الإيمان طريق وله حقيقة، والكفر طريق آخر وله حقيقة وتتحقق عندما تنتفي حقيقة الإيمان.
وللكفر أنواع، فهو لا ينحصر في نوع واحد. كما أن الدافع للكفر ليس دوما التكذيب بل قد يكون طلب الدنيا وأعراضها، فهذا ليس عذرا بل جريمة.
وفي هذه الفتوى بيان موجز لهذه القواعد المهمة في دين الله تعالى..
السؤال
ما مفهوم الإيمان والكفر؟
الجواب
طريقان مختلفان
الإيمان والكفر دينان متضادان.
فالإيمان هو: دين الله الذي شرعه لعباده وخلق الخلق من أجله وأعد لأهله الهداية في الدنيا والأمن في الآخرة.
كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأنعَام:82)، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (البَقَرَة: 257).
والكفر هو: دين الشيطان، وهو ضلال في الدنيا وشقاء في الآخرة.
كما قال تعالى في الكفار الذين لم يقبلوا هدى الله وأعرضوا عنه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النَّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البَقَرَة:257).
وإذا كان الأمر كذلك فلابد من معرفة الدينين الإيمان والكفر.
حقيقة الإيمان والكفر
حقيقة الإيمان
فالإيمان هو الدخول في دين الله عن رغبة وانقياد، وهو قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
فالعاصي بما دون الشرك لا يُسْلب اسم الإيمان بالكلية ولا يُعْطَى اسم الإيمان الكامل، فهو مؤمن ناقص الإيمان.
حقيقة الكفر
وأما الكفر فهو الامتناع من الدخول في الإسلام، أو الخروج منه واختيار دين غير دين الله، إما تكبراً وعناداً، وإما حميّة لدين الآباء والأجداد، وإما طمعاً في عرَض عاجل من مال أو جاه أو منصب.
أنواع الكفر
كفر التكذيب
والكفر يكون بالتكذيب؛ كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآْخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأعرَاف:147).
الكفر باللسان
ويكون الكفر بالقول باللسان ؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾ (التّوبَة: 74)، ومن ذلك دعاء غير الله والاستغاثة بالأموات.
كفر الاستهزاء
ويكون بالاستهزاء بالله ورسوله وكتابه؛ كما قال تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (التّوبَة: 65-66).
كفر الامتناع والاستكبار
ويكون بالاستكبار والامتناع عن طاعة الله تعالى؛ كما قال تعالى عن إبليس:
﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (البَقَرَة: 34).
كفر الإعراض
ويكون بالإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به؛ كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ (الأحقاف: 3)؛ فلا يتعلم التوحيد ولا يعرف ما يضاده.
كفر العمل
ويكون الكفر بالعمل كالذبح لغير الله والسجود لغير الله وعمل السحر وتعلُّمه وتعليمه.
كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعَام:162)، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحَجّ:77).
فمن صرف شيئًا من هذه الاعمال لغير الله فإنه يكون مشركاً كافراً يُعَامل معاملة الكفار؛ إلا أن يتوب إلى الله.
وقال في السحر ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ (البَقَرَة: 102).
إلى غير ذلك من أنواع الكفر الذي يكون بالقول والفعل.
كفر الشك
كما يكون بالاعتقاد والشك والتردد ـ كما قال تعالى:
﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا *وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ (الكهف:36-37).
فلا يكون الكفر بالتكذيب فقط.
ثم إنه قد يكون الكافر كافرًا أصليًّا لم يدخل في الإسلام أصلاً.
الدافع للردة قد يكون طلب الدنيا لا تغير الاعتقاد
وقد يكون كافراً كفر ردَّة إذا دخل في الإسلام ثم ارتكب ناقضاً من نواقضه التي هي من أنواع الكفر؛ سواء كان جادًّا أو هازلاً أو قاصداً الطمعَ من مطامع الدنيا؛ من الحصول على مال أو جاه أو منصب.
إلا من فعل شيئاً من ذلك أو قاله مُكرهاً بقصد دفع الإكراه مع بقاء قلبه على الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآْخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (النّحل:106).
قال شيخ الإسلام المجدد: محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أُكْرِه مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفاً أو مداراة أو مشحّة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله. أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض، إلا المكره ـ والآية تدل على هذا من جهتين:
الأولى: قوله: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ فلم يستثن الله إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أو الكلام، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثانية: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآْخِرَةِ﴾ فصرَّح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر؛ وإنما سببه أن له حظًّا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين.(1)
لا فرق بين الهازل والجاد والخائف في فعل الحكم إذا فعل مكفرا
وقال رحمه الله لما ذكر نواقض الإسلام العشرة:
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المُكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً وأكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه(2)
مقولة شنيعة
وقد وُجِدَ في هذا الزمان من المنتسبين إلى العلم من يقول: إنه لا يكفر الإنسان مهما قال أو فعل من أنواع الكفر إلا إذا كان مكذباً في قلبه.
وعلى هذه المقولة الشنيعة يكون أبو جهل وأبو طالب وغيرهما من أصناف الكفرة مؤمنين؛ لأنهم لا يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم في قَرَارة أنفسهم وإنما يجحدون رسالته في الظاهر تكبراً وعناداً ـ كما قال الله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (الأنعَام: 33).
وقال فيمن قبلهم من أعداء رسالات الرسل: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (النَّمل:14).
الحذر من الجمع بين المتناقضات
ومن عجيب أمر بعض من كتب أو تكلم من المعاصرين في هذه المسألة الخطيرة وتبنَّى مسألة الإرجاء الشنيع: أنهم ينسبون هذا إلى السلف ويجمعون بين المتضادات من الأقوال المختلفة ظانين أنها تؤيدهم في مسلكهم، فهم كالذي يجمع بين الضَّب والنُّون(3).
ونسأل الله لنا ولهم الهداية للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجنبنا جميعاً القول عليه بلا علم، ويوفقنا لقول الحق والعمل به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
………………………………………………………….
هوامش:
- كشف الشبهات (1 /180، 181).
- مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان ص (387)، والرسائل الشخصية ص (214).
- لأن الضبَّ لا يَرِدُ الماء ولا يشربُه، والنُّون (أي: الحوت) لا يستغني عنه ولا يعيش إلا فيه.
المصدر:
- موقع فتاوى علماء البلد الحرام.
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
اقرأ أيضا:
- الاستهزاء بالدين من نواقض الإسلام .. للشيخ عبد العزيز الطريفي
- بطلان قول: (لا يُخَلَّد المسلم في النار ولو أشرك) .. من فتاوى اللجنة الدائمة
- أعظم نواقض الإسلام عشرة .. للإمام محمد بن عبد الوهاب
- معنى «لا إله إلا الله» .. للإمام محمد بن عبد الوهاب