عبادة الخوف من أعظم العبادات التى لا يجوز صرفها ألا للَّه عز وجل ومن الخوف ما هو مأمور به ومنه ماهو منهى عنه.
الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه..
تقسيم العلماء للخوف
قسم العلماء الخوف إلى ثلاثة أقسام وهى الخوف الشْرْكِى والخوف المُحَرم والخوف الجِبِلِّى
القسم الأول: الخوف الشْرْكِي وهذا مُخرج من الملة وهو على ضِربين.
الأول: خوف السر وهو أن يخاف المخلوق من مخلوق مثله خوفاً باطناً يعتقد به إطلاع مخلوق على سره وقدرته على إلحاق الضرر أو النفع به غائباً وحاضراً حياً كان أو ميتاً وهذا النوع من الخوف هو الذي يقع فيه عباد القبور والأصنام الحية أو الجامدة ومن أجل ذلك يوجه العابد لمعبوده أكثر أنواع العبادة العملية من نذر وذبح وسجود وطواف رغبة في المعبود أو رهبة
الثاني: خوف التعظيم وهو الناشئ من تعظيم المخلوق وتقديسه حتى يبلغ الحال بالعابد أن يقع في أنواع من الشرك الأكبر تعظيماً لهذا المخلوق كأن يحيطه بألفاظ و أعمال لا يجوز صرفها الا الله عز وجل وكأن يطيعه طاعة مطلقة في كل ما يقول أو يأمر ولو كان في تحليل الحرام وتحريم الحلال والتشريع من دون الله تعالى، وإذا وقع العبد في هذا النوع من الشرك فلا تسأل عن قلقه والرعب الذي يُعشعش في قلبه وهذا عقوبة له من الله عز وجل في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا). [آل عمران:151]
القسم الثاني: الخوف المُحَرم
وهو الخوف الذي يؤدي بصاحبه إلى الوقوع في المحرمات أو ترك الواجبات من غير إكراه كأن يأكل الربا خوفاً من الفقر أو يجلب إلى بيته أنواع اللهو والمجون والأفلام المحرمة خوفاً من زوجة أو أولاد أو يتنازل عن دينه ويقع في المداهنة والنفاق من أجل وظيفة أو محافظة على منصب.
القسم الثالث: الخوف الجِبِلِّي
وهذا خوف جائز بل جِبِلِّي وفطري كأن يخاف الإنسان من عدو صائِل أو يخاف من سبع أو غرق أو حريق وغير ذلك من المخاوف التي يخافها البشر فطرة وجِبلة وقد قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفا يترقب ).
أسباب الوقوع فى الخوف الشركى
- ضعف المعرفة بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته الأمر الذي ينشأ عنه ضعف التوكل على الله وضعف تعظيمه والخوف منه وحده وهذا يجعل تعظيم المخلوق والخوف منه أشًّد من تعظيم الخالق والخوف منه.
- وسوسة الشيطان وتخويفه قال تعالى: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]. أي يخوفكم أولياءَه . ومن أعظم وساوسه تعظيمه للمخلوق في القلوب وتزيينه حب الدنيا والخوف عليها وكراهة الموت ونسيان الآخرة.
فإذا اجتمع ضعف العلم بالله عز وجل وأسمائه الحسنى مع الوهن الذي هو حُب الدنيا وإيثارها على الآخرة ووسوسة الشيطان وتعظيمه للمخلوق في النفوس تضخم الخوف من المخلوق وقوته وقدرته على إلحاق الأذى بمن يخالفه وبناء على هذا التعظيم وخوفاً على فوات الدنيا يتنازل العبد عن دينه فيقع في ترك الواجبات وفعل المُحرمات وقد يقع في الخوف الشْرْكي خوفاً من المخلوق اعتقادا منه بأنه يلحق به ضرراً أو يمنع عنه نفعاً إستقلالا من دون الله عز وجل (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وقال عن أنبيائِه وأوليائِه (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب:39] وبالنظر إلى ختام الآية (وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) نجد أن صدق التوكل على الله عز وجل الناشئ من معرفة الله تعالى وتعظيمه ومعرفة قوته وقدرته وقهره ورحمته ينشأ عنه عدم الخوف من المخلوق وتوجيه الخوف إلى الله وحده.
الفرق بين الخوف المأمور به والمنهي عنه
لقد أمرنا الله عز وجل بالخوف منه وحده ومع ذلك أمرنا أن نأخذ حذرنا من أعدائنا فنفعل الأسباب التي يقينا الله بها شر كيدهم ومكرهم وعداوتهم.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا) [النساء:71] ومثل هذا جاء في إقامة صلاة الخوف والحذر من هجوم العدو (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ).
وأما الخوف المنهي عنه فهو الخوف الناشئ من تعظيم المخلوق و الموصل بصاحبه إلى الجبن والخوف والخورالذي يؤدي إلى ترك المأمور وارتكاب المنهي وترك الدعوة والجهاد.
