لا قاع لهبوط بائعي الدين من سفلة الخلق، ولا يكفون عن إضلال الخلق فقد نذروا أنفسهم لهذا..! والمسلم يتمسك بالمحكمات للنجاة من الضلالات الملقاة في طريقه.
الخبر
“قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الشهادة تُبنى على المواطنة وليست العقيدة، مؤكدًا أن جميع المواطنين الذين قُتلوا في سبيل الوطن شهداء، بما فيهم أهل الكتاب.
وأشار كريمة أثناء لقاء تليفزيوني مساء اليوم الجمعة (1 مايو)، إلى الآية القرآنية: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
ولفت كذلك إلى قول الله تعالى: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد»، ذاكرًا الآية القرآنية: «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا».
وتابع: “الجنة ليست حكرًا على دين دون دين، ولا مذهب دون مذهب، ولا طائفة دون طائفة، ولا قومية دون قومية”، مضيفًا: “الجنة والنار لله فقط”. (1موقع “شروق”،1/5/2020، على الرابط:
أحمد كريمة: الشهادة تُبنى على المواطنة لا العقيدة.. والجنة ليست حكرا على دين دون غيره)
التعليق
لا عجب من انحطاطهم فقد عبدوا الطاغوت واستمرأوا عبوديته؛ وقد استحلوا دماء المسلمين وتنكيس راية الإسلام وخدمة العلمانية التي تعيش على أكتافهم. وإن الأمة لتنحدر بها الأوضاع وتتوالى عليها الأزمات برعايتهم وبسببهم، وهم يقودونها الى المزيد. قتلهم الله.
وقد حكى ابن حزم رحمه الله عمن استدل على صحة تثليث النصارى بآيات من القرآن، وقرر أن كل مبتدع رام التأويل بلا ضابط لفعل؛ لكن طريقة تعامله المنحرفة مع النصوص الشرعية تكون جريمة مضافة الى بدعته وضلالته.
وهنا نشير إشارة شرعية موجزة في نقاط لبيان معنى الآية التي استدل بها هذا المغرض، وبيان القواعد والمحكمات التي صادمها وأنكرها حتى بلبلَ الناس وأسعد أعداء الله وغبّش على الحق عند الكثير بقدر استطاعته.
أما قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة:62)، وشبيهتها الآية في المائدة ـ مع اختلافٍ مقصودٍ.. فاعلم أمورا:
أولا) أن الآية لا تخرج عن معنيين:
أولهما أن كل من آمن في زمنه، فعبد الله وحده وقبِل، واتبع، الشريعة الناسخة في زمنه فهو ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وذكرت الآية أهل الملل أصحاب الكتب، رسالة موسى في زمنه، ورسالة المسيح في زمنه والصابئة المتبعين لكتابهم، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم الناسخة.
ومما ينبغي معرفته أن الصابئة نوعان:
- صابئة مشركة عبدة للكواكب والأصنام، وهم غير مقصودين هنا.
- وصابئة منحرفين عن كتاب سابق، وللصحابة آثار في هذا عنهم، وهم المقصودون هنا.
قال السدي في الآية:”نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذْ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيًا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: “يا سلمان، هم من أهل النار”. فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى، عليه السلام؛ حتى جاء عيسى. فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكًا. وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعْ محمدًا صلى الله عليه وسلم منهم ويَدَعْ ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل ـ كان هالكا. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا”. (2تفسير ابن كثير، سورة البقرة الآية 62)
ثانيا) والمعنى الثاني واللازم للآية، وبه فسرها الأئمة أيضا، وهو أن كل من أدرك رسالة محمد من أهل هذه الانتماءات فآمن به واتبعه فعبد الله ووحّده بالشريعة الناسخة مع محمد صلى الله عليه وسلم فله أجره ولا خوف عليه فيما يستقبل من أمر الآخرة ولا حزن على ما خلف وراءه في الدنيا. يقول الطبري:
“فإن قال: وكيف يؤمن المؤمن؟
قيل: ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته، من انتقال من دين إلى دين، كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان ـ وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك، من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى وبما جاء به، حتى أدرك محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن به وصدقه، فقيل لأولئك الذين كانوا مؤمنين بعيسى وبما جاء به، إذ أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم: آمنوا بمحمد وبما جاء به ـ ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع، ثباته على إيمانه وتركه تبديله. وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين، فالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، فمن يؤمن منهم بمحمد، وبما جاء به واليوم الآخر، ويعمل صالحا، فلم يبدل ولم يغير حتى توفي على ذلك، فله ثواب عمله وأجره عند ربه، كما وصف جل ثناؤه”. (3تفسير الطبري، سورة البقرة الآية 62)
ثالثا) لا يتم الإيمان بالله تعالى إلا إذا اعتقد وحدانيته تعالى في نفسه، بلا ولد ولا صاحبة.. وعبَده وحده وقبِل شريعته الناسخة في زمنه..
فمن اعتقد لله ولدا (كالعزير أو المسيح أو الملائكة) أو صاحبة (كمريم أو سروات الجن) فليس بمؤمن بالله وليس بمسلم.
ومن لم يقبل شريعة زمنه كمن رد رسالة المسيح من اليهود، أو من رد رسالة محمد من اليهود والنصارى، فقد رد رسالة الله الناسخة في زمنه ورفض طاعته، وأشرك بالله تعالى في الطاعة، وهو ليس بمؤمن بالله وليس بمسلم.
ولا يتم الإيمان بالله إلا إذا صدق بجميع الرسل، مع قبول الشريعة الناسخة في زمنه الخاص، لكن لا بد من التصديق بجميع الرسل، فمن كذب رسولا واحدا فقد كذب بالجميع وكفر بالله ورد أمره تعالى وكذب بخبره تعالى.. ولهذا قال تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) وكذا ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة، وذلك لأنه لا يتم الإيمان بالرسل إلا إذا آمن بالجميع، ولا يتم الإيمان بالله إلا إذا آمن برسله تعالى، ومن فرق بين الله ورسله (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا).
رابعا) ولهذا فالدين عند الله مطلقا هو الإسلام، ومعنى (مطلقا) يعني أنه دين الله الذي أمر به الأولين والآخرين، وجاء به جميع الأنبياء.. فما من نبي إلا وقد كان مسلما.
ولهذا فنوح مسلم قال (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وبلقيس أسلمت مع سليمان (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وموسى وبنو اسرائيل مسلمون (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) والحواريون مع المسيح مسلمون (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) وجميع الأنبياء مسلمون (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) وغير ذلك من الآيات.
وهذا الإسلام العام المشترك بين الأنبياء.. وقاعدته المطلقة في كل زمان “أن يُعبد الله وحده، وأن يُعبد بما شرع على ألْسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت”.
خامسا) وعلى هذا فلا إسلام ولا إيمان بالله في زمننا، منذ البَعثة إلا خلف محمد صلى الله عليه وسلم، بإفراد الله بالعبادة وقبول شرعه الناسخ الأخير مع محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا معنى ما جاء في سورة الإخلاص الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) فنفى تعالى عن رسوله والمؤمنين معه عبادة غيره، ونفي عن من أشرك بالله أنه يعبد الله وكذّبه في زعمه لأنه مشرك..
ولا بد من الاعتقاد بما وصف الله تعالى به نفسه في سورة الإخلاص الثانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
سادسا) فمن زعم أن أحدا سمع بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به، أنه يكون مؤمنا أو أنه يعبد الله عبادة مقبولة ونافعة أو أنه مسلم، من زعم هذا فهو كاذب بل كفر بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن زعم أن أحدا اليوم يكون “مؤمنا” بالله دون الإيمان برسوله؛ فقد أعظم الفرية. ومن أسقط عن قوم وجوب الإيمان برسول الله فقد انسلخ هو من الإسلام.
سابعا) هذا بعض ما في الآية من المعاني، ولا يغرنك كلام من كذب على الله تعالى، فلا إيمان ولا جنة إلا للموحِد المتبع للشريعة الناسخة؛ وإلا فمن أشرك بالله أو كذّب برسوله أو رد رسالته فليس بمؤمن.
ثامنا) أجور من عمل خيرا من الكفار يجازون بها في الدنيا ـ ويَشكر المؤمن من أسداه معروفا من غير المسلمين ـ ففي صحيح مسلم «إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تَعَالَى في الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» (4رواه مسلم)
لكن هذا لا يعني مجاملة الكفار على حساب العقيدة والمحكمات التي أنزلها الله سبحانه، أو التنازل عن حقيقة الإسلام مراعاة لمشاعر أهل الكتاب.
تاسعا) قواعد الآخرة أخبرنا الله بها. وعلى عباده التصديق بها والقول بها والعمل على وفقها وإبلاغها للخلق وعدم الكذب على الله. قال صلى الله عليه وسلم «لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة» وقال «لا تدخل الجنة إلا نفس مؤمنة». (5رواهما مسلم)
ومن زعم أنه لا يدري ما يفعل الله بمن مات على غير ملة الإسلام وعلى غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بعدما سمع به وعرف رسالته على وجهها فقد كذب على الله ورسوله ورد ما أخبر الله به.
عاشرا) مَن أضعفَ الفروق بين ملة الإسلام وغيرها فتح باب الردة عن الإسلام والاستهانة به. وهذه مَهلكة يتداعى اليها أعداء هذا الدين.
خاتمة
لا يزال شيوخ الضلالة وعلماء السلطان يبيعون أثمن شيء بلا ثمن. ولا يزالون يهبطون ولا قاع لهبوطهم وانسحاقهم. ولو تركهم المسلمون لفتنوا فئاما من الناس وأجيالا تنشأ على ضلالتهم. ولهذا يجب أن يضرب المسلمون على أيديهم ويعلنوا النكير عليهم؛ إن لم يكن لكفهم عن مزاولة مهنتهم الرخيصة في الإضلال؛ فلكي يحذر الناس منهم ويقِل شرهم بحسب الاستطاعة.
……………………………..
هوامش:
- موقع “شروق”،1/5/2020 ، على الرابط:
أحمد كريمة: الشهادة تُبنى على المواطنة لا العقيدة.. والجنة ليست حكرا على دين دون غيره - تفسير ابن كثير، سورة البقرة الآية 62.
- تفسير الطبري، سورة البقرة الآية 62.
- رواه مسلم.
- رواهما مسلم.