حتى لا تنحرف نظرتنا ولا ننحرف عن ثوابتنا..
حتى لا نفقد ذاتنا ونجهل وظيفة وجودنا الكبرى، نقدم هذا المقال
خطورةٌ تراد بالأمة وقضاياها ووجودها
تُلقَى اليوم كلمات كالحراب، تحمل جريمة تجلّ عن الحصر.. فمِن قائل ما لنا وللأقصى..؟ ما لنا وللقدس..؟ إنها قضية فلسطينية ! لا تخص «المصريين» في شيء !
وعلى مِنوالها يتكلم ويدعو قوميون متشددون يحملون عفن «دعاوي الجاهلية» المفرِّقة وراياتها العميّة، في غيرها من البلاد حتى بلاد الحرمين والخليج..
ويتمادى البعض الآخر فيقرر؛ بل ويدعو الشعوب الى التنسيق والتحالف مع الصهاينة ضد «المخاطر المشتركة»! حتى كادت الأمة أن تفقد هويتها وماهيتها، ويريد لها المغرِضون أن تنماع بين الأمم.
يراد بالأمة الانسلاخ من انتمائها، ويراد لها أن (تتجاوز) الإسلام كمرحلة مرّت بها الأمة، ومرّ بها الإسلام .. وأن الانتماء المطروح اليوم هو الانتماء القُطري المجرد والمنسلخ من الإسلام هويةً وتاريخا وقضايا..
ولا يقدّم هذا الطرح إلا عقب هزائم وانكسارات للمسلمين، وهي عادة النفاق؛ إذ يشرئب عقب حوادث كبرى وانكسارات ما، فيطمع في الأمة كل ذي طمع ويتمنى كل متمنٍ..
ولكن الله تعالى أجرى سنته أن يستفيق هؤلاء على عودة جديدة ومَدٍّ جديد يكبتهم ويبهتهم إذ وعَد الله تعالى أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد..
ولهذا يجب بيان الحق الثابت الذي ينبغي أن تفيء إليه الأمة، وترجع إليه الجموع..
وظيفة وجودنا بين القومية والدّين
الصراع مع اليهود والغرب الصليبي ـ وبالتبع الوثنيين والملاحدة ـ فرع عن مبرر وجود الأمة المسلمة ووظيفتها، فالأمر ليس بُعدا قوميا فحسب؛ بحيث يقولون أن اليهود في فلسطين منذ ثلاثة آلاف عام، فيقال لهم أن الكنعانيين فيها منذ سبعة آلاف عام..
هذا صحيح من حيث البُعد القومي؛ لكن هذا ليس مبرر وجودنا. أما وظيفة وجود الأمة الإسلامية فهي الوراثة العقدية لرسالة الإسلام..
حلقات الإسلام عبر التاريخ
فدين الله تعالى واحد وهو الإسلام، وأما الرسالات المختلفة فهي حلقات في نفْس الدين..
حلقة الإسلام مع موسى وبني إسرائيل
ولهذا قال موسى عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾ (يونس:84) وقال السحرة لما تهددهم فرعون: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾.(الأعراف:126)
فقد كانت حلقة الإسلام إذ ذاك يمثلها بنو إسرائيل، وكانوا أفضل العناصر آنذاك وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (الدخان:32) ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة:47) والمعنى عالَم أهل هذا الزمان..
انحراف أتْباعه
ولكنهم انحرفوا وخانوا العهد ونقضوا أمر الله فأقصاهم الله تعالى وطردهم ونزع منهم القيادة ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ (المائدة:13).
حلقة الإسلام مع المسيح عليه السلام
ثم كانت رسالة المسيح عيسى وكانت هي حلقة الإسلام إذ ذاك، ولهذا لما آمن الحواريون قالوا: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آلعمران:52) فالمسيح وحواريوه الكرام: مسلمون.. وكانوا مؤتمنين على دين الله تعالى لإقامة الدين وهو الإسلام ولهذا قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى:13) فالأمر هنا هو أمر بإقامة الدين الواحد، كلٌ في زمنه، وليس أمرا بإقامة أديان متعددة..
