لا يزال شيوخ الضلالة وعلماء السلطان يبيعون أثمن شيء بلا ثمن. ولا يزالون يهبطون ولا قاع لهبوطهم وانسحاقهم. ولو تركهم المسلمون لفتنوا فئاما من الناس وأجيالا تنشأ على ضلالتهم. ولهذا يجب أن يضرب المسلمون على أيديهم ويعلنوا النكير عليهم؛ إن لم يكن لكفهم عن مزاولة مهنتهم الرخيصة في الإضلال؛ فلكي يحذر الناس منهم ويقِل شرهم بحسب الاستطاعة.

علي جمعة .. سجل من الفضائح

أسوأ موقف يقفه الإنسان أن يحدّث النّاس عن الدّين وهم مصدّقون له، وهو يعلم أنّه يَكْذِب عليهم، ويعلم أيضا أنّ من يتحدّث باسمه يُكذّبه، فهذا الموقف ليس بعده ما هو أسوأ منه.

هذا ما فعله علي جمعة المفتي المصري السابق وعضو مجلس النواب الحالي، حين جمع ثلّة من الفتيان والفتيات، في مجلس فتحوا له فيه قلوبهم قبل عقولهم، يبهرهم ما سبق لهم عن مكانته العلمية، وأخذ يحدّثهم عن مقرّرات شرعية صريحة في دين الله تعالى، وهو يعلم أنّها من المسائل التي بلغت من القطع المعلوم من الدين بالضرورة، ويعلم أيضا أنّ آيات الكتاب الحكيم تكذّبه فيما قاله لهم.

المسألة الأولى: مصير غير المسلمين يوم القيامة

وذلك حين أجابهم عن مسألتين من مسائل العقيدة الإسلامية، وهما: مصير غير المسلمين يوم القيامة، وتخلّف الوعيد الإلهي عن الكافرين والعاصين باحتمالية إلغاء النار.

فاستشهد لهم في المسألة الأولى بقول الله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ)[البقرة: 62]، وهي آية اتفق العلماء على أنّ المراد بـ (مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا) الإيمان الذي يشمل تصديق النّبي ﷺ والعمل بشريعته، فأَوْهَمَهُم علي جمعة بها أنّ غير المسلمين المكذّبين للنّبيّ ﷺ من اليهود والنصارى والصّابئين مصيرهم الجنّة كالمسلمين تماما. وأخفى عنهم آيات قطعية الدّلالة، من ذلك قول الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]، وقوله تعالى: (وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ)[البقرة: 39]، وقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)[البينة:6]، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وقوله تعالى في اليهود: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ)[البقرة: 86]، وقوله تعالى في النصارى: (لقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٍۢ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[المائدة: 73].

المسألة الثانية: تخلّف الوعيد الإلهي عن الكافرين والعاصين باحتمالية إلغاء النار

وفي المسألة الثانية قال لهم: إنّه وارد أنّ الله تعالى يلغي النّار ويدخل الجميع الجنّة، هو فعال لما يريد، وعلماء الإسلام كثير منهم قالو وارد!!!

يريد علي جمعة هنا أن يقول لهم إنّ الجنة والنّار وكل شيء من أخبار يوم القيامة داخل في حيّز الممكنات التي تتعلّق بها قدرة الله تعالى، ففتح لهم بذلك باب الاحتمالات وأنه لا شيء يوم القيامة ثابت من هذه الأخبار الغيبية، ونحن ننتظر يوم القيامة لنرى على ماذا تستقرّ إرادة الله تعالى، هكذا!

وهو يَكْذب عليهم، ويعلم أنّه يكذب عليهم؛ لأنّه يدرّس الطلبة في علم العقيدة أنّ الممكنات العقلية تقبل التّساوِي لذواتها، وأمّا إذا جاء الخبر من الله تعالى بثبوتها، فإنّها تصبح من الواجب العقلي العرضي الذي يستحيل تخلّفه؛ لأنّ الله تعالى لا يكذب وخبره لا يتخلّف.

كلامه هذا يَفهم منه الفتيان والفتيات وكلّ من يتابعه أنّ الله لم يحسم الأمر فيما سيكون يوم القيامة، وهكذا تجري تصرفاته ـ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ـ. وعلى رأيه فإنّ الجنّة والنّار وإن كانتا موجودتين الآن، وجاء القرآن المنزل على محمّد ﷺ يخبر بالوعد والوعيد بهما، فإنّ الله تعالى قد يبدو له ـ تعالى عن ذلك ـ أن يلغي النار. وادّعى أنّ كثيرا من علماء المسلمين قالوا بأنّ ذلك وارد، ولَيْته ذكر لنا بعضا من هؤلاء العلماء.

