كم تربص المجرمون بالإسلام وشرائعه، ثم كم يتربصون اليوم بعقائده وشعائره، وهم في كل يوم الى مزيد من الطمع في الإسلام وأهله. ويجب على المتصدر للفتوى فهم الواقع واعتبار مآلات فتواه.
مقدمة
الفتوى أمرها عظيم؛ فيجب أن لا يُقدم عليها إلا مَن أحكم الصنعة، وليس الأمر متوقفًا على العلم وحده؛ بل من شروط المفتي: الفطنة والذكاء الكافي لمعرفة مآلات ما يفتي به من خير أو شرٍّ..
نعم مآلات الأمور ونهايتها وحقائقها على جهة القطع لا يعلمها إلَّا الله سبحانه وتعالى. وربما تَوقَّع المفتي أنَّ أمرًا ما هو خير فكان شرًّا، والعكس أيضًا يكون..
والمقصود أنَّ على المفتي بذل الوسع في البحث عمَّا يترتب على فتواه من خير أو شرٍّ، فإن تَوقَّع خيرًا اختاره للسائل، أو اختار له ما فيه خير المآلات إن كانت متعددة، وإن تَوقَّع شرًّا تعيَّن عليه الإفتاء بما يبعد الشرَّ..
يقول الشاطبي:
“النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا؛ أكانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أنَّ المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلَّا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك”. اهـ (1الموافقات للشاطبي (5/ 177))
خطر عدم اعتبار المآل
وأخطر ما في الفتوى هو أن يختار المفتي للسائل ما يجرُّ شرًّا عظيمًا؛ فإنَّ من رأى من يصطاد في مكان يتواجد فيه الناس من رعاة ونحوهم، وجاء ليطلب حكم الصيد باستخدام سلاح ناري فاتك بعيد المدى والتأثير فأفتاه المفتي بجواز مطلق الصيد؛ فإنَّ هذا المفتي لم يُحسن؛ فإنَّ لفتواه هذه غائلة باحتمال قوي؛ فإنَّه قد يسدِّد يريد الصيد فيصيب دمًا حرامًا..
يقول ابن القيم:
“… فمن سُئل عن علم فكتمه ألجمة الله يوم القيامة بلجام من نار، هذا إذا أَمِنَ المفتى غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتُّب شرٍّ أكثر من الإمساك عنها أمسك عنها ترجيحًا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وقد أمسك النبي صـلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل حِدثان عهد قريش بالإسلام وأنَّ ذلك ربَّما نفَّرهم عنه بعد الدخول فيه. وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عمَّا سأل عنه وخاف المسئول أن يكون فتنة له أمسك عن جوابه…” اهـ (إعلام الموقعين (24/ 157-158))
وحديث نقض الكعبة المذكور هو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنهـا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ». (3رواه البخاري (1583) ومسلم (1333))
فكان المانع له صـلى الله عليه وسلم ما يتوقع من فتنة بعض من أسلم قريبًا. وقد بوَّب عليه البخاري:
“بَاب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِي أَشَدَّ مِنْهُ”.
قال النووي:
“وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذَّر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم، لأنَّ النبي صـلى الله عليه وسلم أخبر أنَّ نقض الكعبة وردَّها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صـلى الله عليه وسلم مصلحة ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا فتركها صـلى الله عليه وسلم…” اهـ (4شرح مسلم (9/ 89))
وقد اجتهد ابن الزبير فأعاده في عصره لما كان يتمنَّاه النبي صـلى الله عليه وسلم كما في رواية للبخاري (5برقم 126): “فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ”. قال النووي:
“…قال العلماء: بُنِيَ البيت خمس مرات. بنته الملائكة ثمَّ إبراهيم صـلى الله عليه وسلم ثمَّ قريش في الجاهلية، وحضر النبي صـلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة، وقيل خمس وعشرون، وفيه سقط على الأرض حين وقع إزاره. ثمَّ بناه ابن الزبير، ثمَّ الحجاج بن يوسف واستمر إلى الآن على بناء “الحجاج”…
قال العلماء: ولا يغيَّر عن هذا البناء، وقد ذكروا أنَّ هارون الرشيد سأل مالك بن أنس عن هدمها وردِّها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب فقال مالك: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين ألَّا تجعل هذا البيت لعبة للملوك لا يشاء أحد إلَّا نقضه وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس. وبالله التوفيق”. اهـ (6الموضع السابق)
وهذا من فقه الإمام مالك حيث نظر إلى مآل الفتوى..
