في مؤتمر البحرين يتراوح العرب بين ذلة الانقياد للسيد الغربي، ودناءة الصفقة، وقسوة الإملاءات؛ ليبيعوا ما تبقى من القدس ومعها ما تبقى من الكرامة. لكن قد تكون هذه نقطة انكسارهم الى الأبد.

انطلاق المؤامرة

انطلق مؤتمر البحرين الثلاثاء 25/6/2019، بما يسمى “ورشة البحرين الاقتصادية” والتي تمثل الشق الاقتصادي من “صفقة القرن” على وجه إغراء الفلسطينيين ومعهم المصريون والأردنيون على تصفية القضية الاقتصادية وتسليم القدس الشريف والقبول بوجود؛ بل وهيمنة الكيان الصهيوني كدولة؛ ليست فقط مستقلة؛ بل دولة قائدة للمنطقة تمثل الحضارة الغربية والمصالح الغربية والتوجهات الفكرية والعقدية  للغرب. في مقابل أن يجدوا إمكانية للحياة الفردية كأفرد وبقايا شعب متناثر على غرار الهنود من سكان أمريكا الأصليين أو بقايا الشعب الأسترالي على أرضه.

جمع الصهيوني “جاريد كوشنر” صهر الرئيس الأمريكي “ترامب” العرب والغرب والصهاينة في لقاء لم يحلم أن يلقيه في حفل التخرج من الجامعة؛ إذ نفخت فيه الأبواق العالمية الصهيونية ليجمع هؤلاء ويملي عليهم ما يفعلون.

المفارقة أن من سيتولى دفع الأموال هم العرب المسلمون في الخليج، لاسترضاء العرب المسلمين في الشام، للتنازل عن جزء من الأمة الاسلامية وأرضٍ وشعبٍ ومقدساتٍ..!

الدافع عربي مسلم، والمدفوع له عربي ومسلم، والتنازل هو عن مقدسات العرب والمسلمين؛ هي ملك للأمة بأسرها من مشارق الأرض الى مغاربها. (1عربي 21، 25/6/2019، على الرابط:
انطلاق ورشة البحرين اليوم.. مقاطعة دولية واحتجاجات شعبية
الجزيرة، 25/6/2019، على الرابط:
كوشنر: ورشة المنامة نجحت قبل أن تبدأ والمقاطعون سيحضرون في النهاية
وكالات الأنباء
)

 

يساقون أذلة وهل يرفضون..؟!

قال الصهيوني “إيدي كوهين” مستشار نتنياهو، في لقاء تلفزيوني:

“إن  الحكام العرب سيحضرون المؤتمر البحريني وهم صاغرون، هذه لعبة ومنذ شهرين قال زعماء عرب “لن نذهب وسنقاطع”، لكن تلقوا أوامر من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأن يحضروا وإﻻ عروشهم وكروشهم ستكون في خطر”.

وفي لقاء آخر يقول أن “السعودية هي الممول الحقيقي لورشة البحرين، وتريد “إسرائيلَ” وينافقون بشعارات “دعم فلسطين”. (2موقع “الشبكة العربية” بتاريخ 25/6/2019، على الرابط:
بالفيديو مستشار نتنياهو للقادة العرب: عروشكم وكروشكم في خطر إذا لم تحضروا
وانظر الرابط:
كوهين: السعودية الممول الحقيقي لورشة البحرين
)

أثمان مدفوعة

“توافد عدد من الصحفيين الإسرائيليين للمرة الأولى إلى العاصمة البحرينية المنامة لتغطية الورشة الاقتصادية التي سميت “السلام من أجل الازدهار”، وأخذوا يبثون الصور والتعليقات التي استفزت المتابعين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع تنديد عربي واسع بالورشة نفسها.

وقال الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد إن البحرين سمحت لصحفيين من ست وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة بدخول أراضيها لتغطية المؤتمر الذي يمثل المرحلة الأولى من خطة إدارة دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط التي باتت تعرف إعلاميا بـ”صفقة القرن””.

