لسنا في عالَم تتغلب فيه الإنسانية، فضلا عن التراحم والقيم الربانية؛ بل ثمة قوى للشر تتربص بالبشرية عموما وبالمسلمين خصوصا. ولذلك فثمة مخاطر نوجه النظر اليها.
الخبر
“تتسبب جائحة فيروس “كورونا” بتوقف العالم، ومع مطالبة المواطنين القلقين المسؤولين باتخاذ إجراءات يستخدم القادة في أنحاء العالم سلطاتهم التنفيذية لتشكيل سلطة دكتاتورية بمقاومة ضيئلة، ويصدرون مراسيم الطوارئ والتشريعات التي تجعل لهم اليد العليا خلال الوباء. وتقول الكاتبة “سيلام غيبريكيدان” ـ المراسلة الاستقصائية لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في مكتبها بلندن ـ إن فيروس كورونا (كوفيد-19) قد منح المستبدين وغيرهم فرصة للاستيلاء على المزيد من القوة في ظل انتشار هذا الوباء.
ويقولو آخرون إن بعض الحكومات تستخدم أزمة الصحة العامة غطاء للاستيلاء على سلطات جديدة لا علاقة لها بتفشي الفيروس، مع القليل من الضمانات في عدم إساءة استخدام سلطتها الجديدة. وأن القوانين تترسخ بسرعة عبر مجموعة واسعة من الأنظمة السياسية في الدول الاستبدادية.
وكمثال على هذا فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أذن لوكالة الأمن الداخلي في بلاده بتتبع المواطنين باستخدام مجموعة سرية من بيانات الهاتف المحمول التي تم تطويرها لمكافحة المجاهدين الرافضين لاحتلال بلادهم”. (1موقع “الجزيرة”،31/3/2020، على الرابط:
كاتبة بنيويورك تايمز.. كورونا منح القادة المستبدين فرصة لكسب المزيد من السلطات)
التعليق
لا يمثل هذا الخبر كل شيء؛ بل هو مجرد مثال. والحقيقة أن ثمة عدة مخاطر يجب التنبه لها حالا أو مآلا:
أولا: العسف والظلم الى مزيد..!
بالفعل؛ بينما يُفرج العالم عن المسجونين المرتكبين لقضايا جنائية من قتل وسرقة واغتصاب وتعدٍ على الحقوق؛ إذ بالمجرمين الطغاة في بلاد الحرمين وفي مصر وغيرها من بلاد المسلمين، يقومون باعتقال المسلمين ـ المسلمين فقط ـ فيقومون باعتقال المزيد، واعتقال عائلات وأقارب المعتقلين، وكل من ينتقد أي إجراء متخَذ أو تقصير بادٍ؛ حتى اعتقلوا فتاة مسلمة في مصر تبلغ (19) عاما لانتقادها إجراءات “الدولة” المتخلفة في حماية الناس..!
وهكذا لم تزدد الأنظمة الحالية إلا مزيدا من ابتلاع أعداد جديدة من المسلمين؛ لتكون النتيجة مزيدا من التسلط والاستبداد، ومزيدا من تراكم المظالم.
في الحقيقة تريد الأنظمة أن تخرج أكثر شراسة، وأن تستغل الظرف ـ ليس فقط لئلا تَضعُف أمام تطور الأمور في هذا الوباء ـ بل لتخرج أكثر تغوّلا على الناس.
ثانيا: تذوق العدو لإيقاف الشعائر
لقد ذاق العالم المسيحي، والأنظمة التابعة له، طعم القدرة على غلق المساجد ومنع جماعات المسلمين وتجمعاتهم الدينية. وعلى رأسها الصلاة في الحرمين الشريفين، وسائر جماعات ومساجد المسلمين.. ثم بدأت إرهاصات وتلميحات لإلغاء مناسك الحج هذا العام. (2راجع: موقع “BBC عربي” 1/4/2020، على الرابط: السعودية تطالب بالتريث قبل إبرام عقود الحج)
وسواء كان القرار بنيّة حسنة أو كان تسترا بالوباء، وسواء كان اجتهادا خطأ أو صوابا جزئيا لم ينتبهوا لمآلاته؛ فالمقصد العام للشريعة من إقامة الشعائر يوجب التنبه بشدة الى خطورة إيقاف الشعائر العامة، ووقوع هذا بين جنبات المسلمين، وقدرة الأنظمة على إيقاع هذا وحمايته وفرضه على الناس وعقوبة من يصلي في جماعة.. بينما ثمة تجمعات كثيرة أخرى متوافرة لا ترفضها الأنظمة؛ فقد تأخرت في إغلاق صلوات النصارى في مصر وابقت على ازدحام وسائل النقل، وبقي الترفيه الفاسق في بلاد الحرمين الى فترة متأخرة..
وإن للطغاة من جانب، وللصليبيين في شتى مناحي العالم من جانب آخر؛ لهم نهَم للنيْل من “فعاليات” هذا الدين وتحركات مجتمعاته؛ حيث أنهم أوقفوا فاعليته في نُظم الحياة والقوانين والدساتير والإعلام والتعليم، وبقي لهم الحراك المجتمعي والمظاهر الإجتماعية للمسلمين. وسواء بقصد أو بغير قصد، يجب على المسلمين التنبه الشديد لما حدث، والحذر أن يحقق القوم مما ذاقوه آمالا لهم وأماني أخرى خبيثة.
يتشكك الكثير من المسلمين فيما قام به القوم من إيقاف شعائر الله؛ فقد كان في التجربة الإندونيسية في تعقيم المصلين قبل الدخول الى المساجد، وتعقيم المساجد نفسها دوريا مع الحفاظ على الشعائر مقامةً، دلالة على طريق التصرف لمن رام أن يحافظ على شعائر الله تعالى مُقامةً وهاب جانبها؛ وهذا بخلاف طريق الاستسهال بالغلق وقصر الناس على البقاء في البيوت وإلغاء مظاهر شعائر المسلمين ببساطة.
قد يكون للقوم قصد في تجربة جريئة لإثبات القدرة على إيقاف الشعائر واستغلوا اجتهادا لبعض المنتسبين الى العلم، وقد يكون الأمر خطأ دفع اليه الخوف من الوباء مع قلة الديانة ومع سياق محاربة الإسلام؛ ففي كلا الاحتمالين نحذّر أن “تحقق” توقف الشعائر وإغلاق المساجد، حتى الحرمين الشريفين، حتى اعتاد الناس ولو لبعض الوقت ألا “جماعات” ولا “جُمع”؛ فهنا تخوف شديد. لقد ذاق المجرمون طعما ما طمعوا أن يذوقوه يوما، ولن يفوّتوه، وهذا يدل على جريرة من أفتاهم بهذا.
ثالثا: تحركات قوى الشر وانتهاز الفرصة..!
في حالةِ أن نصف سكان العالم يقبعون الآن في منازلهم من أجل إصابة يرى الكثير أن ثمة مبالغة في الفزع منها ـ ولو أقاموا تعدادا للمصالين في حوادث السيارات لكان الرقم مفجعا أكثر بكثير من “الكورونا” ولترك الناس ركوب السيارات وقيادتها ـ وفيما يشبه حالة فراغ عامة للعالم بطريقة لم تحدث من قبل، حيث فراغ الشوارع والمؤسسات، وغياب حضور الناس في شوارعهم ومؤسساتهم؛ هذا الأمر المثير للريبة، أو التلقائي، سيان النتيجة في الحالتين؛ هناك ما يوجب التنبه له والحذر. وهو أن القوى التي تقود العالم والمنطقة لن تكون في حالة هدوء وترقّب وراحةٍ كبقية “الأفراد” أو “المؤسسات الهشة”؛ وإنما ستكون هذه فرصة ضخمة وذهبية وغير مكررة لتحقيق مآرب كثيرة، أقلها تكدس الاقتصاد في جيب شركات بعينها، وزيادة تغول الشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات، وإعادة التموضع العسكري، وغيرها.