وهذا هو الذي جاء في قوله تعالى ( فلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) . إذن لا يجوز الخلط بين الخوف المأمور به وهو الحذرمن العدو وبين المنهي عنه وهو الجُبن والخُور المؤديان الى ارتكاب المُحَرم وترك الواجب.
ولو تأملنا في قوله تعالى (خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا) لرأينا في ذلك جمعا بين الأمرين المحمودين وهما أخذ ا لحذر -وهذا لا يتعارض مع الخوف من الله تعالى – وبين القيام بالجهاد والنفرة اليه وذلك في قوله (فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا) حيث لم يؤدى الخوف من العدو والحذر منه إلى النوم وترك العمل والجهاد بل قال (فَانفِرُوا).
الخوف من المخلوق بين الوهم والحقيقة
لقد ظهرت صور من الخوف المحرم والخوف الشركي في واقعنا المعاصر تحت وطأة البطش والقمع حتى طالت بعض المنتسبين الى العلم والدعوة مما أدى ببعضهم إلى ترك أمور دعوية وعلمية يستفيد منها المسلمون ويتربى عليها الشباب المسلم بحجة الخوف على النفس من الأذى أو السجن وهذا من تخويف الشيطان وإرجافه القائم على الوسوسة والأوهام التي لا حقيقة لها في الواقع وهذا ما يُريده شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم الى بعض لِبث الأوهام والمخاوف لكي تُعطل أبواب الخير وتُشَّرْع ابواب الشر والفساد . ولو أن من ترك الدعوة ونْشر الخير وبَيان الحق للناس يُقطع بحلول الأذى عليه أو يغلب على ظنه ذلك لكان في تركه لما يُقطع بضرره رخصة له في ذلك أما وإن الأمر كله أوهام ومن وسوسة الشياطين فإن هذا من الخوف المحرم بل قد يؤول بصاحبه إلى الخوف الشْرْكِي الذي يعاقب الله عز وجل صاحبه بإلقاء الرعب الدائم في قلبه وأشد من ذلك من آلَ به الخوف أو الطمع الى أن يضع نفسه في خندق الطواغيت يواليهم ويعادي معهم أولياء الله عز وجل من الدعاة والمجاهدين.
شبهة اخرى في ترك الأمر والنهي
هناك من يتأول في تركه الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتقاء الفتنة وتلافيه الوقوع فيها وهذا يذكرنا بقوله تعالى (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)
وهذه في الغالب من حجج المرجئة وأهل الفساد والفجور ليُبرروا ضَعفهم وخوفهم من غير الله تعالى.
خطوات الشيطان
لقد حذرنا الله عز وجل في كتابه الكريم من خطوات الشيطان في أربع مواضع من القرآن ثلاثة منها تؤدي إلى الشرك بالله تعالى ولاسيما شرك التشريع والتحليل والتحريم وهذا أعظم شيء يفرح به الشيطان فإن لم يستطع ذَهب إلى خُطوة الإيقاع في البدعة والفواحش.
والأذهان تذهب في الغالب حينما تسمع التحذير من (خطوات الشيطان) الى خطورة الإستدراج إلى الفاحشة بالوقوع في مقدماتها من النَّظَر الى الخِلوة والمُحادثة المحرَّمة وتَقْصْر عقول كثير من الناس الخائفين من خطوات الشيطان عن إدراك ماهو أعظم وأخطر هلكة الذي من ذلك والذي هو غاية الشيطان من خطواته ألا وهو الشرك بالله عز وجل . فقد يراك الشيطان سالكاً مسلكاً للتدين وطلب العلم فيتركك تطلب كما تشاء وتتعبد كما تشاء وتطلب العلم وتبث المواعظ كما تشاء …. الخ . لكنه يكتفي منك بأن يظفر منك في النهاية أن تذهب بعلمك وعبادتك ووعظك فتضعها في جيب علماني أو مفسد إباحي ليوظفها في تنحية الشريعة وتبديل الدين وتشهد بنفسك جهدك يستخدمه مَلاحِدة وطواغيت في طمس الهوية وتبديل الشريعة وأنت تُؤَول لنفسك رغبة أو رهبة بأن تضع نفسك في خندق أعداء الدين يستخفونك ويوظفونك في تحقيق مساوئهم وظلمهم، كل هذا وأنت تظن أنك نجوت أخلاقياً وقد تكون هلكت عقديا فإياك وبحجة الخوف والتأويلات الفاسدة أن تخسر دينك فلا يبقى لك شيء. نسأل الله عز وجل أن يستعملنا في طاعته ونصرة دينه وأن يملأ قلوبنا من محبته وتعظيمه وخشيته ورجائه والحمد لله رب العالمين.