“وعند وصوله إلى المنامة نشر رافيد في المساء صورة لزجاجة بيرة وكتب تحتها بالعبرية “مع البيرة اللبنانية في البحرين.. شرق أوسط جديد”. (3موقع الجزيرة، بتاريخ 25/6/2019، على الرابط:
في البحرين وأشرب البيرة اللبنانية.. صحفيون إسرائيليون يحتفلون بالشرق الأوسط الجديد
)

صفحة من التاريخ .. جهد الإسلام وجهد العلمانيين

بينما يبيع العرب اليوم فلسطين في هذا المؤتمر المشبوه، والمستقذر أهله؛ يذكر التاريخ بعرض نفس هذه الصفقة على حاكم مسلم؛ فأبى ذلك وأعلن أنه أن يقرض لحمه بالمشارط أحب اليه أن تقتطع بلاد المسلمين؛ في مقابل ما يعرض هؤلاء بلادهم ومقدرات أمتهم، وكأنهم يملكونها..!

“استطاع السلطان “عبد الحميد” أن يحمي فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، واستطاع أن ينســف “صفــقة القرن” التي قدِم بها “هرتــزل”، ولم يتحقق حلــم الصــهاينة إلا بعد أن تلقوا الدعم ممن خانوا الأمة والإســلام وفلسطين.

بدأ “هرتزل” قوله بتعبيره عن خالص احترامه وتقديره للسلطان الكبير عبد الحميد الثاني؛ ومن ثم تطرق إلى موضوع فلسطين قائلًا “إن الأمة اليهودية ومنذ زمن طويلة تتعرض لأقوى وأبشع أنواع الذل والاستحقار والإقصاء، ومن أجل تخليصها من أنواع العذاب الشرسة هذه، فإن كل ما نريده هو قبولكم لهجرتهم لفلسطين لا لشيء سوى إنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا والقيصرية الروسية، وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وحتى تزويد الميزانية والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها”.

ولكن رفض الخليفة الشريف، رحمه الله.

ولحماية فلسطين من الهجرات اليهودية أصدر السلطان “عبد الحميد الثاني” عام (1876) مذكرة قانونية بعنوان “مذكرة الأراضي العثمانية” وحسب هذه المذكرة القانونية منع السلطان “عبد الحميد الثاني” بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود منعًا باتًا، وجهّز وحدة شرطة خاصة للقيام بهذا الأمر ومتابعته، كما خصص السلطان أوقاتًا محددة وقصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين.

أمر بتشديد الإجراءات الأمنية على فلسطين وأمر بتشديد الإجراءات الأمنية على تنفيذ قانون “الإرادة الثانية” الذي صدر عام (1883) والذي نص على جعل (80%) من أراضي فلسطين أراضي وقف تابعة للدولة و(20%) أرض ملك خاص.

ولم يسمح السلطان “عبد الحميد الثاني”، لليهود، في تلك الفترة، بالدخول لفلسطين إلا للحج، ومنعهم من الإقامة والاستقرار في كل شبر وكل مدينة من فلسطين، كما رفض أن يبيع لهم الأراضي.

وأصدر عدة قرارات حكومية تمنعهم من تمديد الإقامة أكثر من شهر في القدس، ثم تمددت هذه الفترة لتصبح (3) أشهر، بتدخل بريطانيا سنة (1888)، التي بذلت جهودها للتخفيف من شرط الإقامة الزمني لليهود.

وفي (30) ديسمبر/ كانون الأول (1892)، أصدر، قانونا يقضي بعدم السماح ببيع الأراضي الحكومية لليهود حتى لو كانوا عثمانيين من رعايا الدولة.

عام (1896) قال السلطان عبد الحميد:

“انصحوا الدكتور “هرتزل” بألا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع. إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض،  فهي ليست ملك يميني بل ملك للأمة الإسلامية، التي جاهدت في سبيلها وروتها بدمائها. فليحتفظ اليهود بأموالهم وملايينهم. وإذا مُزقت يوماً دولة الخلافة فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن؟ أما وأنا حيّ فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الدولة الإسلامية. وهذا أمر لا يكون. إنني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة”.

