أعرف أن الكلام عن الحوثية الآن يمكن أن يثير كثيرا من اللغط، المؤدي لسوء فهم أو غلط .. ولكنه واجب البيان، والله المستعان.

الغرب وصناعة الزعامات العربية

  • كمال أتاتورك سليل اليهود

عندما هيأت الصليبية الدولية الأجواء بالتواطؤ مع الصهيونية العالمية لإسقاط الخلافة الإسلامية في تركيا قبل مئة عام؛ صنع الأعداء قبيل ذلك بطلا قوميا وهميا هو (كمال أتاتورك) سليل اليهود، ونصير النصارى، حيث ضخموا دوره في الحرب اليونانية التركية بين عامي ١٩١٩ و ١٩٢٣، والتي سميت (حرب الاستقلال) بعد هزيمة الجيش التركي مع من هزموا في الحرب العالمية الأولى..

وقد خدعت الجماهير الإسلامية وقتها بذاك البطل المزعوم الموهوم، حتى لقد أثنى الشيخ رشيد رضا عليه، مخدوعا في بطولاته، ونظم أمير الشعراء (أحمد شوقي) شعرا يمجد صولاته وجولاته في قصيدة عصماء افتتحها بقوله:

الله أكبر كم للفتح من عجب…يا خالد الترك جدد خالد العرب.

لكن بطل الباطل هذا، هو الذي قام بأخس أدوار الخيانة للأمة، عندما قاد حزب الاتحاد والترقي العلماني في هدم الخلافة العثمانية، التي كانت تمثل آخر كيان إسلامي عالمي يجمع شتات المسلمين، وحول تركيا من دولة حامية للمسلمين إلى دولة علمانية معادية للدين في بضع سنين..!

  • عبد الناصر ونكسة 67

ذات ” السيناريو”الخادع تكرر فيما بعد مع زعامات صنعت صناعة على أعين الكارهين للدين، لكي تتجمع حولها جماهير المسلمين غافلة عن أغراض خداع مبيتة.

ولن نطيل في تفاصيل ذلك الأمر المشهود، فيكفي ذكر عبد الناصر وما انتهت إليه “بطولاته” الوطنية في جريمة الهزيمة الكبرى التي سميت “نكسة” عام ١٩٦٧، تحت رايات القومية العربية الفاشلة..

  • السادات والاعتراف بدولة اليهود

ثم ماجرى من تفخيم وتضخيم لشخص السادات بعد حرب اكتوبر ١٩٧٣، التي انتهت إلى الاعتراف لدولة اليهود بحق الوجود بمقتضى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي صارت بعد ذلك مسارا عاما على طريق تطبيع التركيع لغالب الدول العربية ..

  • إمام الضلالة الخميني

ولن ينسى جيلنا، كيف أسبغت صفات البطولة والمجد على إمام الضلالة الخميني، بعد قيام ثورته الشيعية الرافضية عام ١٩٧٩، والتي وصفت زورا بـ(ثورة المستضعفين) رغم تكفير زعمائها وعلمائها لجمهور الصحابة، ومعادتهم لعموم الأمة من أهل السنة، ومع ذلك انخدع وخدع بها كثير من المحسوبين على الإسلاميين..

  • حسن نصر الله

ولن ننسى كذلك أنه منذ سنوات قلائل جرى ترميز (حسن نصر الله) وتنصيبه زعيما لما يسمى (محور المقاومة) ضد الاحتلال، وخاصة بعد حرب لبنان ٢٠٠٦ ، حيث كان المتظاهرون يهتفون باسمه ويرفعون صوره في المساجد بالقاهرة وغيرها أثناء تلك الحرب، ليقوم هذا “البطل” المزعوم بعدها ببضع سنين بأخطر دور في أقذر حرب ، وهي حرب إيران ضد الثوار والمجاهدين في سوريا بالتعاون مع روسيا، وهو لم يخف أنه قام بذلك لإنقاذ طاغية الشام بشار، ولحساب من صنعوه ومولوه ووجهوه في طهران غير الطاهرة..

  • عبد الملك الحوثي

واليوم يجري تلميع شيعي أو متشيع مخادع آخر، هو (عبد الملك الحوثي) الذي استولى على اليمن بدفع من إيران، كما سيطر حسن نصر الله قبله على لبنان، وهيمن السيستاني على العراق لحساب طهران ..

الحركة الحوثية الشيعية وحقيقة الأجندة التي يشاركون بها

فما شأن تلك الحركة الحوثية الشيعية في الأحداث الجارية، التي تريد خطف ثمرات البطولة والنصر من أماجد غزة الأعزة ، في تحركات لا تخلو من أغراض وغموض شيعي باطني، استدعى الدعوة لإنشاء تحالف دولي جديد لمواجهتها والتصدي لها، بعد تهديدها الملاحة الدولية في البحر الأحمر ، وسط أجواء صاخبة بين يدي قدوم قوات ضاربة، لايعلم غير الله ما تنتهي إليه من عاقبة ..