وكان “الحَجاج” أعاد بناء البيت على ما كانت بنته عليه قريش ـ في خلافة عبد الملك بن مروان، وبأمره ـ وذلك جهلًا من عبد الملك بحديث عائشة رضي الله عنهـا. ونَدِم بعد أن تيقَّن بصحة الحديث؛ كما ثبت عن عبد الملك أنَّه بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا فِي الْبِنَاءِ». فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هَذَا. قَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ.
“اعتبار المآل” في سنة رسول الله وسيرته
ولتحاشي غوائل الفتوى أمثلة كثيرة في السنَّة المطهَّرة؛ فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَوَ قَدْ فَعَلُوا؟ وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». (7رواه البخاري (4907) ومسلم (2584))
فلم يأمر النبي صـلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله بن أُبيّ ـ زعيم المنافقين ـ ؛ لأنَّه قد يُفضي إلى نفور الناس عن الإسلام..
ومثله ما ثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِي النَّاسَ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ. قَالَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ. فَقَالَ: «مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي». (8رواه مسلم (1063))
قال النووي:
“… لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفًا لغيرهم لئلَّا يتحدث الناس أنَّه يقتل أصحابه فينفروا”. اهـ (9شرح مسلم (7/ 159))
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟…» الحديث (10رواه البخاري (3470) ومسلم (2766) واللفظ له)
فتأمل كيف كانت غائلة فتوى الراهب قتله، قال الحافظ ابن حجر:
“…وفيه إشارة إلى قلَّة فطنة الراهب؛ لأنَّه كان من حقِّه التحرُّز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده، وأن يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه. هذا لو كان الحكم عنده صريحًا في عدم قبول توبة القاتل؛ فضلًا عن أنَّ الحكم لم يكن عنده إلَّا مظنونًا”. اهـ (11فتح الباري (6/ 517))
غائلة الفتوى بإغلاق المساجد، ومخاطرها
وقد كَثُرَ في أيَّامنا هذه بين أفاضل من المنتسبين للعلم الإفتاءُ بغلق المساجد لتلافي البلاء بوباء فيرس كورونا.
وبعيدًا عن كون هذه الفتوى مخالفة لإجماع المسلمين من لدن الصحابة إلى يومنا هذا فقد مرَّ بالمسلمين فتن وحروب وطواعين وأوبئة أشدُّ فتكًا ولم يُنقل عن عالم أو ذي سلطان الأمر بإغلاق المساجد..
فإنَّ من أفتى بغلق المساجد ومنْع الجمع والجماعات، تغافل عن غوائل عظيمة من المرجَّح وقوعها مستقبلًا أو وقوع بعضها، ومن ذلك:
تغافُل هؤلاء المفتين عن أنَّ فتواهم هذه تُسعف حُكَّامًا يسعون منذ أزمان متطاولة لإغلاق هذه المساجد، وتقليل أنشطتها، والتضييق على جهود العلماء وطلبة العلم..
والنوايا السيئة متوافرة لدى أولئك الحُكَّام، ويُصدِّق ذلك سوء فعالهم وانحرافهم عن الشريعة المطهَّرة وتناقضاتهم بالسماح للتجمعات من أجل تحصيل الطعام من الأسواق ومن مراكزه.. ومنع ذلك في الجمع والجماعات.
ويُتوقع بعد الجرأة على غلق المساجد ومنع الجمع والجماعات أن إذا انقشعت غمَّة كورونا أن يكون إغلاق المساجد سائغًا مرَّة بعد مرَّة بحجج متعددة..
