إن تعلم العلم والتزود به ليس مطلوبا لذاته، وإنما هو مطلوب للعمل والسير في ضوئه إلى الله تعالى؛ بفعل ما يحبه ويرضاه واجتناب ما يسخطه وينهى عنه.

الأعمال الصالحة زادا للمجاهد في مشاق الطريق

والأقوال والأعمال التي يحبها الله عز وجل كثيرة؛ منها الواجبات، ومنها المستحبات، وكذلك الأقوال والأعمال التي يبغضها الله عز وجل كثيرة. وليس المقصود حصرها وعدها في هذا المقام، وإنما المقصود التنبيه على ضرورة إعداد النفوس ومجاهدتها – قبل جهاد الكفار – على الانقياد لأوامر الله عز وجل والقيام بها، والانتهاء عما نهى الله عز وجل عنه.

وهذا مطلوب من المسلمين بعامة، ومن المجاهدين أو الذين يعدون أنفسهم للجهاد بخاصة؛ وذلك لما للأعمال الصالحة من بركة وتثبيت لأهلها، وكونها زادا للمجاهد في مشاق الطريق، وسببا لمحبة الله تعالى ومعيته الخاصة – وما أحوج المجاهدين إلى معية الله تعالى ونصره وتأييده – کما أن في اجتناب المعاصي والمحرمات بعدا عن أسباب الهزيمة والخذلان؛ فما من شيء أخطر على المجاهدين من ذنوبهم ؛ قال الله تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165]، وقال سبحانه عن بركة العمل الصالح والامتثال لأوامر الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) [النساء:66-68].

وقال صلى الله عليه وسلم  فيما يرويه عن ربه سبحانه في فضل التقرب إلى الله عز وجل بالفرائض والنوافل: «.. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه…»1(1) البخاري: (6502)..

كما أن فعل محاب الله واجتناب مساخطه يورث التقوى في القلب، والتقوی تورث ثمارا عديدة منها تفريج الكروب وتيسير الأمور؛ قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق:2]، ومنها تأليف القلوب؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا) [مريم:96].

وکلما کثر في المجاهدين من يتصف بهذه الصفات كانوا أقرب إلى نصر الله تعالى. فلذلك وجب الاستعداد بالأعمال الصالحة التي تؤهل لهذه المقامات الرفيعة التي ينصر الله عز وجل أهلها ويثبتهم ويستجيب دعاءهم.

ذكر الذهبي – رحمه الله – في ترجمته لمحمد بن واسع العابد الزاهد المجاهد رحمه الله تعالى قول الأصمعي: (لما صاف قتيبة ابن مسلم للترك وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة جامع على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء. قال: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير)2(2) سير أعلام النبلاء : (6/121)..

أعمال القلوب

من الأعمال الصالحة التي ربی رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الصحابة في مرحلة الإعداد في مكة واستمر عليها في المدينة بعدما شرع الجهاد .

وهي الأصل في الأعمال الصالحة الظاهرة، فإذا فسدت فسدت الأعمال كلها وإذا صلحت صلح العمل كله؛ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»3(3) البخاري (52)، ومسلم: (1599)..

ومن الأعمال القلبية التي يجب أن يعتني بها المربون في الإعداد للجهاد:

أولا: محبة الله عزوجل والحب فيه والبغض فيه

المحبة هي أصل العبادة، وهي ثمرة معرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته الحسنی، وهي مستلزمة لتوحيده وطاعته، وكلما قويت المحبة في قلب العبد ظهر أثرها في الانقياد التام لأمر الله عز وجل والتضحية في سبيله، وبغض أعدائه ومجاهدتهم وموالاة أوليائه ونصرتهم. كما يظهر أثرها في البعد عن الحزبيات المقيتة والرايات العصبية والمنافع الدنيوية؛ فلا ينقلب بغيض الله حبيبا له بإحسانه إليه، كما لا ينقلب حبیب الله له بغيضا إذا وصله منه ما يكرهه ويؤلمه؛ والمجاهدون في سبيل الله عز وجل أو من يعدون أنفسهم للجهاد أحوج من غيرهم إلى تزكية هذا العمل القلبي الشريف؛ وذلك حتى لا يتورط المجاهد في رایات عمية ولوثات حزبية أو وطنية أو قومية.

