إذا تحاكمنا إلى قوله تعالى: (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) ثم قدرنا أن أحمد الشرع أطاح بحكم الأسد تنفيذا لخطة تركية أمريكية فإن ذلك في أسوأ الاحتمالات يكون أهون من بقاء حكم الأسد.

سيناريو المؤامرة حاضر في تحرير سوريا

والذين يؤمنون بسيناريو المؤامرة المسبقة هم عند فحص أقوالهم وتحليلها في السياق الدولي والإقليمي يريدون بقاء حكم الأسد، ذلك بأن القسمة ثنائية وليست ثلاثية فلا يوجد خيار ثالث:

فإما أن نقبل بحكم أحمد الشرع على تقدير وجود مؤامرة ساعدته على اعتلاء سدة الحكم.

وإما أن نرفضه ونطعن فيه ولسان حالنا يقول: دعوا الأمر على ما هو عليه فلا تتعرضوا للأسد ونظامه. فيكون ذلك -بقصد أو بغير قصد- إيثارا لبقاء حكم آل الأسد.

أين وجه الإنكار؟!

والملفت للانتباه أن كثيرا من الأنظمة العربية هي حكومات خاضعة للإدارة الأمريكية كالحكومات العراقية المتعاقبة ودول الخليج كلها تحت الهيمنة الأمريكية التي توفر لها الحماية ومصر والأردن وغيرهما خاضعة خضوعا مطلقا لسياسة البيت الأبيض وحتى الدول التي تبدو بحكم الظاهر غير خاضعة لسياسات الغرب هي شر وبلاء على شعوبها لا يقل عن شر المحتل الأجنبي.

فلا أدري وجه الإنكار على تقدير وصول أحمد الشرع إلى هرم السلطة بتخطيط تركي أمريكي؟

ولا يستبعد في حكمة الله تعالى أن ينصر دينه برجال هم عنده من حصب جهنم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) رواه الشيخان.

ألست ترى أن كل الدول والجماعات السياسية تسعى إلى تحقيق مصالحها بما يناسبها من الوسائل والطرق. وهم في سبيل تحقيق الغاية يركبون كل وسيلة بقطع النظر عن حكمها في ميزان الشرع فكيف ينحى باللائمة على تنظيم غايته تحرير البلاد من احتلال النصيرية ووسيلته الاستعانة بتركيا التي لا يمكن أن تقارن بالنصيرية.

أي ضير في هذا؟

بل لو استعان أحمد الشرع بمن هم دون النصيرية في الشر والفساد لما كان ملوما لأنه في حالة اضطرار ولم يستعن بهم لضرب المسلمين بل لتحرير المسلمين من حكم طائفة كفرها وضررها أغلظ وأعظم من كفر اليهود والنصارى.

إن طرق التغيير إذا انسدت وطال معها أمد البلاء والمحنة، كان لا بد في مثل هذه المضايق من مخارج قد يضطر فيها المعارضون إلى فعل ما لا يفعلونه في حال الاختيار، ويحتاج المصلحون إلى تغيير المواقع والأوضاع بما يمكنهم من الحركة والمناورة من جديد. فهذه الحالة أفضل بكثير من الرضا ببقاء حكم قهري جثم على صدر الأمة خمسين سنة ونيف.

ويكفي من يسعون إلى التغيير والإصلاح شرفا أنهم نقلوا البلاد والعباد إلى أحسن وأفضل مما كانوا عليه بل أخرجوهم من حكم نظام هو في البطش والتنكيل مثل نظام محاكم التفتيش أو أشد، فغيروا بحسب الإمكان وفعلوا ما يقدرون عليه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وربما توجه القول بأنه لا يحق لمن لم يجرب نكال الأنظمة الاستبدادية بمعارضيها ولم يعرف مراكز التعذيب وما فيها من فنون الإهانات وصنوف التنكيلات أن يتكلم في مثل هذه القضايا العامة فإن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.

عند التعارض بين مفسدتين

فمن فعل الممكن من طاعة الله تعالى وأزال الظلم عن الأمة أو خففه عند تعذر إزالته ولم يتمكن من فعل كل المأمور وترك كل المحظور فإن تعذر وجود القادر الكامل يحتم اختيار أفضل الموجود فإن وجود مثل هذا في السلطة خير من وجود الزنادقة الذين أجمعت الأمة على أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى وهذا يندرج في باب التعارض بين مفسدتين لا يمكن الخلو منهما فندفع شر الشرين باحتمال أدناهما.

ونظير هذا تشنيع من يشنع على من ينقل الناس إلى أحسن مما هم عليه بحسب الإمكان كمن ينقل الكفار إلى إسلام مع بدع وفجور فهذا خير لهم من البقاء على الكفر.

وقد تذكرت وأنا أسطر هذه الكلمات شابا على شاكلة هؤلاء الناقدين الناقمين قديما ملأ علينا الدنيا انتقادا وصراخا وحدث مرة أن كان في بعض المقاهي مع جملة من الشباب -ليس منهم وليسوا منه- يصول عليهم ويجول فتقدم منه شرطي وطلب منه بطاقة الهوية لم يسأله غيرها فهاله الأمر ورعب رعبا شديدا وسقط مغشيا عليه.

هذا ما بدا لنا من رأي في حق أحمد الشرع بحسب المعطيات التي بين أيدينا (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين)  نسأل الله لهم التأييد والنصر والسناء والتمكين.

المصدر

صفحة الدكتور سليم سرار على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

السفينة السورية وأمواج كالجبال

التفرّد من البداية

يا أبطال الشام ..

أولوية الإصلاح في زمن الظلم والجبروت والعدوان

الثورة السورية..تباشير ومحاذير..(١)

التعليقات غير متاحة