وبعد أن أسقِطَت الخــلافة الإسلامية العثمانية، وبعد كل هذه العقود الطويلة من الزمن، خرج علينا أحفاد “هرتزل” عام (2019) بمشروع جديد يحمل العنوان نفسه “صفقة القرن” العنوان الذي رفضه السلطان عبد الحميد الثاني، مشروع جديد وما هو إلا استكمال لمشروع “هرتزل” وأحلام الصــهاينة.

هكذا فعل المسلمون بالأمس، وهكذا يفعل العلمانيون اليوم..!

ومع تشويه العلمانيين لإرث وجهد وتاريخ الخلافة العثمانية فهذا موقفها، مع رفع عقيرتهم جعارهم بالشعارات المكذوبة فهذا موقفهم المخزي.

رفض شريف

أما “المسلمون” في فلسطين فخيرا فعلوا إذ رفضوا الأمر وكانوا أكثر حساسية له وإدراكا لأبعاده، ونادت منظمات إسلامية كثيرة بمقاطعته. وأعلنوا أن “القدس” و”فلسطين” ليست للبيع.

إن الإغراء بالمال قد يجدي مع منطق الغرب  والمنطق اليهودي الطالب للمال ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (البقرة: 96)، كما أنه قد ظن المجرمون أنهم بعد الحصار الاقتصادي للمسلمين في فلسطين، وتجويعهم؛ يكون شوقهم لمجرد الحياة أشد، واستعدادهم للقبول بهذه الصفقة الخسيسة أقرب.

لكن كم انكسرت أمواجٌ على صخرة هذه العقيدة؛ الإسلام، وكم خيّبت هذه الأمة آمال ملوك ورؤساء فجرة، وشقت رؤوسهم بمفاجآتها. إنها أمة فيها “نبض محمد” صلى الله عليه وسلم، تسري فيها كلمات الله وكلمات رسوله؛ تُغلي دم الكرامة في عروقها وتعلن كبرياءها على الباطل ورفضها الانحناء، سواء أمام ترغيب أو ترهيب.

الحلقة المفقودة

إن الطرف الذي يسعى اليوم للتطبيع مع اليهود لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، بل هم أعداء لشريعة الإسلام؛ حيث أقصوها عن الحكم والتحاكم، ووالوا أعداء الله من اليهود والنصارى، وظاهروهم على المسلمين.

وحكموا في شعوبهم بقوانين ودساتير كفرية تستحل ما حرم الله عز وجل من إباحة الربا والزنا حال الرضا وتعري المرأة ورقصها واختلاطها بالأجانب، وإعلان ذلك والمجاهرة به في الإعلام العفن.. وغير ذلك من الكفريات.

وبهذا وأمثاله فإن الدول التي تدعي أنها إسلامية وتتهالك على الصلح والتطبيع مع اليهود هي في الحقيقة دول مارقة عن الإسلام؛ لا تمثل الإسلامَ ولا تمثلُ شعوبَها المسلمةَ. ولا يحل لأحد من المنتسبين للعلم أن يهبط بأحكام الإسلام لتكون خادمة لهم وهم أصلا قد رفضوها جملة وتفصيلا

إن الموقف مع هذه الدول الرافضة لشريعة الله عز وجل أن يقال لهم:

تعالوا أوّلا فادخلوا في دين الإسلام، وأعلِنوا استسلامكم لأحكامه في شؤون الحياة كلها قولا وعملا. وحينها فلن تجدوا أنفسكم بهذه الذلة والمهانة أمام شرذمة الخليقة اليهود، بل إن شريعة الله عز وجل ستدفعكم إلى الإعداد لجهاد الغزاة المحتلين. وإن احتجتم إلى صلحٍ أو معاهدة مؤقتة مع الكفار فلن تعدم الشريعة حَلا لذلك..

أما أنكم تكفرون بشريعة الإسلام وتنحّونها عن الحياة، ثم لما احتجتم لتمرير خيانتكم للدين والأمة صرتم تبحثون عند أهل العلم عن بعض النصوص من الكتاب والسنة التي يلْوون أعناقها لتوافق رغباتكم فإن هذا العمل المشين والمكر السييء ترفضه الأمة ولا ينطلي عليها تلبيسُكم ومكرُكم.