والتربية على هذا الأصل تأتي من الفهم الصحيح للعقيدة على مذهب السلف الصالح، ولا سيما عقيدة الولاء والبراء، مع القراءة في سير الصالحين والمحبين وتضحياتهم وجهادهم، وما تحلوا به من صدق في المحبة له سبحانه والمحبة فيه. كما أن للقدوات من المربين والموجهين والعلماء أثرا في تقوية هذا العمل القلبي وتزكيته. وكما ذكرت في أول البحث من أن كثيرا من الأعمال القلبية ستبقى ناقصة وضعيفة ولا يكملها ويقويها ويبلغ بها ذروة سنامها إلا الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهو ذروة سنام هذا الدين وفي بيئته وأجوائه تصل كثير من أعمال القلوب إلى ذروة قوتها وكمالها4(4) انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (ص 57)..

ثانيا: الإخلاص لله عز وجل

وهو من أعظم أعمال القلوب والتي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، وهو أن يريد الإنسان بقرباته وجه الله عز وجل والدار الآخرة، ومن ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل والذي يقدم فيه العبد أغلى ما عنده – وهي نفسه التي بين جنبيه – فإذا لم يكن قاصدا بجهاده وجه الله عز وجل ورضوانه وجنته في الآخرة خسر خسرانا مبينا؛ ولذلك يجب إعداد المجاهدين قبل الجهاد بالإخلاص في أعمالهم والتجرد لله سبحانه في حركاتهم وسکناتهم.

وكما أن للإخلاص أثره في نيل رضا الله سبحانه وما أعده للمجاهدين الصادقين، فإن له أثرا كذلك في الثبات أمام الأعداء لقوله تعالى: (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18]، وإذا تمكن الإخلاص من القلوب أثمر التضحية والشجاعة في سبيل الله عز وجل، وأثمر الصبر، والزهد في الدنيا ومتاعها الزائل، وتوحد الهم في إعلاء كلمة الله تعالى وإقامة دين الله تعالى؛ وبذلك ترتفع الهمة ويعلو المقصد ويوجه إلى الله تعالى والدار الآخرة وما أعد الله فيها لعباده المجاهدين من الرضوان والنعيم ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

والإخلاص من أشرف أعمال القلوب التي يجب أن يعتني بها في جميع الأعمال، ولا سيما في الإعداد للجهاد في سبيل الله تعالى؛ وذلك لما يتعرض له المجاهد من فتنة الشهرة، أو حب المدح والثناء عليه بالشجاعة والبذل والتضحية.

التلازم بين الجهاد والإخلاص

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والجهاد مقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله؛ فمقصوده إقامة دين الله لا استيفاء الرجل حظه، ولهذا كان ما يصاب به المجاهد في نفسه وفي ماله أجره فيه على الله ؛ فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة»5(5) مجموع الفتاوی: (15/170). ولذلك لا يكاد يذكر الجهاد في الكتاب والسنة إلا ويذكر بعده في سبيل الله . وكذلك من يقتل في القتال مع الكفار لا يسمى شهيدا إلا إذا كان في سبيل الله. قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) [البقرة:154]. أي الذين أخلصوا في جهادهم لله تعالى ولم يريدوا شيئا من حظوظ هذه الدنيا الفانية.