إذا أراد الله عز وجل أمرا فلا بدّ أن يفعله

وقد ضمّن كلامه جزءا من آية وهي أنّه تعالى (فعّال لما يريد)، وعنده في علم العقيدة أنّ ما أخبرنا الله تعالى بوقوعه من أمور الغيب هو إخبارٌ لنا بأنّ إرادته قد خصّصت وجود ما أخبرنا به أزلا، وأنّه تعالى إذا أراد أمرا فلا بدّ أن يفعله، وقد أخبرنا الله تعالى عن أشياء ممّا خصصته إرادته، ومن ذلك أنّه جعل مصير الكافرين المنكرين لنبوّة محمّد ﷺ من المشركين واليهود والنصارى جهنّم خالدين فيها أبدا، كما تقدّم في الآيات.

وكذلك الوعيد لأهل المعاصي من المؤمنين، أخبرنا تعالى بأن إرادته قضت بتعذيب مرتكبي الكبائر إذا ماتوا على عدم التوبة منها، كما أخبرنا أنهم داخلون في مشيئته إذا شاء أن يغفر لهم، ولذلك فإنّ من مقررات العقيدة أنّ الوعيد لا بدّ أن ينفذ في طوائف من مرتكبي الكبائر تحقيقا للوعيد، جمعا بين آيات الوعيد وآية المشيئة.

الجنة والنار لإقامة العدل بين الناس

أخبرنا الله تعالى في كتابه أنّه جعل الجنة والنار ليقيم العدل بين الناس، قال تعالى: (وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ)[الأنبياء: 47]. وقال تعالى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ)[يونس: 4]، وقال: (وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ)[يونس: 54].

وذلك؛ لأنّ في ميزان العدل الإلاهي أنّه لا يستوي الخير والشرّ، ولا الحقّ والباطل، ولا الكفر ولا الإيمان، قال تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ * أَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ جَنَّٰتُ ٱلۡمَأۡوَىٰ نُزُلَۢا بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ)[السجدة: 18ـ20].

وقال تعالى: (وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ)[غافر: 58].

وقال تعالى: (لَا يَسۡتَوِيٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ)[الحشر: 20]. وقال تعالى: (أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ * مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ)[القلم: 35 ـ 36].

التسوية بين المؤمن والكافر، والظالم والمظلوم تكذيب لكلام الله عز وجل

لكن عليّ جمعة يوهم مستمعيه بالتسوية بين المؤمن والكافر، والظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والمستقيم على الطاعات والمنغمس في المعاصي، فهل كان واعيا بأنّه بذلك يكذّب الله تعالى بما أخبر به في كلامه المبين من إقامة القسط وعدم التسوية، وأنّه ينسف أصلا من أصول الاعتقاد الإسلامي؟! وهل كان واعيا بأنّه يدفع هؤلاء الفتية وجميع مستمعيه إلى الاعتقاد بأن لا فائدة في اتّباع دين الإسلام، إذا كان جميع أهل الديانات سواء في المصير، وأنّه يغريهم بارتكاب المعاصي طالما الجميع في الجنّة وأنّ النار في حيّز العدم.

إذا أراد المفتي السابق أن يخفي حقيقة ما من حقائق الإسلام، ويستحيي أن يجهر بها مهما كانت الأسباب ـ سياسية أو طائفية أو حتى دعوية ترغيبية ـ فهو يعلم ما في ذلك شكّ أنّ اليهود يكفّرون النّصارى ويعتبرونهم ملاحدة مصيرهم النّار، وأنّ اليهود والنصارى معا يكفّرون المسلمين ويعتبروننا ملاحدة من أهل النار، كما يعلم أنّ هاته الحقائق ممّا لا يخفى على أهل هاتين الملّتين معرفته؛ لكون كتاب الله تعالى مفتوحا لعموم البشر، لا يمكن إخفاء شيء منه، ولا يجوز إخفاء شيء منه ولا التدليس على الناس في شيء منه.

وإذا أراد أن يحبّب الشباب في الله تعالى بإبراز رحمة الله تعالى بالعباد، فهل يقبل الشباب أن تكون موازين إلههم الذي يعتقدون برحمته مختلّة إلى هذه الدرجة حيث يجتمع البرّ والفاجر والظالم والمظلوم في نيل هذه الرحمة، والله تعالى يقول: (نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ *  وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ)[الحجر:49- 50].

إنّ ما أقدم عليه علي جمعة مفتي مصر السابق ليس أمرا اجتهاديا يلتمس له العذر إن أخطأ في اجتهاده، بل هو أمر خطير يهدم أصولا في العقيدة الإسلامية، لا يجوز السكوت عنه ولا تجاوزه، وهذا الأمر ينتظر من علماء الأزهر الشريف أن يردّوا عليه، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، كما ينتظر من سائر علماء الأمّة الردّ عليه، فهذا من المنكر الذي يجب تغييره، وأعظم المنكرات تحريف الكلم عن مواضعه.

نسأل الله تعالى اليقين والثبات على اليقين.

المصدر

الحبيب بن طاهر.

اقرأ أيضا

رغم أنف علماء السوء .. ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه

مُسمَّى “وليّ الأمر” وفقهاء الاستخبارات !!

شدة الخطر في الإفتاء بالآراء المخالفة للكتاب والسنة

القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (1-4) بيان الجريمة

أمور يجب على أهل العلم بيانها للناس

التعليقات غير متاحة