قد تبدو لك أبهة الملوك، مع العروش والجيوش، والعلَم والنشيد الوطني، والجنود يتاقفزون استعراضا للقوة؛ لكن تظهر لك الحقيقة في أخبار قصيرة تلخص لك الحال وتفجعك..!

الخبر

“قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن رئيس الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، زار الأردن مؤخرا والتقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وبحسب موقع “آي24” الإسرائيلي، ومواقع عبرية أخرى، فإن من بين الملفات التي تم بحثها بصورة رئيسية بالاجتماع، كان موضوع الضم الإسرائيلي والموقف الأردني المعارض له، فيما لم يجر الإعلان رسميا بالأردن عن الزيارة حتى الآن.

وسلم كوهين رسالة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للملك عبدالله الثاني، دون الإتيان على ذكر مضامينها. وكانت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) أكدت مؤخرا بأنه سيجري خلال أيام اتصالات مع رؤساء وزعماء دول عربية ـ من بينها مصر والأردن ـ  من أجل جسّ نبض تلك الدول حيال خطة إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية.

وتهدف الاتصالات ـ بحسب هيئة البث الإسرائيلية ـ للاستماع إلى مواقف هذه الدول وخطط ردها، إلى جانب محاولة تخفيف حدة الردود المتوقعة في حال أقدمت “إسرائيل” على تنفيذ خطة الضم. وذكرت هيئة البث حينها أنه إذا ما تطلب الأمر فإن رئيس الموساد سيجري جولة خارجية في المنطقة يزور خلالها دولا عربية للهدف نفسه.
وأشارت القناة إلى أن كوهين يعبر عن تقديرات أكثر تفاؤلا إزاء ردود فعل الدول العربية ورد الفلسطينيين بشأن مواجهة خطة الضم”. (1موقع  “عربي 21″، ، على الرابط:
رئيس الموساد يزور الأردن ويسلم رسالة من نتنياهو للملك
)

التعليق

هذا الموقف ليس خاصا بالأردن؛ بل هو نموذج لما يتم في بلادنا جميعا..!

كان للعرب خطابان:

أحدهما: خطاب رسمي يتصف بالجعجعة الفارغة والخطب الرنانة والشعارات الجوفاء.

وآخر: وهو خطاب حقيقي في التعامل على مستوى”الحقيقة” مع سادتهم الصليبيين الغربيين أو الشيوعيين أو ربيبة المعسكرين “دولة اليهود الصهاينة”.

واستنكر الناس زمنا استمرار الخطاب الأجوف بينما الأرض تُتنقص كل يوم من أطرافها والمذابح تزداد ومؤامرات العدو تمر وتنجح والمسلميون يزدادون تمزقا. وكان لا يرضيهم الانفصال بين الخطاب وبين الواقع.

ثم آلت الأمور الآن الى تراجع الخطاب نفسه، حتى صار الخطاب خطابا انهزاميا يعلن الاستسلام ويتراجع للخلف ويُفسح للعدو ويرفض إيذاءه أو تعطيل مشاريعه..! بل ويتهم الرافضين للعدو بالعدوان والبغي وأنهم خوارج وإرهابيون.. فتساءل الناس عن الصورة المثلى للمواطن العربي تحت القيادة الطاغويتة التي تتغني بالأوطان وتلتزم قرارات الغرب وتوجهاته وقيمه وموازينه..؟ فإذا بالصورة هي قبول التراجع والتصفيق للهزائم واحترام رغبات العدو الى حد الدلال..!!

فالمواطن السعودي أو الخليجي أو المصري أو الأردني “الصالح” هو ذلك الذي يسمح بالقدس للصهاينة وتسليم أجزاء من بلاده ليرضى عنه الطغاة، ثم ينتظر هو وبلاده شهادة رضا أو كلمة ثناء من عابد صليب أو رجل شاذ أو امرأة فاجرة أو ملحد تائه يرتدي السترة الغربية ويدلي ببيان يعرب فيه عن رضاه وتقديره لمستوى التنازل العربي والإسلامي..!