وابتداء.. وبدون مزايدة؛ ليس مقبولا أي اتهام بأن الكلام هنا لحساب السعودية أو أي جهة عربية ..فمن يعرفني يعلم عني غير ذلك، بل يعرف أني أعتبر أن تمكين شيعة العرب: (الحوثية في اليمن) و(حزب الله في لبنان) و(الحشد الشعبي في العراق)؛ هو أحد سيئات وسوءات السياسات الحمقاء لبعض حكام الدول الخليجية المحسوبين زورا على أهل السنة والجماعة.

كما أن الكلام هنا ليس عن مدى تأثير عمليات الحوثين أو على مسار حرب الطوفان الحالية، سلبا أو إيجابا، ولكن عن حقيقة الأجندة التي يشاركون بها، وحساباتهم التي يعملون لأجلها إقداما أو إحجاما..

وكذلك فليس الغرض هنا إدانة المشاركين في نصرة بعض قضايا المسلمين، ولكن إظهار التفريق بين خلفيات الأمانة أو الخيانة في التعامل مع مجمل قضايا المستضعفين..

ماذا وراء تنصيب الحوثي بطلا ..؟

وجوابا عن السؤال المطروح في عنوان المقال؛ أقول:

إن الحوثيين قبل أي تفاصيل؛ هم أعتى فصيل يعد لأخطر الأدوار في المشروع الإيراني الشيعي الرافضي المعادي للسنة وأهلها، وهو مشروع يهدف أصحابه في النهاية إلى الاستيلاء على جزيرة العرب بعرضها وطولها، وعلى أرض الحرمين الشريفين في قلبها، ولهذا طوق الإيرانيون الجزيرة العربية من غالب أطرافها البرية بالاحتلال ، ليتولوا بعد استباحتها والاستيلاء عليها زعامة عالم الإسلام، من قلب القبلة في المسجد الحرام..

والفصيل الحوثي الذي كان منتميا مذهبيا إلى (الفرقة الجارودية) القديمة باليمن، والتي تعد أسوأ أقسام الطائفة الزيدية الشيعية المخالفة عقائديا لأهل السنة؛ تحول إلى المذهب الشيعي الإثني عشري الرافضي، بعد تحول إمام الفرقة (بدر الدين الحوثي) والد (عبد الملك الحوثي) إلى ذلك المذهب بعد مقامه الطويل في مدينة ( قم) الإيرانية، معقل تصدير الثورة الصفوية الرافضية، ثم تحول أتباعه تباعا، فأصبحوا جزءا من المشروع الإيراني العدواني..

لذلك فأصحاب المشروع الإيراني الذي يستهدف الحرمين، لا يقلون خطرا عن أصحاب المشروع الصهيوني الذي يريد ثالث المسجدين، ودولة اليهود التي سيطرت على عاصمة عربية واحدة خلال سبعة عقود؛ لم تقتل من العرب المسلمين عشر معشار من قتلهم الفرس الإيرانيين الذين احتلوا في نحو عقدين أربع عواصم عربية، منها صنعاء التي استباحها الحوثيون بخطة وأسلحة إيرانية تحت شعارات الثأر الشيعية..

إن الحرس “الثوري” الإيراني المسؤول عن قتل وتشريد الملايين من المسلمين السنة في العراق وسوريا واليمن ولبنان؛ هو من يدبر ويدير تحركات أذرع المشروع الشيعي _ بما فيها الحركة الحوثية _ التي استخدمها ذاك الحرس بكل مكر وإحكام في غياب أو غيبوبة المنسوبين للسنة من الحكام..

وتبني إيران وأذرعها للقضية الفلسطينية؛ لم يكن أكثر من سياسة جلب وكسب للمشروعية بين جماهير الأمة الإسلامية، وللتدخل في صلب شؤون البلاد العربية، التي كان خلط سفهائها العلمانيين بين الخيبة والخيانة؛ أهم عوامل تمكين إيران من الظهور بصورة الظهير والمناصر الوحيد لقضية بيت المقدس المركزية..

بعد الانتصارات التي بدت بشائرها مع (طوفان الأقصى) فبددت نظرية (أمن إسرائيل)..لم يجد الإيرانيون من يهدي لهم ثمار هذا الانتصار كما حدث في مرات سابقة؛ فتكفل شيعتهم في اليمن بذلك أو هم كلفوهم بذلك، لكن الأيام ستكشف بإذن الله أن حقيقة الانتصار غير ذلك..

