مات حسني مبارك، طاغية مصر الذي حكمها ثلاثين عاما؛ يتوارى تحت التراب فيتضاءل حجمه وتظهر حقيقة العبودية والضعف، وأن الجبروت كان وَهْما مُرديا، وطغيانا مؤقتا باء بإثمه.

الخبر

“مات الثلاثاء 25 فبراير 2020، طاغية مصر. عن عمر ناهز (91) عاما، بعد أن حكم مصر ثلاثين عاما أعقبتها ثورة محاوَلة لانتزاع الحقوق، تلاها انقلاب يعيد الأمور الى الزمرة الحاكمة في زمنه وزمن العسكر قبله”. (1موقع “BBC”،25/2/2020 ، على الرابط: وفاة حسني مبارك: الرئاسة المصرية تعلن الحداد العام في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أيام)، موقع “CNN”،25/2/2020 ، على الرابط:  وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن عمر يناهز 92 عامًا، وموقع “الأناضول”، 25/2/2020، على الرابط: وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك)

التعليق

بدأت محاكمة “مبارك” الحقيقية الآن منذ لحظة الوفاة. ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ (القيامة: 26 ـ 30)

في التراب ويوم الجنائز تظهر أحجام الطغاة؛ حيث أجسام بلا حراك، ومصير بيد الله، وأوضاع صنعوها يئن من آلامها ملايين الخلق، وأمة محرومة من كرامتها وحريتها، ومخالب العدو مغروزة في مقاتلها. مات بعد أن عاش تسعين عاما ملك منها ثلاثين عاما كانت تُنسج له خيوط الذهب في سُتراته منقوش بها اسمه.

يموت طاغية يعلن كيف يكتسب الإنسان بحمقه أحمالا لا يطيقها؛ يحمّلها لنفسه ليلقى بها الله أوزارا ثقالا يحملها على ظهره.. تدمير أمة وتسليم مقدراتها للعدو، بيع للطاقة للصهاينة يضربون بها المسلمين، وحصار للمسلمين في غزة ـ يستكلمه مَن بعده ـ وخسارة اقتصادية لأهل مصر، وعلمنة في الحياة العامة، وخطوات لتحجيم الدين، وتتبعه لحربه وتسليط الشيوعيين على وزارات الثقافة والإعلام. هذا مع سابق التبديل للشرائع واستهداف التيار الإسلامي ودعاته، مع تعذيب في أقبية الأمن، وقتل لمظلومين يُنقلون الى المقابر ويُجبر أهلوهم أن يدفنوهم ليلا بلا صلاة ولا وداع. بالإضافة الى (841) شاب قتلهم لمواجهة ثورة هل مصر عام (2011م)

بذور المشاكل التالية التي استفلحت بدأت منذئذ؛ سد النهضة، سلطة العسكر التي تتنامى، رجال أعمال يتحكمون في السياسة، فساد ضارب في أطناب البلاد، انبطاح كامل للصهاينة.

خلَّفَت أعوام حُكمه:

“أكثر من (20) مليون مصري تحت خط الفقر، و(8) ملايين يعانون من البطالة، و(12) مليوناً يعيشون في العشوائيات، و(22) مليوناً من الأميين، علاوة على ما يعادل (800) مليار جنيه من الدين الداخلي والخارجي، و(42) مليار جنيه (حسب التقديرات الرسمية) هربها رجال الأعمال من المحسوبين على السلطة إلى خارج البلاد”. (2العربي الجديد، 25/2/2020، على الرابط: سنوات حكم مبارك: كوارث خلفت الآلاف من الضحايا)

ولكن أعقبه طاغية آخر في انقلاب يمنع الأمة من امتلاك أمرها واستدرداد حريتها وتقرير كرامتها والعودة لهويتها الإسلامية وتحكيم شريعة ربها تعالى.. فأعقبه أن أثمرت بذوره الخبيثة ثمارا بشعة تالية؛ فمِن بلاء هذه الأمة أنه يتتابع عليها البلاء والطغاة..
وكما أن الفتن يرقق بعضها بعضا ـ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فكل فتنة أشد مما قبها حتى تجعل ما كان يبدو للناس غليظا أنه رقيق بالمقارنة بما بعده..

فكذلك الطغاة يرقق بعضهم بعضا؛ حتى يترحم الناس على طاغية ويبتلعون جرائمه وينسون ما فعل بحق الأمة وما مهد لما يأتي بعده..

كيف تُقنع المسعورين على السلطة والدنيا والمال والشهوة أنهم ميتون..؟! وأن ما سيقضونه تحت التراب أضعاف ما قضوه في حياتهم على وجه الأرض، وأن العمل فقط، وآثاره، هو الباقي..؟

وكيف تُقنع المزوِّرين أنهم لو جاؤوا بعلماء سوء يزينون لهم الباطل ويبررون للناس جرائمهم فلن يقبل الله الزور، ولن تتغير موازين الآخرة من أجل أن طاغية أراد تسطير ذلك ونشره في الناس؛ بل سيبقى الحق في مكانه والحساب لله تعالى وفق ما أنزل. ويبقى للمجرمين جرائمهم.

ولكن كُتب عليهم جريمة تزوير الدين وتضليل الناس إضافة لجرائمهم الأخرى..

كيف تقنعهم أن الجرائم لا تُنسى؟ وأن ما فعلوه مسطور؟ ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾ (القمر: 53)، (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (الكهف: 49).

متى يفهمون أن تبديل الشرائع ردة، وأن ولاء الكافرين والتآمر معهم نفاق، وأن تكبيل أمة وقهرها يقابله حبس في توابيت في جهنم، ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ (الهزة: 8-9) وطول عذاب من الله ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ (البقرة: 175).. وأن نشر الفجور والانحلال نتَنٌ في الدنيا والآخرة، وأن نشر الإلحاد يسبب عذابا فوق العذاب بما صدوا عن سبيل الله..؟

خاتمة

كما يبدو المصير المخوف في هذا فكذلك تتراءى خيارات طيبة يتركها الطغاة عن عمد؛ فتتساءل:

كيف تُقنعهم أن الجنة قريبة، وأن الطريق اليها حياة طيبة في الدنيا عبر الالتزام بمنهج الله، وولاء الإسلام، وحرية المسلمين، وجمع رابطتهم، وإشراك الأمة في أمرها، وتحديث بلادهم، وإقامة العدل وإيفاء الحقوق..؟

متى يفهم الطغاة أن شرف الآخرة قد يتقدم بين يديه شرف في الدنيا لا يحصّله الطغاة بل يحصّله الأبرار..؟

متى يفهمون أن الإسلام نجاتهم وشرف دارهم العابرة ودارهم الباقية..؟

سيفيق مَن كُتبت له السعادة؛ لكن ثمة أقوام لا يقتنعون اليوم؛ لكنهم بالتأكيد سيرون كل الحقائق بعد هنيهة تحت التراب؛ حيث دار غير الدار وعالَم غير العالم وخلق غير الخلق، وحسابُ عدلٍ لا يميل مثقال ذرة ولا يحابي جبارا ولا خانعا.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “BBC”،25/2/2020 ، على الرابط: وفاة حسني مبارك: الرئاسة المصرية تعلن الحداد العام في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أيام).
    موقع “CNN”،25/2/2020 ، على الرابط: وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن عمر يناهز 92 عامًا.
    وموقع “الأناضول”، 25/2/2020، على الرابط: وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك
  2. العربي الجديد، 25/2/2020، على الرابط: سنوات حكم مبارك: كوارث خلفت الآلاف من الضحايا.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة