حسم الهوية الإسلامية لمكونات الأمة بأعراقها وقومياتها، ولغاتها وأجناسها؛ أمر محوري حاسم، يهيء للانطلاقة والتقدم وإقامة الدين، أو التشرذم والذوبان والخروج من التاريخ.
الخبر
“عادت “الأمازيغية” لتثير مجدداً الجدل في المغرب تحت قبة البرلمان، بعدما استبعد مشروع قانون جديد في مجلس النواب، تحرير البيانات الخاصة ببطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية (بطاقة الهوية) باللغة الأمازيغية. ويُخشى أن يشعل هذا النقاش من جديد صراع “الهوية”، التي ما زالت تغري مختلف الفاعلين بتوظيفها في صراعاتهم السياسية.
وتجد حكومة “سعد الدين العثماني” وأغلبيتها البرلمانية نفسيهما أمام امتحان جديد لمعالجة الخلافات التي قد تنفجر بسبب مشروع قانون يفتح الباب على العديد من التأويلات، وبدا لافتاً حديث جمعيات أمازيغية عن “استهداف صريح” للغة يتحدثها غالبية المغاربة، و”خرق جديد” لمقتضيات الدستور، و”استمرار الحكومة في إقصائها للغة الرسمية للمغرب”.
وتضمّن دستور 2011 تصوراً للهوية المغربية، ففي ديباجته نصّ على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوّع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية ـ الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
والأحداث التي سُجلت في السنوات الأخيرة لاعتماد الدستور أظهرت أن قضايا “الهوية” لا تزال موضوعاً أساسياً للصراع السياسي، كما هو حال الدول القُطرية ما بعد الوضع السياسي الإسلامي”. (1موقع “عربي 21″، على الرابط:
استبعاد الأمازيغية من بطاقة الهوية المغربية: مصالحة منقوصة)
التعليق
من المؤلم أن ينص الدستور المغربي على مكونات الهوية؛ فيجعل “العربي الإسلامي” مكونا، ثم الأمازيغية مكونا، ثم غيرها.. بينما الإسلام هو الجامع لكل الأعراق وكان يجب أن يكون اسم الإسلام أولا شاملا لكل ما يأتي بعده من أعراق وانتماءات، على غرار ما كتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم “المسلمون من قريش ويثرب ومن آمن من الأعراب فلحق بهم.. أمة واحدة من دون الناس” أما أن يُجعل الإسلام أحد المكونات ثم هناك مكونات أخرى تضاهيه؛ فتلك قاصمة عقدية.
ثم هي قاصمة تؤدي الى التفتيت والتشرذم إذ يتنادى الناس ويبذلون جهدهم لإبراز تلك الهويات الفرعية التي كان يجب ألا تقال إلا عند التعريف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13)
عندما نقول للناس إن من معاني “لا إله إلا الله” إفردا الله بالولاء، والحب والبغض في الله، والموالاة والمعادة على العقيدة، وأن هذا ما يحدد للمسلم جنسيته؛ بغض النظر عن العرق أو اللون أو اللغة أو غيرها.. عندما نقول هذا فهذه ليست قضية هامشية ولا فلسفية؛ بل هي أمور مفصلية تترتب عليها حالة التماسك الإجتماعي للمسلمين أو التشرذم والتفرق والتداعي بدعوى الجاهلية.
وفي الخبر المرفق مثال على مشكلة مزمنة، ليست عند إخواننا الكرام من أهل المغرب، بل مثيلتها ـ وبحدة أكثر ـ توجد في الجزائر، وشبيه لها في ليبيا..
وفي السودان يوجد التفريق على أساس أن هذا عربي وهذا إفريقي..
وفي العراق وسوريا يوجد التفريق على أساسا أن هذا عربي والآخر كردي.. ناهيك عن بقية أسس الاختلاف.
وهذا جارٍ في الكثير، وهو يمنع التلاحم والاستقرار، كما يمنع التنمية والتطوير، وإقامة المشاريع الكبرى للأمة لإقامة دينها وامتلاك أمرها وانعتاقها من عدوها.. إنه عدم حسم الهوية وعدم وضوحها وعدم تحديد المرء من هو؟ هل هو مسلم ويكفي .. كما هو أمر الله وكما عاشت عليه أجيال المسلمين وقرونُهم الكريمة وبها سادوا الدنيا وعلّموها قيمة العقيدة..؟ أم الانتماءات الفرعية التي تتشظى بالمسلمين.
يحكي مؤوخو المسلمين في الأناضول أنه كان إذا سُئل المسلم في الأناضول من أنت..؟ يقول: أنا مسلم. أما قبيل سقوط الخلافة وبعدها فكانت الإجابة: أنا تركي..! ورد العربي بمثلها للأسق، ونفخ أقليات النصارى أوار هذه الدعوات وأشرفوا عليها، حتى كان من السخرية أن أشرف نصارى لبنان على شعار “مصر للمصريين”..! وهكذا.
إن من فرحة المسلم غير العربي أن يتعلم العربية وتكون لسانه لفهم كتاب الله ومعرفة أصول ومصادر ومنابع هذا الدين، كما هو الحال الذي تعرّب به المسلمون وعلماؤهم في أقصى الشرق حتى كان أئمة المفسرين وعلماء الحديث، الى أقصى الغرب، حتى كان منهم الأئمة والفقهاء كذلك..
فكيف يتأفف مسلم اليوم من العربية..؟ كما نسأل كيف يفتخر العربي بقومية لم يكن لها قيمة إلا بالإسلام..؟ وكيف ينتمي المسلم بعد إسلامه لشيء غير الإسلام..؟ وكيف تتلاقى أوروبا بمكوناتها العرقية واللغوية بطوائفها على راية توحدهم ويتراجع المسلمون عن وحدتهم ورايتهم المعرِّفة لهم والتي لا يعرفهم العالم إلا بها..؟
خاتمة
إن حسم الهوية للأمة، وأنها هي الإسلام؛ مفرق طريق بين استئناف الحياة على منهج الله، والشروع في طريق عودة الأمة وعزتها.. أو التخلي عن ذلك ليأرِز الإيمان الى مكة والمدينة وينسلخ منه أهله..! عياذا بالله.
الإسلام ليس شعائر فقط بل هو شريعة وهوية. والإسلام سموّ ورفعة وكل دعوى أخرى سماها رسول الله “دعوى الجاهلية” وأخبر عن وصفها أنها “منتنة“. ونتن هذه الدعوات في مشارق الأمة ومغاربها مؤذٍ، ولها دلالاته على أمراض يجب علاجها بهذا الدين وشموليته عاجلا.
آمنا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا.
……………………………..
هوامش:
- موقع “عربي 21″، على الرابط:
استبعاد الأمازيغية من بطاقة الهوية المغربية: مصالحة منقوصة