كما يجب البحث عما يحققه كبار المجرمين في المنطقة العربية والإسلامية وفي العالم كذلك. (3على سبيل المثال اتفاق “نتيناهو وغريمه “غانتس” على ابتلاع “غور الأردن” في صمت إبان الفترة الحالية، انظر: “نتنياهو وغانتس يتفقان على فرض السيادة على غور الأردن“)
لا نحدد نوعا من المخاطر دون آخر؛ بل نشير الى أمثلة وندعو المسلمين والعقلاء الى التنبّه الجيد لهذه الفترة؛ فالموجة الآن التي يطلقها الجميع أنه يعلن أن “العالم بعد “الكورونا” مختلف عن العالم قبلها“. وكلٌ يأمل أن يكون هذا في صالحِه. وبينما يتمنى المسلمون أن تنجلي الأزمة عن إضعاف سيطرة الظالمين والطغاة الدوليين والإقليميين والمحليين، لاسترداد الوعي والْتقاط الأنفاس وإضعاف يد القهر والتسلط عليهم، لكنهم غير جاهزين لاستغلال الفرص التي تتساقط من يد الأعداء سواء رغما عنهم أو في صراعهم بين بعضهم.. فهكذا الأمر يتراوح بين الأمل والرجاء.
وفي الجهة المقابلة ثمة قوى عالمية تترقب أن تتجه الدفة لها وتتقدم في مصاف ترتيب القوى العالمية فتنتزع الصين القيادة من أمريكا أو تنجح أمريكا أن تؤخر الصين وتؤكد تفوقها ولو الى حين. لكن يعوق هذه القوى عن هذا مخاوف تتمثل في نخر الضعف في المجتمعات وترتيب الأولويات المجتمعية وغياب قيم التماسك وغيرها.
المسلمون لم يرتبوا أوضاعهم بعْد؛ بل يريدون أن يبدؤا الطريق..! بينما العدو تمرّس وتعوّد على الطريقة العلمية في التعامل مع الأحداث وانتهاز الفرص وتوفير البدائل بحيث لو فشلت خطة كان هناك الخطة (ب) ثم (ج) وهكذا.
لكن للمسلمين مظالم وفيهم فئة صالحة تريد إقامة الدين وتحقيق منهج الله، بينما للعدو تاريخ من الظلم والفساد والإجرام..
العاقبة للمتقين. لكن هذه الجولة بعينها لمن هي..؟ لا ندري.
لكن يكفينا هنا أن نشير الى خطورة خلوّ العالَم لقوى لا تكف عن الشر، وتؤزهم الشياطين. ومن الخطور افتراض توقفهم عن شرورهم؛ وإنما الصواب ـ لأنهم لن يتوقفوا ـ أن يُقهروا ﴿كما كُبت الذين من قبلهم﴾.
خاتمة
كم تختلف أنظار الناس الى الوباء نفسه بين كونه مصنَعا أو طفرة طبيعية، وبين هل نشره مقصود في حروب أم انقلب السحر على الساحر..
وفي كل حال؛ فاستهلاك الوقت لتحقيق وجهة نظر على أخرى لن يفيد. وإنما الواجب النظر “العملي” والاستفادة “العملية” و”الواقعية”. والحذر مما يُتخذ والتنبه لمآلات القرارات والاجتهادات على حد سواء.
اللهم دبّر للمسلمين أمر رشدٍ وعِز وخير.. يا أرحم الراحمين.
……………………………..
هوامش:
- موقع “الجزيرة”،31/3/2020 ، على الرابط:
كاتبة بنيويورك تايمز.. كورونا منح القادة المستبدين فرصة لكسب المزيد من السلطات - راجع: موقع “BBC عربي” 1/4/2020، على الرابط:
السعودية تطالب بالتريث قبل إبرام عقود الحج - على سبيل المثال اتفاق “نتيناهو وغريمه “غانتس” على ابتلاع “غور الأردن” في صمت إبان الفترة الحالية، انظر: “نتنياهو وغانتس يتفقان على فرض السيادة على غور الأردن“.