– إن قال البعض عن جهالة أو عمالة: مالكم تخلطون بين عقائد الكيانات الدينية وسياساتها العملية الظاهرة الصلاحية ؟ فنقول لهم .. إن الجاهل بالعقائد سيجهل حتما ما وراءها من سياسات وعلاقات ومخططات ؛ و لهذا يتخبط في فهم المهم من القضايا والتعامل معها، كما هو شأن جهلة المثقفين، من وطنيين وقوميين ..

ولذلك فلا تغني معرفة سبل الحق وحده؛ دون إدراك مسالك الباطل بعده.. والله تعالى يقول: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:٥٥].

بعض رسائل إيران من التحرك الحوثي

لما خذلت إيران أبطال غزة في غزوة الطوفان؛ بدأت ترسل برسائل تخدير في صورة تحذير من ردها الأكيد وبأسها الشديد..

ومن رسائل إيران التي أرسلتها ولاتزال ترسلها عن طريق الحوثيين ومن خلال عملياتهم وتصريحاتهم ومظاهراتهم :

١_ أن إيران التي وظفت ظاهرة الحوثية الشيعية بعد أن قوتها الحكومات السعودية بالتعاون مع (علي عبد الله صالح) لضرب الاتجاهات الإسلامية السنية، إخوانية كانت أو سلفية؛ آن لها أن تجعل من ربيتها الحوثية رائدة جماهيرية للجزيرة العربية، بعد هوان وذوبان الزعامات السياسية “السنية” التي آثرت الدونية وباعت القضية.

٢_ أن إيران التي عصفت بالثورة اليمنية السنية عن طريق عملائها الحوثيين الذين قتلوا أيضا الرئيس اليمنى السابق (على عبد الله صالح) بعد آواهم وقواهم؛ نجحوا كذلك عن طريقهم في إظهار الفشل الخليجي في مواجهة الند الحوثي بالضد السعودي في (عاصفة الحزم) لذلك يعملون اليوم على تأهيل هذه الحوثية لاستكمال (الهلال الشيعي) حول الجزيرة العربية بقوة ضاربة يقودها قائد شيعي عميل، يراد إكسابه الشرعية الجماهيرية بدعوى مواجهة إسرائيل..

٣_ أن إيران بثورتها القومية الشيعية الفارسية؛ تصر على بناء مجد مزعوم على أطلال صنم القومية العلمانية العربية المهدوم . فبعد تحكمها في مضيق الخليج العربي الذي تسميه جبرا بالخليج الفارسي؛ ها هي تفرض كلمتها عن طريق ربيتها (الحوثية) على مضيق باب المندب، ليصل التحكم بعدها في مصير مصر من خلال محاولة خنق قناة السويس، وهو ما تتمنى به إيران أن تكون قد استعملت أو استكملت بالحوثين أكبر عوامل التكوين للامبراطورية الفارسية الجديدة .

٤_ أن إيران من خلال تحالفها الجديد مع روسيا والصين وكوريا الشمالية؛ تبعث عن طريق الحوثيين برسائل دالة على أنها قادرة على تجاوز الخط الأحمر الذي وضعه أمامهم بنو الأصفر ، لتجديد الصراع التاريخي الدامي بين الفرس والروم ، لكن على أراضي العرب السنة المسلمين؛ كما هو حادث اليوم في فلسطين .

٥_ أن هناك ثقة إيرانية في أن أمريكا التي لا تصنف الميلشيات المسلحة الحوثية على أنها حركة إرهابية (!!) قد تكف مؤقتا بأس الحوثي من خلال (تحالف حماية السفن) كيلا يهدد مصالح الغرب وإسرائيل، لكن كلا من أمريكا وإيران سيدخران أسلحة ومسيرات الحوثي المسكوت عن تخريبها خلال سنين مضت ، ليكون جيشه خنجر خيانة حال ساعة الصفر الإيرانية لاجتياح محسوب لمناطق الجنوب في المملكة السعودية، للوصول بعدها للمقدسات في الجزيرة العربية..

وهذا مكمن التهديد الشيعي الخفي الأخطر، الذي من أجله يصور الحوثي على أنه الزعيم البطل..

وهو ما يستدعي من كافة المهتمين بأمر المسلمين اهتماما أكبر.. ووعي أكثر.

المصدر

صفحة الدكتور عبد العزيز كامل.

اقرأ أيضا

إيران وعين على مكة

من تاريخ الرافضة

الخطر الإيراني على الجهاد .. تفتيت واختراق

الاضطراب العقدي والسياسي .. وضياع الطريق إلى القدس

التعليقات غير متاحة