والنقطة المفصلية للجميع هو تخلي المسلم عن تضامنه مع المسلمين وقضاياهم ونزع يده من يد أخيه ما دام في “وطن” آخر، وتسليمه للعدو ينحره، ومد نفس اليد الى العدو الصهيوني بالتعاون، مع تخوين أخيه المسلم والتأفف منه واتهامه بكل نقيصة، ووضع بلاءات الطغاة وجرائمهم وفسادهم وسرقاتهم ومغامراتهم ونواتجها من التخلف والفقر، وضع كل هذا على كاهل المسلم المستضعف في فلسطين أو غيرها وإلصاقه بهذه التهم وبكل نقيصة.

“بوسطجي” الطغاة..!

وفي الخبر أعلاه تبدو لك الحقيقة بدون رتوش. يأتي “بوسطجي” من الموساد يحمل رسالة بالأوامر للحكام الذين يبدون أمامك ولهم هيبة وعروش وجيوش..! بل ويَذبحون كل معارض ويشردونه عن أهله ويأسرونه لعشرات السنين لو قال كلمةً واحدة تغضبهم؛ لأنه أخطأ في حق الذات الملكية..! وكأنهم بالفعل ملوك..! بينما هم لا يعدون أن يكونوا أدوات وظيفية في يد العدو تزداد بهم كوارثنا وآلامنا..

هؤلاء المنتفخون يتلقون الأوامر في رسالة مختصرة كهذه، لا يُطلعون شعوبهم على ما فيها. ويأتيهم ذلك المُرسَل فـ “يجسّ النبض” ـ كما في الخبر ـ وهو تعبير مؤدب عن أنه يستطلع حقيقة الموقف بخلاف ما يجعجعون به في وسائل الإعلام والجمعية العمومية والتصريحات الدبلوماسية التي لا تساوي الورق المكتوب عليها. فيستطلع منهم حقيقة المواقف ويملي عليهم الشروط. ثم يقومون بدورين:

أولهما: السمع والطاعة تحقيق مراد العدو، للبقاء في عروشهم؛ بل لبقاء دولهم..! فدولة مثل الأردن تعتمد على إعانات غربية سنوية للبقاء كدولة..! فكيف ستواجه العدو أو ترفض رغباته..؟!

والثاني: هو قهر الشعوب على القبول أو خداعهم بالشعارات أو إقناعهم بالعجز أو تحويل الاستسلام الى بطولة والتبرير له بأنه “عقل” و”تحصيل مصالح”..!

في اللقاءات مثل اللقاء المشار اليه يقف اليهود على الحقيقة، وتُقضى الأمور، لا في شورى مع أهل الحل والعقد من الأمة ولا من خلال حوار مع عقلائها، ولا مع علمائها المطلعين والخبراء في هذه المجالات المتخصصة، ولا مع العلماء الشرعيين لمعرفة الموقف الشرعي وما يوجبه الله تعالى من اتجاه وأمر في هذا المجال..! كلا؛ بل في هذه اللقاءات العابرة سرية المضمون يأيتهم البوسطجي الصهيوني بصلف واستعلاء فتُتخذ القرارات ثم يتّبع هذه القراراتِ لحى وعمائمُ، ودبلوماسيون وستراتُ يراها الرائي فيهاب أصحابها..! وأصحاب ميكروفونات طنانة ترتج بهم القاعات..!! ولا يعلم المساكين أن هؤلاء لا يعْدون أن يكونوا مجموعة من الأراجوزات والخيالات وأنهم أضعف من صبي بين الرجال.

خاتمة

إذا غاب الإسلام والجهاد والعلماء، ولم يتقدم المسلمون فستستمر هذه المهزلة ويتسيد الطغاة التافهون على زمام أمور خير أمة؛ وهو أمر يعجب منه الزمان، ويجب أن يتوقف العجب ويُصلح اختلال الميزان. وهو طريق طويل يجب السير فيه بحكمة وقوة، وإخلاص وتوكل، وتتابع وتكامل.. حتى يقضي الله أمره ويرفع عنا هذه الغمة. فهو أمر لازم ومصيريّ.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “عربي 21″، ، على الرابط:
     رئيس الموساد يزور الأردن ويسلم رسالة من نتنياهو للملك

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة