يتدحرج السودان تحت شعار محاربة النظام السابق والاستبداد، الى حرب الإسلام نفسه والوقوع في استبداد جديد، حتى يحوّلوا ثورتهم الى عارٍ يلحق بهم؛ إلا إذا استدركوا أمرهم.
الخبر
“ألغت السلطات السودانية قانون النظام العام والآداب العامة، كما أقرت في الوقت ذاته قانونا لتفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير يتضمن حل الحزب الحاكم سابقا، حزب المؤتمر الوطني.
وقال وزير العدل “نصر الدين عبد الباري” إن السودان ألغى أمس الخميس قانون النظام العام الذي كان مستخدما إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير لفرض الآداب العامة ويعاقب المخالفين. وهو قانون كان يستخدم لضبط سلوك المرأة.
وقال نشطاء إنه في ظل اللوائح ، كانت السلطات تُعاقَب النساء لحضورهن حفلات خاصة أو ارتدائهن سراويل.
وفي تغريدة على تويتر صرح حمدوك بموقفه المشين من ضبط سلوك المرأة بالحجة المعتادة للعلمانيين متقربا الى الغرب: “كانت قوانين النظام العام والأخلاق العامة أداة للاستغلال والإذلال وانتهاك حقوق المواطنين، وانتهاك كرامة الشعب”. (1موقع BBC عربي، 29/11/2019، على الرابط:
السلطات السودانية تحل حزب البشير وتلغي قانونا كان “ينظم” سلوكيات المرأة
موقع CNN عربية، 29/11/2019، على الرابط:
السودان يقر “تفكيك نظام 30 يونيو”.. وحمدوك: الشعب لن يُهزم
موقع “الجزيرة” 29/11/2019، على الرابط:
السودان يلغي قانونا للآداب العامة ويفكك الحزب الحاكم سابقا)
التعليق
يبدو في هذا الخبر حقيقتان يجب أن تكونا واضحتين:
سبب مساندة الغرب للقوى الجديدة
فالحقيقة الأولى أن الغرب وأذنابه في المنطقة كانوا مترددين في “مساندة بقاء النظام” بسبب تماهيه مع المشروع الغربي الصهيوني وتساقطه ضعيفا حتى ترامي على أعتابهم وزار سفاح سوريا وغازل الصهاينة وساند نزق ابن سلمان في اليمن وضحّى بشعبه مقابل دولارات..
أو يختار “مساندة إسقاطه” لو كان البديل يحافظ على الخط نفسه ويضيف اليه التخلي عن بقايا الإسلام التي حملها النظام السابق كذكرىاتٍ من بدايات عهده..! وقد وثق الغرب وأذنابه الإقليميون في “قوى اليسار” التي جاءت معادية للإسلام ولا مشروع لها سوى شعارات مجملة يُخشى كثيرا من خداعها، ومعهم العسكر لضمان الخط السياسي الخارجي الذي بدأه البشير إبّان سقوطه وتعرّيه الفاضح.
ومن هنا نعلم تلك الحقيقة وهي لماذا سمح الغرب بسقوط البشير وإبرام الاتفاق الأخير بين قوى اليسار والعسكر ـ بخلاف حال الإخوان مع العسكر في مصر ـ وأن هذا لم يتم إلا بعد الإطمئنان على استمرار الخط الانبطاحي الخارجي للحفاظ على المصالح الصليبية الغربية والصهيونية والعلمانية الإقليمية.. مع إضافة أنْ سيتولى اليسار تجريف ما بقي من آثار الإسلام.. أو هكذا زعموا.
عاقبة اختلاط الصلاح بالفساد
وأما الحقيقة الثانية فهي مغبة لحوق الفساد بالحركات التي تزعم الإصلاح؛ فحراك “البشير” الذي بدأ زاعما أنه اتجاه إسلامي ينصر الشريعة ويريد تحكيمها، وينصر الهوية الإسلامية ويسعى للخروج من التبعية الأمريكية؛ إذ به يحتوي على عوامل أنتجت سقوطه لاحقا؛ فتبنيه لأطروحات وعقائد “الترابي” بمخالفاتها العقدية الجسيمة وجرأته على دين الله وأحكامه وتفسير القرآن؛ كان عاملا منذرا بخطأ الاتجاه.