فهل غاب عن هؤلاء المفتين أنَّهم لا يُفتون لحُكَّام أتقياء أنقياء عدول يريدون إقامة الدين وسياسة الدنيا به..؟!! وأنَّ فتواهم هذه بهذا الإطلاق والتعميم هو من قبيل تحديث الحجاج بحديث العُرَنيين..
وها هو الواقع يشهد؛ فقد أغلقوا المساجد في طول وعرض عامَّة البلاد الإسلامية في كافة القرى والمدن حتَّى التي لم تثبت فيها حالات إصابة. ولو كانت النوايا صالحة لأغلقوا ما هو مظنَّة لانتشار المرض دون غيره، وخاصَّة المدن والقرى البعيدة عن التأثر بالمرض ممن لا يَفِدُ إليها أحد أجنبي عنها.
ومن فضل الله أنَّ عموم البلاد الإسلامية قد عافاها الله من هذا المرض من حيث الجملة مما يستلزم شكرها بطاعة الله والعبادة لا بتعطيل الجمعة والجماعة الذي هو من أعظم أسباب البعد عن الله، فهذا الوباء رجز أنزله الله على الكفار، نسأل الله أن يُتمَّ نعمته وعافيته على المسلمين، ولو قدَّر الله عزَّ وجلَّ إصابتهم به فهو ابتلاء وتكفير للسيئات..
خاتمة
كان الواجب في مثل هذا الظرف هو أخذ التدابير و الاحتياطات اللازمة دون استصدار قرارات أو قانون يمنع إقامة الجمعة والجماعة في المساجد، فإنَّ هذا سابقة لم يحدث في تاريخ الإسلام..
فماذا ستجرُّ علينا فتوى إغلاق المساجد من غوائل وفواجع..!!
وقد كان يسع هؤلاء المفتين حضُّ الناس على الصلاة في البيوت في المواطن التي استشرى فيها وباء الفيرس، مع عدم التعرض للمساجد كما يكون عند المطر ونحوه..
وقد يقول قائل: وهل يحتاج الحُكَّام لفتوى ليفعلوا ما يريدون..؟
نقول: ولماذا صدَّر عامتهم أوامر غلق المساجد بفتاوى المفتي..ن؟
إنَّهم في هذه المسألة التي تمسُّ المسلمين عامَّتهم وخاصَّتهم بدا أنَّهم بحاجة إلى هذه الفتاوى..
قال ابن القيم:
“عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ.
أَوَّلُهَا: أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نُورٌ وَلَا عَلَى كَلَامِهِ نُورٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ. [أي: العلم بالشرع وفقه واقع القضيَّة التي يتكلم فيها].
الرَّابِعَةُ: الْكِفَايَةُ وَإِلَّا مَضَغَهُ النَّاسُ. [أي: غير محتاج في رزقه للسلطان أو غيره].
الْخَامِسَةُ: مَعْرِفَةُ النَّاسِ.
وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ أَحْمَدَ وَمَحلُّهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ هِيَ دَعَائِمُ الْفَتْوَى، وَأَيُّ شَيْءِ نَقَصَ مِنْهَا ظَهَرَ الْخَلَلُ فِي الْمُفْتِي بِحَسْبِهِ”. اهـ (12إعلام الموقعين (4/ 152))
سدَّد الله تعالى آراءنا، ورفع عنَّا هذه الغمَّة وكل غمَّة..
…………………………
هوامش:
- الموافقات للشاطبي (5/ 177).
- إعلام الموقعين (4/ 157-158).
- رواه البخاري (1583) ومسلم (1333).
- شرح مسلم (9/ 89).
- برقم 126.
- الموضع السابق.
- رواه البخاري (4907) ومسلم (2584).
- رواه مسلم (1063).
- شرح مسلم (7/ 159).
- رواه البخاري (3470) ومسلم (2766) واللفظ له.
- فتح الباري (6/ 517).
- إعلام الموقعين (4/ 152).
المصدر:
- طه سليمان، الخميس 2/8/1441هـ