حتى لا يكون بيننا وبين أهل الكتاب أي صفة تشابه؛ حذرنا الله عز وجل من قساوة القلب، فنكون مثلهم، فتقسو قلوبنا؛ كما وحذرنا من الفسوق إن قست قلوبنا، بطريقة غير مباشرة فنفسق كما فسقوا..
وما زالت حرب الإبادة مستمرة
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿أَلَمۡ یَأۡنِ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا یَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ﴾ [الحديد:16].
قاربنا على ستة عشر شهراً من الحرب والعدوان والتقتيل والتدمير والتشريد والتطهير العرقي والنزوح والحرمان والفقد والجوع؛ كل ذلك من عدو حاقد غادر لئيم؛ بل و﴿أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوةً لِلّذينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: 82].
وعداوتهم تزداد يوماً بعد يوم؛ يعينهم أهل الفسق والفجور والطغيان من دول ظالمة مجرمة؛ في ظل وهن تلبس من حولنا العربان، وهوان استغشى أهل الإسلام؛ حذرنا منه النبي ﷺ عندما قال: “يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها”. قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال: “لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ”.
أين أنتم مما يحدث حولكم؟
لقد آتاكم الله مالاً استعبدتم به أناساً، واستعبدكم فيه آخرون، فاستكبرتم وظننتم لكثرة أموالكم أن قارون بات صبياً عندكم! فصددتم عن سبيل الله؛ عندما غرتكم حياة من استعبدوكم بمال أمتكم وفقرائكم ومجاهديكم الأبرار.
غرتكم الحياة الدنيا وغركم تقلب الذين كفروا، وغركم بالله الغرور، فانسلختم من دينكم وملتكم وعروبتكم؛ وتلبستم لباس من غرته حياة وزخرف الذين تقلبوا في البلاد، وتدعون أنكم مسلمون مؤمنون؛ فإن كنتم كما تقولون؛ فأين أنتم مما يحدث حولكم؟
رغم أننا تجاوزنا الأربعمائة وستين يوما من الصبر والصمود والثبات والتحدي؛ والمقاومة، التي تسطر أبدع وأروع ملاحم البطولة والفداء؛ وما زلتم بتخاذلكم وتخذيلكم؛ تطعنون وتثبطون وتتهمون وتسبون وتشمتون فيمن انفردوا بإرادة لا تلين، وعزيمة رجال أوفياء صادقين؛ بل وتحاصرونهم.
تحاصرون من احتلت أرضه لثمانية عقود خلت تقريباً، والصمت والغفلة والوهن والتهاون والهوان سيد موقفكم، لم يحرك أحد منكم ساكناً؛ فما انتفضت أوداجكم لدماء أبرياء سُفكت؛ ولا عرق حيائكم احمَّر لأعراض نساء مسلمات انتُهكت؛ ولا لأطفال تمزقت أشلاؤهم إرباً إرباً؛ أو تيتمت؛ ولا نخوة إسلامية تدعونها تسارعت انتقاماً لبيوت الله التي قصفت ودمرت..
أما آن لكم أن تعودوا لرشدكم ولربكم؟
أما آن لقلوبكم أن تخشع وتنتصر لدين الله؟
أما حرك حقد اليهود الأسود قلوبكم؟
أما آن لكم أن تدركوا حقيقة أعداء أمتنا الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟﴾ [المائدة: 82]؟
أما آن لكم أن تنتبهوا وتستيقظوا لتكونوا في صف قلة مؤمنة صابرة تدافع عن شرف الأمة وكرامتها؛ رجال قال الله فيهم: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ﴾ [الأحزاب: 32].
معظم أهل الأرض شهدوا ببطولتهم؛ وأنتم ما زلتم تخذلونهم وتتهمونهم؛ بلسان امرئ جاهل تافه حاقد لئيم..
أما آن لكم أن تقرأوا آيات ربكم، وتدبروا عتاب رب بر رحيم: ﴿أَلَمۡ یَأۡنِ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا یَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]؟
خطورة التقاعس عن نصرة دين الله وأهله
وحتى لا يكون بيننا وبين أهل الكتاب أي صفة تشابه؛ حذرنا من قساوة القلب، فنكون مثلهم، فتقسو قلوبنا؛ كما وحذرنا من الفسوق إن قست قلوبنا، بطريقة غير مباشرة فنفسق كما فسقوا..
لقد كان خطاب ربنا فيه شيء من الملامة والعتاب، بعد شيء من الرفق واللين بقوله: ﴿وَلَا یَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلُ…﴾، ثم يشتد الخطاب أكثر لخطورة التشبه بأهل الكتاب، أصحاب القلوب القاسية؛ إن طال بهم مقام الغفلة والبعد عن دين الله، وقد طال بكم المقام، والخوف أن يتحول الكثير من هؤلاء إلى فسقة، إن هم تقاعسوا عن نصرة دين الله وأهله.