في سبيل الله…راية واحدة وهدف واحد

ويعلق سید قطب رحمه الله تعالى على هذه الآية بقوله: (ولكن من هم هؤلاء الشهداء الأحياء؟ إنهم أولئك الذين يقتلون في «سبيل الله».. في سبيل الله وحده، دون شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله. في سبيل هذا الحق الذي أنزله. في سبيل المنهج الذي شرعه. في سبيل هذا الدين الذي اختاره.. في هذا السبيل وحده، لا في أي سبيل آخر، ولا تحت أي شعار آخر، ولا شركة مع هدف أو شعار. وفي هذا شدد القرآن وشدد الحديث، حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر.. غير الله..

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ریاء. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»6(6) البخاري في الجهاد: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (2810)، مسلم (1904). أخرجه مالك والشيخان.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله: رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا؟ فقال: «لا أجر له » فأعاد عليه ثلاثا. كل ذلك يقول: «لا أجر له»7(7) أبو داود (2516) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم: (2196). أخرجه أبو داود.

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيله؛ لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده، ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلِم، لونه لون دم وريحه مسك. والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل»8(8) مسلم (1876)..

فهؤلاء هم الشهداء. هؤلاء الذين يخرجون في سبيل الله، لا يخرجهم إلا جهاد في سبيله، وإيمان به، وتصديق برسله.

ولقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتی فارسي مجاهد أن يذكر فارسيته ويعتز بجنسيته في مجال الجهاد: عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبيه – وكان مولى من أهل فارس – قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم أحدا، فضربت رجلا من المشركين، فقلت: خذها وأنا الغلام الفارسي. فالتفت إلى النبي فقال: «هلا قلت: وأنا الغلام الأنصاري؟ إن ابن أخت القوم منهم، وإن مولى القوم منهم»9(9) أبو داود (5123)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (1096)..

فقد كره صلى الله عليه وسلم له «أن يفخر بصفة غير صفة النصر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يحارب تحت شارة إلا شارة النصر لهذا الدين، وهذا هو الجهاد، وفيه وحده تكون الشهادة وتكون الحياة للشهداء»10(10) «في ظلال القرآن»: (1/ 144)..

لا جهاد إلا لتكون كلمة الله هي العليا

ويقول في موطن آخر – رحمه الله -: «إنه لا جهاد، ولا شهادة، ولا جنة، إلا حين يكون الجهاد في سبيل الله وحده، والموت في سبيله وحده. والنصرة له وحده، في ذات النفس وفي منهج الحياة.

لا جهاد ولا شهادة ولا جنة إلا حين يكون الهدف هو أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تهيمن شريعته ومنهاجه في ضمائر الناس وأخلاقهم وسلوكهم، وفي أوضاعهم وتشريعهم ونظامهم على السواء .

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية. ويقاتل ریاء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»11(11) البخاري: (123)، ومسلم: (1904)..

وليس هنالك من راية أخرى، أو هدف آخر، يجاهد في سبيله من يجاهد، ويستشهد دونه من يستشهد، فيحق له وعد الله بالجنة، إلا تلك الراية وإلا هذا الهدف من كل ما يروج في الأجيال المنحرفة التصور من رايات وأسماء وغايات!

ويحسن أن يدرك أصحاب الدعوة هذه اللفتة البديهية، وأن يخلصوها في نفوسهم من الشوائب التي تعلق بها من منطق البيئة وتصور الأجيال المنحرفة ، وألا يلبسوا برایتهم راية، ولا يخلطوا بتصورهم تصورا غريبا على طبيعة العقيدة.

لا جهاد إلا لتكون كلمة الله هي العليا ؛العليا في النفس والضمير، والعليا في الخلق والسلوك، والعليا في الأوضاع والنظم، والعليا في العلاقات والارتباطات في كل أنحاء الحياة، وما عدا هذا فليس لله ولكن للشيطان. وفيما عدا هذا ليست هناك شهادة ولا استشهاد. وفيما عدا هذا ليس هنالك جنة ولا نصر من عند الله ولا تثبيت للأقدام. وإنما هو الغبش وسوء التصور والانحراف12(12) في ظلال القرآن : (6/3288).