إن دين الله يأبى أن يكون مطيةً ذلولا، وخادما مطيعا، لتلبية هذه الحكومات الجاهلية الآبقة منه، المتنكرة له، الشاردة عنه.. التي تسخر منه الحين بعد الحين باستفتائه في قضايا ومشكلات وحاجات وهي غير خاضعة لشريعته وسلطانه..

إن من يخون أمته بموالاة أعدائها وإقرار احتلالهم للمقدسات الإسلامية لا تستغرب منه هذه الخيانة لأنه قد خان الله عز وجل من قبلُ بتنحية شريعته ورفض الحكم بها والتحاكم إليها وموالاة أعدائه قال الله تعالى: ﴿وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ﴾ (الأنفال : 71)

إن هذه هي الحلقة المفقودة التي يجب وصلها بباقي الحلقات لِتنجلي حقيقة ما يقوم به المتهالكون الموالون لأعداء الأمة يطلبون ودَّها ويقرونها على مقدسات المسلمين.

[للمزيد راجع: التطبيع مع اليهود والحلقة المفقودة]

خاتمة

يراهن “كوشنر” وصهره “ترامب” وقواهم الصليبية والصهيونية على عدم الالتفات للفلسطينيين على أنهم الطرف الأضعف وأن عليهم قبول ما يجود به المجرمون المغتصبون، ومن ثم قام بتوسيع التعامل مع الدول المجاورة؛ دول الطوق؛ مصر والأردن ولبنان، لكي يقوموا بتنفيذ ما يخصهم ويملون على أهل فلسطين إرادة العدو؛ إذ صرح “ترامب” قبل سنوات بأن على الفلسطينيين قبول ما يعرض عليهم وليس من حقهم الرفض.

فإن لم تفلح هذه راهنوا على رفض الفلسطينيين فيقوموا بضم ما شاؤوا من الأراضي واغتصاب ما تبقى من المقدسات بحجة تعنت الفلسطينيين ورفضهم لخطة السلام وللعيش الرغيد..!

ليس هناك من وقت تتمادى فيه أحلام الكفار والمنافقين أن يُجهزوا فيه على الأمة؛ لكن كم خبأ الله لهم ما يسوء وجوههم.

لكن على الأمة أخذ موقف حاسم وقوي، ومساندة المسلمين في فلسطين في رفضهم، وعلى العلماء أن يصدعوا بالحق فهذا يومهم يجب ألا يؤخرهم عنه أحد.

كما على قوى الأمة الحية أن تقاوم أوضاع المذلة، وتتابع الخيانات؛ فلا تثنيهم ولا توهن قواهم ولا تفتّ في عضدهم.

وعلى أهلنا في فلسطين أن يثبتوا، ولا يضعفوا أمام وعود تبدو براقة لكنها سحاب الصيف، ووعد الشياطين ﴿إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(الحشر: 16).

إن القضية ليست قضية مال أو عيش رغيد، بل هي قضية وجود وعقيدة وعيش شريف، ومستقبل أمة تواجه لكي تبقى، بل لكي تعود لدورها.

………………………………

هوامش:

  1. عربي 21، 25/6/2019، على الرابط:
    انطلاق ورشة البحرين اليوم.. مقاطعة دولية واحتجاجات شعبية
    الجزيرة، 25/6/2019، على الرابط:
    كوشنر: ورشة المنامة نجحت قبل أن تبدأ والمقاطعون سيحضرون في النهاية
    وكالات الأنباء.
  2. موقع “الشبكة العربية” بتاريخ 25/6/2019، على الرابط:
    بالفيديو مستشار نتنياهو للقادة العرب: عروشكم وكروشكم في خطر إذا لم تحضروا)
    وانظر الرابط:
    كوهين: السعودية الممول الحقيقي لورشة البحرين
  3. موقع الجزيرة، بتاريخ 25/6/2019، على الرابط:
    في البحرين وأشرب البيرة اللبنانية.. صحفيون إسرائيليون يحتفلون بالشرق الأوسط الجديد 

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة