زيادة الضغط باستهداف مزيد من الشخصيات العسكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية، وسيبدو كمن حصل على ضوء أخضر من داعميه، كي يواصل القتل في غزة والضفة وساحاتٍ أخرى، وقد يستهدف مناطق جديدة غير متوقعة، وذلك بغرض استعادة التفوق الذي أطاحت به غزة، وفي المقابل سيرسل رسائل “تضليل” بشأن عدم الرغبة بتوسيع دائرة الحرب، لكنه سيستمر في الاغتيالات والقصف في ظل إسنادٍ أمريكي واضح، وحيادٍ غربي، وصمتٍ عربي، وعجزٍ إيراني، مما يستوجب التفكير خارج السياق المألوف لاستعادة منظومة الردع من داخل الأراضي المحتلة، وإرباك الاندفاعة الإسرائيلية، وجعلها باهظة الثمن، وإعادة تحفيز الحاضن الداخلي للانقضاض على نتنياهو، الذي يبدو أنه يسير نحو خلط كامل للأوراق على أملِ النجاة، في وقت يبدو القلق جلياً على القوى الإقليمية، التي تنتظر نتائج الحسم في واشنطن، وتخشى أيَّ مغامرة.

نهاية قادمة مؤكّدة، ولن تكون بعيدة، بإذن الله

قلتُ سابقاً إن الوضع يتدحرج نحو حرب/حروب دموية في الإقليم، وما نشهده حلقة من حلقات التصعيد، ومهما بدا أن نتنياهو يحقق نقاطاً بالاعتماد على داعميه، فإنه في نهاية المطاف سيدفع ثمناً باهظاً، فرجالُ غزة الذي يقاتلونه اليوم لم يولدوا يوم احتلت فلسطين، وكانوا صغاراً يوم النكسة، وهم الآن قادة، والذين يشاهدون مجازر اليوم هم قادة المواجهة المقبلة.

لو حقق نتنياهو أهدافَه في غزة لما قصفَ خارجها، ولما اغتال قادة سياسيين ..

لكنَّ نهاية من يرتكب الجرائم .. هزيمةٌ وخذلان.

المصدر

صفحة الدكتور أحمد رمضان على منصة x.

اقرأ أيضا

المعركة مع اليهود لماذا وإلى أين؟

معالم في تاريخ اليهود

هل حقا قتل القائد

أحوال اليهود عند القتال

التعليقات غير متاحة