انحراف أتْباعه
ثم انحرف النصارى أتباع المسيح فعبدوه ولم يفرقوا بين الخالق والمخلوق واختلفوا فيه ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ (المائدة:14). ولهذا نُزعت منهم القيادة ولعنهم الله تعالى..
حلول وصف الغضب والضلال بدل الهدى
ووصَف الله تعالى اليهود بالمغضوب عليهم لمخالفتهم لما يعلمون، فانحرافهم كان في العمل والقصد، وهو البغي والغواية، واستحقوا وصف «الغضب».. ووصَف النصارى بالضلال لِما انحرفوا فيه من الشبهات التي سادت بينهم بألوهية المسيح؛ فكان انحرافهم في العلم والفهم، واستحقوا وصف «الضلال».. ولم يكن المنحرفون من هؤلاء ولا هؤلاء من المنعَم عليهم من صدور أهل هذه الرسالات كأصحاب موسى والربانيين والأحبار الكرام، ولا كحواريي عيسى الكرام ومن تبعهم باستقامة..
الصراط المستقيم
ولهذا أمر تعالى هذه الأمة بسؤاله هداية صراط الله الذي أنعم به على صفوة خلقه، وأمر بالاستعاذة من وصفي «الضلال» و«الغضب» فقال تعالى آمرا أن نسأله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾.
ولم تبق منهم إلا بقايا كأفراد معدودة متمسكين بأمر الله تعالى إبّان زمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما بُعث رسول الله اتبعوه وآمنوا به وصاروا من جملة أمة محمد.. ووعدهم الله بأجرين على إيمانهم بنبيهم وبمحمد عليه الصلاة والسلام.. وصدّقهم تعالى في ادعائهم الإسلام في قولهم: ﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾؛ بينما كذّب تعالى آخرين لم يفردوا الله بالعبادة ولم يلتزموا شريعته فلم يقبل منهم ادعاءهم الإسلام.
حلقة الإسلام الأخيرة
حلقة الإسلام اليوم هي الأخيرة لنفس السلسلة الكريمة..
فجاءت الحلقة الأخيرة، مع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لتعلن ائتمان هذه الأمة على إقامة الدين والشريعة والمنهج وإقامة العقيدة والعبادة لله، والإيمان بجميع من سبق من الرسل الكرام، والكتب جميعها، وموالاة من استقام من أهل هذه الأديان في زمنه.. ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾ ﴿وقُلْ آمَنتُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ مِن كِتابٍ﴾ ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
إرث كريم
ورثت أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، البيتَ الحرام؛ إرث إبراهيم وإسماعيل، وورثت بيت المقدس إرثَ النبيين؛ إبراهيم وإسحاق ومن بعدهم، ولهذا صلى رسول الله إماما بالنبيين ببيت المقدس..
قاعدة الإسلام عبر التاريخ
هذه هي القاعدة، وهو معنى ما قاله أهل العلم أن:
“جِماع الدين أصلان:
أن يُعبد الله وحده، وأن يُعبد بما شرع على ألسنة رسله، في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت”
أقامت أمة محمد الدين والشريعة وإفراد الله بالعبادة والتوجهِ لأكثر من ألف عام.. حتى انحرفت إلى «العلمانية» في الشرائع فبدلتها وردت أمر الله، و«القومية» في الولاء والانتماء لتسقط الولاء الإسلامي والهوية الإسلامية الجامعة للأمة، وأخرى في المعتقد والسلوك «بالممارسات الشركية»..
نتج من ذلك عقوبة الله تعالى فتحكّم (15 مليون) قرد وخنزير في مليار ونصف المليار مسلم (1500 مليون)..
هذا تأنيب وردع قدري ليعود الناس إلى كونهم مسلمين و(أمة واحدة) ولإقامة وظيفة وجودهم: إقامة الدين والمنهج الرباني والشريعة الإلهية والولاء الرباني، وإفراد الله بالعبادة، ونشر المعتقد الصحيح، والأخذ بيد البشرية..
هل سيكون وهل سيعودون..؟
نلمح ذلك ونرجوه؛ فاللهم آمين
اقرأ أيضا:
مفتاح القدس هو نفس مفتاح المنطقة