أما آن لكم أن تتوقفوا عن تساوقكم مع المحتل في كل أكاذيبه وأراجيفه التي يبثها طعناً بأهلكم وإخوانكم ومقاومتكم.. فعندما افتروا على السنوار رحمه الله تعالى؛ تساوقتم معهم ورددتم أكاذيبهم وأباطيلهم..
ولم ترعووا عندما أخزاهم الله تعالى من ألسنتهم وأفواههم، كما يقول المثل: “من فيك أدينك”. فلم تتوقفوا؛ بل وأطلقتم رويبضاتكم تنبح، وأنتم تعلمون أن هذا النباح لن يضر قافلة المقاومة ولا رجالها، بفضل الله تعالى؛ حين أظهر الله شجاعته وعظمة رجولته وبطولة إخوانه؛ بل أصبحوا أيقونة البطولة والفداء.. أيقونة العز والإباء.. أيقونة الشجاعة والإقدام؛ حتى آخر نفس في حياتهم؛ يقاتلون حتى آخر رمق، يفندون بجهادهم أكاذيبكم؛ وليشهد القاصي والداني؛ والعدو قبل الصديق؛ بمثل سيسطره التاريخ: “قاتلت حتى رميت بعصا السنوار”.
أما آن لكم أن تقولوا ماذا تريدون؟ وبماذا ترغبون؟
أما آن لكم أن تتوقفوا عن الإتيان بسادة الجهل ورويبضات العلم ليؤيدوا تخاذلكم، وتقيموا الحجة على ضعفاء المسلمين؛ ونسيتم قول الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5-6].
رغم القلة والاستضعاف الذي نحن فيه، ترون هذا الاستضعاف لا يعطينا الحق لمواجهة البغاة المحتلين المستعمرين!
والله قد أذن لنا أن نقاتلهم؛ عندما قال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: ٣٩-٤٠]، وقوله تعالى: ﴿… وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ [البقرة: ٢٤٦].
ومع ذلك ما زلتم متخاذلين وتخذلون!
أما آن لكم أن تعودوا وتدركوا حقيقة مواقفكم المخزية؟!
أكثر من أربعمائة وستين يوما من الصبر والصمود والثبات والتحدي؛ لم تخذلونا فحسب، بل تساندون عدونا وتدعمونه وتشددون علينا الحصار، إنكم لم تكتفوا بحصارنا؛ بل قمتم بإمداد عدونا عدو الله ورسوله؛ بكل ما يلزم من مال وسلاح وغذاء!
رغم هذا نعيد عليكم خطاب ربنا عز وجل، بكل تودد وتلطف وبشيء من الملامة التي تقرب ولا تبعد: ألم يحِن؟
أما آن الوقت لقلوبكم أن تتحرك وتخشع لذكر الله، ويتحرك فيها الإيمان؛ والله لا نعيد كلام ربنا عليكم استجداء لشهامتكم، لكننا نبرأ إلى الله من أفعالكم..
ماذا تنتظرون وقد طال بكم مقام التخاذل والخذلان والطعن والشماتة برجال صادقين؛ أمركم الله أن تكونوا معهم؛ قال الله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ [التوبة: 119].
أما آن لكم أن تتراجعوا عن مساندة ودعم عدو أمتنا؟ أم أنكم اخترتم طريق الأعداء وسلكتم مسلك الأشقياء في عداوة المؤمنين من أولياء الله؟ تنصرون أعداء الله وتحاربون أهل الإيمان، تنصرون الذين احتلوا مسرى نبيكم محمد ﷺ؟
اللهم فاشهد أنهم قد خذلونا، واشتركوا مع عدونا بإنزال الضر بنا؛ والحمدلله أنك قلت وقولك الحق؛ ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ﴾ [آل عمران:١١١].
أما آن لكم أن تعودوا إلى ربكم وتقطعوا حبل اتصالكم بأعداء الله؛ وألا تتساوقوا ببث الأراجيف والأكاذيب مع الأعداء؟!
ماذا تنتظرون وقد طال بكم مقام التخاذل والخذلان والطعن والشماتة برجال صادقين؟!
نشهدك يا ربنا أننا على العهد باقون صابرون محتسبون رغم الأذى الذي نلاقيه؛ نرجو به رحمتك ونخشى أليم عقابك، وعسى أن تعجل به الفرج والنصر القربب.
المصدر
مجلة أنصار النبي ﷺ، الشيخ حسن الخطيب – عضو رابطة علماء فلسطين.
اقرأ أيضا
لسان حال المسؤول: نحن والصهاينة إخوة
هذا باع الأرض المقدسة وهذه باعت الوثيقة المقدسة!!
من منكرات التطبيع مع اليهود؛ ولاية الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين