بيت المرأة ينادي فطرتها، ودورها العظيم المنوط بها يكون هناك، وهو يرفع منها ويحفظ عرضها، فقد جاء الإسلام بحفظ العورات داخل البيت ناهيك عن خارجه..! ولهذا نقول أن قرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية وخروجها منه رخصة تُقَدَّر بقدرها.
مقدمة
الأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: ﴿وَقرْنَ في بيُوتِكنَّ﴾ [الأحزاب:33]. فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة؛ ولهذا جاء بعدها: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية.
والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجُدر والخُدُور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة.
ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة ـ والله أعلم ـ مراعاةً لاستمرار لزوم النساء للبيوت؛ فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك.
قال الله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال سبحانه: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: 34]، وقال عز شأنه: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق: 1].
تحقيق مقاصد شرعية مرعية
وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية:
1 – مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشِرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجل خارجه.
2 – مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي ـ أي غير مختلط ـ فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به، وهو خارج البيت.
3 – قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية ـ البيت ـ يُكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكنٍ إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومُربّية جيل.
وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» (1متفق على صحته)
4 – قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطاً بوجود محرم لها.
وقد ثبت من حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لنسائه في حجته: «هذه ثم ظهور الحصر». (2رواه أحمد وأبو داود)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في التفسير:
“يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت”. (3تفسير ابن كثير)
وقال الشيخ أحْمد شاكر رحمه الله تعالى معلقاً على هذا الحديث:
“فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضة ـ على أن الحج من أعلى القربات عند الله ـ فما بالك بما يصنع النساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد، حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟! أين الرجال؟!!”. (4عمدة التفسير: 3/ 11)
وأسقط عنها فريضة الجهاد، ولهذا فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتُدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دالٌّ على ضعف الأمة واختلال تصوراتها.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (5رواه أحمد، والحاكم وغيرهما بسند صحيح)
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث:
“وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين في ـ عصرنا ـ الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيُخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر الله به، فيُدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهاً بفجور اليهود والإفرنج، عليهن لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة”. (6عمدة التفسير: 3/ 157)
5 – تحقيق ما أحاطها به الشرع المطهر من العمل على حفظ كرامة المرأة وعفتها وصيانتها، وتقدير أدائها لعملها في وظائفها المنزلية.
وبه يُعلم أن عمل المرأة خارج البيت مشاركة للرجل في اختصاصه، يقضي على هذه المقاصد أو يُخلّ بها، وفيه منازعة للرجل في وظيفته، وتعطيل لقيامه على المرأة، وهضم لحقوقه؛ إذ لا بد للرجل من العيش في عالمين:
عالم الطلب والاكتساب للرزق المباح، والجهاد والكفاح في طلب المعاش وبناء الحياة، وهذا خارج البيت.
وعالم السكينة والراحة والاطمئنان، وهذا داخل البيت، وبقدر خروج المرأة عن بيتها يحصل الخلل في عالم الرجل الداخلي، ويفقد من الراحة والسكون ما يخل بعمله الخارجي، بل يثير من المشاكل بينهما ما ينتج عنه تفكك البيوت، ولهذا جاء في المثل: “الرجل يَجْنِي والمرأة تَبْني”.
ومن وراء هذا ما يحصل للمرأة من المؤثرات عليها نتيجة الاختلاط بالآخرين.
الإسلام والفطرة وأخلاق المرأة
إن الإسلام دين الفطرة، وإن المصلحة العامة تلتقي مع الفطرة الإنسانية وسعادتها؛ إذاً فلا يباح للمرأة من الأعمال إلا ما يلتقي مع فطرتها وطبيعتها وأنوثتها؛ لأنها زوجة تحمل وتلد وتُرضع، ورَبَّة بيت، وحاضنة أطفال، ومربية أجيال في مدرستهم الأولى المنزل.
وإذا ثبت هذا الأصل من أمر النساء بالقرار في البيوت، فإن الله سبحانه وتعالى حفظ لهذه البيوت حرمتها، وصانها عن وصول شك أو ريبة إليها، ومنع أي حالة تكشف عن عوراتها، وذلك بمشروعية الاستئذان لدخول البيوت من أجل البصر، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ [النور: 27ـ29].
حتى تستأنسوا: أي تستأذنوا، وتسلموا، فيؤذن لكم ويرد عليكم السلام.
وقد تواردت السنن الصحيحة بإهدار عين مَن اطّلع في دار قوم بغير إذنهم، وأن من الأدب للمستأذِن أن لا يقف أمام الباب، ولكن عن يمينه أو شماله، وأن يطرق الباب طرقاً خفيفاً من غير مبالغة، وأن يقول: السلام عليكم، وله تكرار الاستئذان ثلاثاً.
كل هذا لحفظ عورات المسلمين وهنّ في البيوت، فكيف بمن ينادِي بإخراجهن من البيوت متبرجات سافرات مختلطات مع الرجال؟ فالتزموا عباد الله بما أمركم الله به.
وإذا بدت ظاهرة خروج النساء من بيوتهن من غير ضرورة أو حاجة، فهو من ضعف القيام على النساء، أو فقده، وننصح الراغب في الزواج، بحسن الاختيار، وأن يتقي الخرَّاجة الولاّجة، التي تنتهز فرصة غيابه في أشغاله، للتجول في الطرقات، ويعرف ذلك بطبيعة نسائها، ونشأة أهل بيتها.
خاتمة
على بينة من الفطرة الصريحة تجد شرائع الإسلام جاريةً، تعرفها الفطرة وهي تعرف الفطرة. كل دعوة مصادمة للشرع ستجد الفطرة تنكرها والعكس كذلك، ولكن لا يبتلع الناس طوامّ الجاهلية المعاصرة إلا بزخرف الباطل ووسائله من الإعلام والإعلان والنظريات الباطلة وبهرجة الشهوات. ولو زال الزخرف لحظة عند وقوع المصائب أو البلاءات أو الأمراض لبان قبح الفعال وسوء الأخلاق.
لقد وفر الله عالى على المسلمين ثمن التجارب الباهظة في الأعراض والدماء والأولاد، بما أنزل تعالى من شريعة محكمة تخاطب الفطرة السليمة وتصحح ما اعوجَّ منها، والله العاصم.
………………………….
الهوامش:
- متفق على صحته.
- رواه أحمد وأبو داود.
- تفسير ابن كثير.
- عمدة التفسير: 3/ 11.
- رواه أحمد، والحاكم وغيرهما بسند صحيح.
- عمدة التفسير: 3/ 157.
المصدر:
- الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، كتاب “حراسة الفضيلة”، ص58-65.