إخلاص القلوب لله عز وجل

ويقول في موطن ثالث: «ولقد كان القرآن ينشئ قلوبا يعدها لحمل الأمانة، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع – وهي تبذل كل شيء وتحتمل كل شيء – إلى شيء في هذه الأرض، ولا تنتظر إلا الآخرة، ولا ترجو إلا رضوان الله. قلوبا مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية واحتمال، بلا جزاء في هذه الأرض قريب. ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة وغلبة الإسلام وظهور المسلمين.. حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض شيء إلا أن تعطي بلا مقابل، وأن تنتظر الآخرة وحدها موعدا للجزاء.. وموعدا كذلك للفصل بين الحق والباطل، وعلم الله منها صدق نیتها على ما بایعت وعاهدت، أتاها النصر في الأرض وائتمنها عليه، لا لنفسها، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة، منذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه، ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه، وقد تجردت لله حقا يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه. فالنصر ليس بالعدد وليس بالعدة، وليس بالمال والزاد؛ إنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله التي لا تقف لها قوة العبادة13(13) طريق الدعوة في ظلال القرآن : (ص 361)..

ثمار التربية الجادة على الإخلاص

ومن ثمار الإخلاص في الدنيا أنه سبب من الأسباب القوية في سلامة القلوب، ووحدة الصف، وجمع الكلمة وائتلاف القلوب وقطع الطريق على من يريد التحريش بين المسلمين وإثارة الفرقة بينهم؛ لأن من أعظم أسباب الفرقة والاختلاف والتناحر بين الدعاة والمجاهدين بعضهم مع بعض ضعف الإخلاص، وتغلب الهوی وحظوظ النفس، فإذا حصل الإعداد القوي والتربية الجادة على الإخلاص قبل الجهاد وأثناءه فإن هذا من شأنه أن يقضي على الفرقة والتناحر، وأن يوحد الصف ويجمع الكلمة على قتال الأعداء، وبهذا يقضي على سبب خطير من أسباب الفشل والهزيمة؛ قال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].

وإن مما يقوي الإخلاص وينميه: صدق المحبة لله تعالى – والتي سبق ذکرها – وصدق التوحيد والعبودية لله تعالى واليقين الصادق باليوم الآخر، والقراءة في سير الصالحين المخلصين وكيف كان حرصهم على تحقيق الإخلاص في جميع أعمالهم، وخوفهم من الرياء والنفاق، وإخفاؤهم لأعمالهم، وحفظهم لها من كل ما يكون سببا في إحباطها وإبطالها؛ فإن ذلك مما يشوق النفوس إلى أعمالهم واللحوق بهم.

كما أن وجود القدوات المخلصة التي تعلم وتربي وتوجه يعد من الأسباب المهمة في إعداد المجاهدين المخلصين، كما أن من أعظم أسباب الإخلاص الزهد في الدنيا والتخفف منها، والإكثار من ذكر الموت، والتطلع إلى الدار الأخرة، والطمع في رضوان الله تعالى ونعيمه فيها، والخوف من سخطه وعذابه.

الهوامش

(1) البخاري: (6502).

(2) سير أعلام النبلاء: (6/121).

(3) البخاري (52)، ومسلم: (1599).

(4) انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (ص 57).

(5) مجموع الفتاوی: (15/170).

(6) البخاري في الجهاد: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (2810)، مسلم (1904).

(7) أبو داود (2516) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم: (2196).

(8) مسلم (1876).

(9) أبو داود (5123)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (1096).

(10) «في ظلال القرآن»: (1/ 144).

(11) البخاري: (123)، ومسلم: (1904).

(12) في ظلال القرآن: (6/3288)

(13) طريق الدعوة في ظلال القرآن: (ص 361).

اقرأ أيضا

مجاهدة النفس لتعلم الهدى ودين الحق

المفهوم الشامل للإعداد للجهاد

التخذيل عن الجهاد..من صفات المنافقين

 

التعليقات غير متاحة