شهر رمضان الكريم شهر المغفرة والرحمة فقبل قدوم هذا الشهر الفضيل لابد أن نقف معه وقفات رجاءاً ان يتقبل الله منا صيامنا وقيامنا.
مقدمة جميلة عن شهر رمضان الكريم
لحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه…أما بعد فهذا شهر رمضان الكريم قد أزفت أيامه ولياليه؛ شهر المغفرة والرحمة والتنافس في الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسموات، فأنعم به من قادم جاء على حين فاقة وافتقار إلى رحمة الله عز وجل وهو سبحانه خير الراحمين وخير الغافرين.
ونصحاُ لنفسي وإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي أسجل هذه الوقفات السريعة التي رأيت التنبيه عليها في مقدم هذا الشهر المبارك.
الوقفة الأولى
ينبغي الفرح العظيم بقدوم هذا الشهرالكريم، وسؤال الله عز وجل أن يبلغنا إياه، وينبغي أن يكون فرحنا به فوق كل فرح من أفراح الدنيا؛ وذلك لما فيه من الخيرات وغفران الزلات ودخول الجنات بما لا يعادله شيئ من هذه الدنيا الفانية وعلينا أن نتدبر قوله ﷺ «مَن صامَ رَمَضانَ، إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» 1[أخرجه البخاري (٣٨)، ومسلم (٧٦٠) مطولاً] لندرك أن الصيام الذي يثمر هذه المغفرة العظيمة هو الذي وصفه الرسول ﷺ بكونه إيماناً وتصديقاً واحتساباً وطلب الثواب منه سبحانه لا رياء ولا سمعة.
الوقفة الثانية
يقول الله عز وجل (إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ) (المائدة :27) فإذا أردنا قبول صيامنا وقيامنا ومغفرة ذنوبنا فلننظر إلى حقيقة التقوى في نفوسنا بفعل الواجبات وترك المحرمات وكلنا عنده من الذنوب ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، والذنوب أوزار وأثقال على الظهور، وهي من أسباب التكبيل عن طاعة الله والتغافل عنها فإذا أردنا مقياس قبول الصيام ومغفرة الذنوب في هذا الشهر فلننظر إلى أحوالنا حين نصوم هذا الشهر: أثناءه وبعده؛ هل تغيرت أحوالنا وصرنا ننشط للطاعات، وتركنا الأوزار التي أثقلت ظهورنا قبل رمضان؛ فإن هذا علامة على القبول والغفران إن شاء الله تعالى وإن رأينا أن أحوالنا لم تتغير بالصيام وبقينا أثناء الشهر وبعده على ما كنا عليه من الذنوب فهذه علامة سوء وعدم قبول والعياذ بالله تعالى.
الوقفة الثالثة
شرع الله عز وجل الصيام لمقاصد عظيمة فيها مصالح للعباد في الدنيا والآخرة، وأعظم هذه المقاصد ما ذكره الله عز وجل في قوله سبحانه (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) (البقرة :183) فإن لم يُحِدثْ الصوم عند العبد تقوى الله عز وجل وخشيته بفعل أوامره وترك نواهيه فإن هذا نذير سوء للعبد؛ حيث لم يكن له من صيامه إلا الجوع والعطش. وهذا الصنف من الناس هم الذين لم يستشعروا العبادة لله بالصيام وإنما جعلوه عادة وتقليداً فأفسدوا صيامهم بإضاعته في الغيبة والنميمة، وفعل المعاصي، وترك الواجبات، وتضييع الأوقات.
الوقفة الرابعة
شهر رمضان شهر الفتوحات العظيمة في تاريخ الإسلام والمسلمين؛ ففيه وقعت غزوة بدر الكبرى والتي سماها الله عز وجل (بيوم الفرقان) حيث فرق الله فيها بين الحق والباطل، وفيها غزوة فتح مكة العظيم الذي هزم الله به الكفر وأهله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وفيها معركة عين جالوت التي هزم الله فيها التتار والمغول الوثنيين، ورد الله كيدهم عن بلاد الشام وديار المسلمين؛ لذا ينبغي أن يذكرنا هذا الشهر الكريم بهذه الفتوحات العظيمة التي جاءت بعد كروب ونوازل عظيمة بالمسلمين كشفها الله عنهم بفضل الجهاد في سبيل الله تعالى بعد أن خيم اليأس على فئام كثيرة من المسلمين. وهذا يبث الأمل في زماننا اليوم بأن معركة الحق مع الباطل لن تدوم مهما أزبد الباطل وانتفش فهو زاهق وذاهب (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)(الرعد:17)
وأذكر نفسي وإخواني في هذا الشهر الذي تستجاب فيه الدعوات أن نجعل من دعائنا نصيباً كبيراً للإسلام والمسلمين والمستضعفين من المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله تعالى، سائلين المولى عز وجل العزة والنصرة والتمكين للإسلام وأهله، والذلة والصغار للكفر وأهله.
الوقفة الخامسة
شهر رمضان شهر السلام والأمان، والعفو والصفح، والله عز وجل يحب العافين عن الناس؛ لذا فإن في هذا الشهر الكريم فرصة عظيمة لمحاسبة النفس وعلاقتها بالناس بداية من الأقارب والأرحام؛ فإن وجد أحدنا أن بينه وبين قريب له أو صديق قطيعة أو ضغينة فليسارع إلى نزعها، وليجاهد نفسه في وصل رحمه مع قريبه وأن يقطع الطريق على الشيطان الذي ما يفتأ ينزغ بين الناس ويفرح بذلك أشد الفرح، قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (الإسراء:53) وخير المقاطعين الذي يبدأ أخاه بالسلام.
الوقفة السادسة
رمضان كريم شهر رمضان شهر التراحم والتكافل بين المسلمين، وكان الرسول ﷺ جواداً كريماً ويشتد جوده وإنفاقه في شهر رمضان، وكم من المحتاجين والجائعين والمشردين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها! ومن لهم إلا الله ثم إخوانهم المسلمين أصحاب المال والسعة؛ سواء كان ذلك من الزكوات أو الصدقات.
الوقفة السابعة
شهر رمضان شهر القرآن تلاوة وتدبراً، وقياماً به آناء الليل وأطراف النهار، وأخبار السلف مع القرآن وكثرة ختمهم له مع التدبر لا تخفى على أحد، ويكثر اجتهادهم في ذلك في شهر رمضان. وهذا يقتضي أن يبخل المسلم بوقته فلا يضيعه فيما لا ينفع من اللعب والسهر بل يحرص على أن تكون ساعات رمضان ودقائقه كلها محطات لعبادات متنوعة من: صلاة، وقراءة قرآن، وصلة رحم، وإغاثة ملهوف. وكان السلف يلزمون المساجد أكثر أوقاتهم حيث يعمرونها بالصلاة وقراءة القرآن والذكر أول النهار وآخره. والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
- [أخرجه البخاري (٣٨)، ومسلم (٧٦٠) مطولاً]