ثم بدأ لحوق الاستبداد وتنحية الأمة عن المشاركة وعدم نقل القضية الى الجماهير أو الفشل في ذلك؛ فانصرفت السلطة الى المال والفساد، وانصرفت الجماهير الى قضاياها الخاصة، واحترفت النخبة السياسية لعبة الكراسي والتحالفات الفاسدة.. حتى تفتتت البلاد وأعلن النظام فشله في الحفاظ على وحدة بلاده، ثم فشل في مساندة قضايا الأمة في فلسطين وغيرها؛ ثم فشل في الحفاظ على نفسه بعدما ترك مبادئه واستشرى فيه الفساد وراح يتسول الرضا الأمريكي والإقليمي والصهيوني..!
عندئذ تأتي الفرصة الذهبية للملحدين والعلمانيين؛ أعداء دين رب العالمين؛ فإذا بهم يرفعون شعار مواجهة الفساد والاستبداد ـ وهو موجود بالفعل ـ ولكن ليأتوا على ما تبقى من إيجابيات وُرثت لا عن النظام السابق، بل وُرثت عن ثقافة شعب مسلم يحب دينه ويفخر به وينتمي اليه.
إن الشعب السوداني المسلم الذي خرج لثورته وضحى بأبنائه المصلين والحفظة لكتاب الله؛ لم يقدمهم ليحارب بهم القادة الجدد الدين والهوية بل لمحاربة الفساد والاستبداد مع الاستظلال بشريعة الله والهوية الإسلامية.
[للمزيد: راجع ثورة السودان وانحراف البوصلة]
الخلاصة
الخلاصة أننا بين اختيارين: حركات تنتمي للإسلام ثم تتلطخ بالفساد وتنحى نحو الاستبداد؛ فتكون مؤهلة للسقوط؛ فيأتيها مفترس علماني، صليبي المشرب، يزعم محاربة الفساد؛ فيقضي على ما تبقى من الإسلام.
والخلاصة أيضا أن المسلمين يبكون على تجارب تستغرق ثلاثين عاما، تظن فيها الخير فإذا بها تنتهي حيث انتهت الأنظمة العلمانية..!
والخلاصة كذلك أن الخيانة مريرة العاقبة، وتلطيخ الفساد لحركات الإصلاح يتجه بها نحو انهيار مشروع ضخم.
وأن الأمة تحتاج الى هداة ثابتين، وحركات عقائدية لا تتراجع، وتفقه زمانها فلا تورط الأمة، تزيدها الأيام نضجا وإصلاحا.
وتحتاج الأمة أن تكون هي بنفسها صاحبة القضية وفي لُبّ الصراع؛ ولا تسمح لحكات الإصلاح بالتراجع أو الانحراف، ولا لقضاياها بالبيع والاتجار، ولا للعلمانيين والملاحدة بالقفز على دفة القيادة فيدمرون كل شيء ويصادرون الطريق.. وإلا فنحن أمام دورة جديدة من الفساد حيث يقودها هذه المرة قادة شيوعيون سبق لهم الإفساد سابقا، في دورات متتالية يتعاقب فيه الفاسدون؛ بين شيوعي، وعسكري، وإسلامي كاذب؛ وهكذا .. حتى يجعل الله فرجا ومخرجا.
…………………………..
هوامش:
- موقع BBC عربي، 29/11/2019، على الرابط:
السلطات السودانية تحل حزب البشير وتلغي قانونا كان “ينظم” سلوكيات المرأة
موقع CNN عربية، 29/11/2019، على الرابط:
السودان يقر “تفكيك نظام 30 يونيو”.. وحمدوك: الشعب لن يُهزم
موقع “الجزيرة” 29/11/2019، على الرابط:
السودان يلغي قانونا للآداب العامة ويفكك الحزب الحاكم سابقا