لا يخفى على متتبع الأحداث التي تجري في غزة، مركزية القرآن الكريم في توجيه تدافع المقاومة وتوهيجه، وحتى تهييجه.

إحياء الأمة الإسلامية بالقرآن

على مر الزمن تحتاج الأمة الإسلامية أن تتجدد فيها معاني القرآن، وروح القرآن، ورسالة القرآن، بعد أن تأتي عليها فترات تخمد فيها تلك الروح، وتنتكس الإرادة، ويضعف اليقين، وتدب فيها روح اليأس والانهزام والاستسلام.

فيشاء الله أن تتقد فيها جذوة التدافع إحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، حتى لا تفسد الأرض ويعمرها الشر، بالظلم والعصيان ومخالفة أمر الله تعالى تصديقا لقوله عز وجل: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) [الحج:40].

سنة الله في الكون: (القرآن بيان)

أنزل الله تعالى القرآن الكريم، وكتب له الحفظ معنى ومبنى، وجعله ساريا في حياة الإنسان، توجيها وتنبيها، وإرشادا وإمدادا. فكان الكتاب الأسمى الذي لا يأتيه الباطل من أي جانب، تسير الحياة وفق سننه “ولن تجد لسنة الله تبديلا” يقول سيد قطب رحمه الله في ثنايا تفسيره سورة الإسراء:” ويهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق..”

إنها إذن الحقيقة الناصعة المطلقة، التي تؤكد مركزية القرآن الكريم، ومفصليته في تدبير مصير الإنسان دنيا وآخرة. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “معنى كون القرآن برهانا، أن نحكم بكلام الله الأزلي على عقل البشر المخلوق العبد الخاضع لتطورات الزمان والمكان”

 على سنن القرآن: (السيرة برهان)

السيرة النبوية بكل تأكيد هي الترجمة العملية للقرآن الكريم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في تدبير شؤون مجتمعه يسترشد بالقرآن الكريم، ويهتدي بهديه ولا يحيد عنه قيد أنملة، وهو المستأمن الأول عن هذا الكتاب العظيم.

وباستقرائنا لمجموعة من الآيات، خاصة فيما يتعلق بأمر الجهاد الميداني، أو الجهاد الحربي، جهاد العدو الغاصب المعتدي، والتي تتكلم عن الغزوات، كما في سور: آل عمران والأنفال والتوبة والأحزاب والفتح والحشر، نستجلي بوضوح تماهيا بين المواقف النبوية والبيان القرآني، تماه يتخذ صورا متعددة، نلخصها في مظهرين:

الأول هو الاستجابة للنداء الإلهي والانقياد لأمره، بعزائم الرجال وعبودية الرجال فقط لأنه نداء الله، رجاء رحمة الله، وتحقيقا لأمر الله، في مثل قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة،41] وقوله تعالى:(إلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ) [التوبة 39].

الثاني مُحصَّل من الأول وهو الاستبشار بموعود الله بالنصر والتمكين، لمن لبى النداء واستجاب للأمر، وصبر وثبت، واليقين في الموعود يقينا صادقا، وكأنه يرى الموعود رأي العين، يقين في المدد ولو قل العدد: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران:124- 129].

 الجهاد في زمن الطغيان: (غزة عَيان) 

في غمرة النكوص والتردي، والاعتداد بالجانب المادي، يهيئ الله تعالى جيلا قرآنيا، نبوي المنهاج، قوامه رجال يحفظون للقرآن طراوته، ويجددون في النفوس الخاملة القاعدة روحه، ونَفَسَه.

ولا يخفى على متتبع الأحداث التي تجري في غزة، مركزية القرآن الكريم في توجيه تدافع المقاومة وتوهيجه، وحتى تهييجه. يظهر ذلك بوضوح في الاعتماد على مجموعة من الآيات منطلقا للعمل، وتظهر في كل مناسبة يخطب فيها الناطق باسم المقاومة. وهي آيات تعطي للكلمة  قوة وصلابة وعمقا دلاليا، وبعدا إفهاميا، ودعامة حجاجية، حيث تختار بعناية بالغة تبين بوضوح مسار عمل المقاومة. وخارطة تحركها وتدافعها.

بعد إعداد العدة المتاحة والتخطيط المحكم، والتدبير المطلوب، انطلقت عملية طوفان الأقصى المجيد رافعة شعار قول الله تعالى: (ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَٰلِبُونَ).

ولم تكن الآية مجرد شعار فارغ، أو مجرد تعليق وتبرك، بل كانت تحقيقا بقدم راسخة في الإيمان واليقين، فقد جاء الدخول فاتحة فضح هشاشة العدو، وهوانه وضعفه، ووهن بيته الذي طالما تباهى بقوته الخارقة التي لا تقاوم، فانكشف زيف مقولة: “الجيش الذي لا يقهر”. ثم تتوالى الأحداث الكاشفة تبين ثبات حاملي اللواء مستنصرين بالله عز وجل، وهم من أهل الله حملة القرآن، مستصغرين عدوهم بالرغم من عتاده وتداعيه عليهم مع حلفائه المستكبرين. مستيقنين بالمدد الرباني الذي لا يتخلف عن جند الله الآخذين بالأسباب تَوَ كُّلا لا تَواكُلا (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ) وهي آية تترد في كل لحظة من لحظات المواجهة في ميدان المعركة المباركة على لسان المجاهدين الأبطال.

أما بعد

إن الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى الارتباط بالقرآن الكريم، فهو المعيار الوحيد لتماسكها واستعادة عزتها، وكرامتها، ومنعتها، والتمكين لها، والضمان لها لصناعة مجدها.

المصدر

مجلة منار الإسلام، الدكتور عبد الصمد بلخياط.

اقرأ أيضا

وجوب الجهاد لتحرير الأقصى وفلسطين

منكرات وطوام التطبيع مع اليهود؛ إلغاء فريضة الجهاد

الجهاد في فلسطين واجب على المسلمين

وأعِدُّوا

هيا إلى القرآن!

التعليقات غير متاحة