اختیار شعار (طوفان الأقصى) عنوانا لمعركة الشرق والفداء ضد الأعداء المعتدين في فلسطين، جعل من رمزية هذا المسجد المبارك نقطة انطلاق لإعادة قضية بيت المقدس إلى وجهها الديني ووجهتها الإسلامية، بعد أن أضاعتها وميعتها وقزمتها الاتجاهات العلمانية، فالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله هو المركز في قصة صراع الحق والباطل بين أتباع الديانات الثلاث، ولذلك فمن قضيته وقصته ينبغي إقرار الثوابت الإسلامية التي يراد التصدي لها، أو القفز من فوقها إلى حيث ثوابت الأعداء الظاهرين من كفار الكتابيين ومن دار في فلكهم من المنافقين.

من أبرز تلك الثوابت التي ينبغي ترسيخها جيلا بعد جيل

أن الأرض المباركة حول هذا المسجد قدست لارتباطها بقدسية الرسالات السماوية التي ختمت برسالة خانم الأنبياء – عليه صلوات الله وسلامه – كما دلت على الملك حادثة الإسراء، والاعتراف بحق اليهود في الوجود كدولة يهودية فيها، هو خيانة لله والرسول وللمسلمين.

المسجد الأقصى ليس مجرد مسجد يمكن استبداله أو التفريط فيه، بل إن أرضه المقام عليها مقدسة، وستظل مقدسة، مهما حدث فيها من تغيير، وهو مكان ذو مكانة عظمى لأنه يرمز إلى المعتقد الحق، الذي جاء به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناسخاً الشرائع السابقة، ولذا فإن التفريط فيه تفريط في العقيدة والشريعة معاً.

قيمة الإنسان المسلم في هذه الأرض وغيرها من بلاد المسلمين فوق كل القيم، وحرمته أعلى من كل الحرمات فنصرة المسلمين المظلومين فيها وفي غيرها من أوجب واجبات الدين.

هذه الأرض فتحها وعمرها المسلمون الأوائل من الصحابة ومن تبعهم، فلكل المسلمين فيها حقوق وعليهم واجبات، لأنها وقف عليهم جميعاً، ولهذا لا يحق لكائن من كان أن ينفرد بتقرير مصيرها لغير صالح الإسلام والمسلمين، لأن نصرتها أمانة في أعناقهم جميعاً بأرضها وشعبها ومقدساتها ومجاهديها ومرابطيها.

قضية فلسطين – وكل قضايا المسلمين الكبرى- لا بد أن يرد الفصل فيها لأهل الحل والعقد من المسلمين، الذين يمثلهم في الأساس أهل العلم والفقه على مستوى العالم الإسلامي، أما الساسة والمتنفذون، فما عليهم إلا التنفيذ في حال القدرة والاستطاعة، إذا كانوا عملاً مخلصين للأمة.

غير المخلصين للمسلمين، وغير الملتزمين بمعتقد التوحيد القويم من المعادين للدين أو المبدلين لأحكامه، وكذلك أصحاب البدع الغليظة في أسسه وأصوليه، ليس لهم من الأمر شيء، ولا ولاية لهم على قضايا المسلمين انفرادا أو شراكة، بل ولا مشورة ولا بطانة، وتقريب هؤلاء أو التقرب منهم يباعد من أي حلول، لما فيه من ازدراء بالدين، وتغرير بالمسلمين، إلا فيما تتقاطع فيه المصالح دون مساس بالمحكمات البينات.

كل اتفاق أو معاهدة أو مبادرة تبرم أو تطلق من غير الاستناد الواضح لمرجعية الإسلام التي يقول بها العدول من أهل العلم، فهي مجرد حبر باهت على ورق مهترئ، لا قيمة له ولا اعتبار، ولهذا لا يجوز أن يكون الموقف حيال ذلك هو الإحترام أو الإلتزام.

اليهود كانوا – وسيظلون للأبد – أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ويدخل في حكمهم من شايعهم على عدوانهم من النصارى وغيرهم، ولهذا فإن دعاوي (السلام الدائم والعادل) معهم، هو افتراء على الحق وتضيع للحقيقة، بل إن عداوة هؤلاء وهؤلاء الدينية تتضاعف كلما أوغلوا في ظلم المستضعفين واغتصبوا حقوق المسلمين.

جهاد المغتصبين المعتدين بكل المستطاع واجب مفروض، لا يصح القول بإبطاله أو تأجيله أو نسخه أو نسئه، فضلا عن القول بنبذه والتبرء منه، لأنه شرعة واجبة الامتثال، إما عينياً أو كفائياً.

أرض فلسطين وسائر بلاد الشام التي فتحها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين،  أحلوا فيها نهج الحق والسنة، فيجب تعظيم قدرهم فيها، وتعظيم المنهج الذي أحلوه بها، دون فتح المجال لإجلال وتمكين البدع الكبرى فيها.

الشريعة الإسلامية، لا المبادئ العلمانية، ستظل مرجع الحاكمية الواجبة في فلسطين وغيرها، فالتحاكم القلبي إليها واجب حتى عند عدم القدرة على تنفيذها، والعجز عن الحكم بها لا يسوع التحاكم أو الرضى بغيرها، فضلاً عن السعي لتمكين غيرها للحكم في رقاب المسلمين ودمائهم وأعراضهم وسائر شؤونهم.

هناك دائما في مقابلة ثوابتنا الإسلامية وعلى عکسها، ثوابت (دينية) يهودية ونصرانية، تنصرها أو تهون من شأنها أطروحات علمانية معادية لكل توجهات اعتقادية صحيحة، فلابد من كشف حقيقة “ثوابت” الباطل هذه كلها، كي يمكن التصدي لها. لا شك أن هناك من سيقول: أين نحن مما تتحدثون عنه في زمان هوان المسلمين، وظروف تمكن الأعداء والمنافقين، ومناخ المعادلات الدولية والنظرات الواقعية لموازين القوى المؤثرة في طبائع الأحداث ؟!

نقول: ظروف الواقع المتغيرة ليست حكماً على ثوابت الشريعة والعقيدة، كما أن هذا الواقع يتغير بسرعة لصالح المسلمين كلما اتجهوا نحو المسار الأقوم والأسلم، ثم إن الأجيال الإسلامية لا بد أن تنشأ على المفاهيم والثوابت الإسلامية في قضاياها الأساسية، حتى إذا عجز هذا الجيل عن استكمال التحرير واسترجاع الحقوق، لم يورث ذاك العجز أو يسلم من بعده لمسلمات وثوابت المبطلين.

المصدر

مجلة بينات، العدد:13، عبد الله همام.

اقرأ أيضا

الاضطراب العقدي والسياسي .. وضياع الطريق إلى القدس

من نحن؟ وما لنا وللأقصى والقدس؟

المعركة مع اليهود لماذا وإلى أين؟

التطبيع مع اليهود والحلقة المفقودة

محورية البعد الديني في صراعنا مع اليهود

التعليقات غير متاحة