حين يسقط العالِم، لا يسقط وحده… بل يفتح أبواب الفتنة لعشرات الآلاف خلفه.
فهل نبالغ حين نقول إن ردة العالم قد تكون أخطر من ردة الجاهل؟
هناك حديث دائم عن قدسية العلماء، ولكن ماذا لو كانت أقوالهم سببًا في فتنة أمة؟
في زمن غلبت فيه الألقاب على الحقائق، وتقدّمت الهيئات على الثوابت، نحتاج وقفة جادة: هل كل من تصدّر باسم العلم مأمون على الدين؟!
العالِم.. قد يكون أول الساقطين!
العصمة من الكفر والكبائر عند أهل السنة ليست إلا للأنبياء عليهم السلام. أما غيرهم من العلماء والعباد والعوام فليسوا معصومين من الكفر فضلا عن أن يكونوا معصومين من الكبائر نستثني المبشرين بالجنة فإنهم على القطع لا يرتدون عن دين الإسلام لأنهم قد سبقت لهم من الله الحسنى.
أما العلماء فلا يوجد دليل ولا شبهة دليل تثبت عصمتهم من الكفر. فقد يرتد العالم بأقوال وأفعال وتروك ومواقف يقفها مع أعداء الملة المعلنين بالحرابة. بل قد يرتد بالتلطخ بأدران الوثنية أو الإلحاد أو سب الدين والأنبياء عليهم السلام أو غيرها والحاصل أن كل ذكرته المذاهب الأربعة وغيرها في باب حكم المرتد قد يتلبس به العالم فيرتد بذلك.
وحتى لا أطيل على القراء ومراعاة لمستوى طوائف منهم سأذكر ثلاثة نماذج واحد في العصر الأول والثاني في العصر الأوسط والثالث في العصر المتأخر.
من معلم للقرآن إلى شاهد زور على النبوة!
قال الطبري في تاريخه: عن أثال الحنفي قال: وكان مُسيلمة يصانع كل أحد ويتألفه ولايبالي أن يطلع الناس منه على قبيح، وكان معه نهار الرَّجَّال بن عُنْفُوَة، وكان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه مُعلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، وليشدّد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أنه سمع محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: إنه قد أشرِك معه، فصدّقوه واستجابوا له)
هكذا جر معه مائة ألف إلى جهنم وبئس المصير.
قال أبو هريرة: جلست مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط معنا الرجَّال ابن عنفوة، فقال: إن فيكم لرجلاً ضرسه في النار أعظم من أحُد، فهلك القوم وبقيت أنا والرّجال، فكنت متخوفاً لها، حتى خرج الرّجَّال مع مُسيلمة، فشهد له بالنبوة، فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مُسيلمة، فبعث إليهم أبو بكر خالدا.
الوجه الجميل لا يشفع لصاحب الردة
قال ابن كثير في البداية والنهاية 14_18 في أحداث سنة 701 هـ: (وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول قُتل الفتح أحمد بن الثقفي بالديار المصرية، حكم فيه القاضي زين الدين بن مخلوف المالكي بما ثبت عنده من تنقيصه للشريعة واستهزائه بالآيات المحكمات، ومعارضة المشتبهات بعضها ببعض، يذكر عنه أنه كان يحل المحرمات من اللواط والخمر وغير ذلك، لمن كان يجتمع فيه من الفسقة من الترك وغيرهم من الجهلة، هذا وقد كان له فضيلة وله اشتغال وهيئة جميلة في الظاهر، وبِزَّته ولُبسته جيدة، ولما أوقف عند شباك دار الحديث الكاملية بين القصرين استغاث بالقاضي تقي الدين بن دقيق العيد فقال: ما تعرف مني؟ فقال: أعرف منك الفضيلة، ولكن حكمك إلى القاضي زين الدين، فأَمَر القاضي للوالي أن يَضرِبَ عنقَه، فضُرِبَ عنقه وطيف برأسه في البلد، ونودي عليه هذا جزاء من طعن في الله ورسوله.)
من محراب التوحيد إلى مستنقع الإلحاد: سقوط عبد الله القصيمي المدوي”
عبد الله بن علي النجدي القصيمي الذي انتقل من دفاعه عن الإسلام والتوحيد والسلفية العتيقة ومناهضة القبورية إلى النقيض من ذلك حيث صار من أئمة الإلحاد فقد كان يرى أن الدعوة السلفية ثورة روحية لتحرير العقل البشري من الخرافة والأوهام وله كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية رد فيه على بعض دعاة الوثنية من الشيعة ودافع فيه عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ولكنه تدحرج وانحدر بداية من كتابه «كيف ذل المسلمون»، الذي ناقض فيه توجهاته السابقة ثم أردف بكتاب هذي هي الأغلال الذي ثار فيه على الإسلام جملة وتفصيلا . فانتقل من دعوة التوحيد والسنة إلى الدعوة إلى الإباحية والإلحاد . نسأل الله الثبات .
هكذا هي الحال. والأعمال بالخواتيم .
إن ردة العلماء أسبابها كثيرة وقد يرتد العالم بسبب أو أكثر من سبب .
أما الكبائر فقصتها طويلة الذيل لعل عقول بعض المتابعين لا تحتملها فنحن نراعي هذا ولكن نؤكد أن علماء الصحابة هم الجيل الفريد وهم المبشرون بالجنة لذلك ندعو الناس إلى فهم الكتاب والسنة على أصول منهجهم. فهم القوم لا يذل ولا يشقى من اتخذهم إماما وقدوة . ولن يهلك على الله إلا هالك .
المصدر
صفحة الدكتور سليم سرار، على منصو ميتا.