إنما النصر مع الصبر وقد صبرت طالبان عشرون عامًا حتي أحرزت نصرًا مذهلًا
الانتصار السريع لأولياء الرحمن على أولياء الشيطان في أفغانستان
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فالحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات والحمد لله الذي أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده (وَیَوۡمَىِٕذٍ یَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ یَنصُرُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ)(الروم: ٤ -5 ) إن ما نسمعه ونشاهده من الانتصارات السريعة وتهاوي المدن الأفغانية على يد حركة طالبان المسلمة حتى تم لها السيطرة التامة وإعلان دولتهم المسلمة على كافة أرض افغانستان (إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَأَيَة وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُؤْمِنِين(67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ) (الشعراء: ٦٧ – ٦٨ ) ونود من خلال هذا الحدث التاريخي العظيم أن نسجل بعض الخواطر والدروس والوصايا نوجهها لأمتنا الإسلامية والأبطال والأسود الطالبانية لعلنا أن نلحق بساقتهم حيث فاتنا شرف الجهاد معهم ويمكن إجمال هذه الدروس والوصايا في الأمور التالية:
تهنئة واجبة لقادة أفغانستان ولأمة الإسلام
نوجه التهنئة الصادقة إلى أمير المؤمنين هبة الله آخُند زاده ونوابه ووزراءه وجنوده وإلى الأمة الإسلامية على ما من به من نصر عزيز لأوليائه وهزيمة لأعدائه شفا بها الله صدور عباده المؤمنين وأغاظ بها صدور أعدائه الكافرين والمنافقين قال تعالى: (فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیم) (الأنفال: ١٧) نسأل الله عز وجل أن يزيدهم نصرا وتمكينا وأن يرد كيد أعدائهم في نحورهم.
نصر أنعش الله به القلوب وأذهب اليأس
جاءت هذه الانتصارات السريعة في وقت تمر بالأمة نوازل ومصائب واستضعاف وتسلط للكافرين وأذنابهم على رقاب المسلمين فأنعش الله بهذه الانتصارات قلوب المؤمنين الذين كاد اليأس أن يخيم على كثير منهم ليرينا الله عز وجل قدرته ورحمته وأنه القاهر فوق عباده ونواصيهم بيده وأنه قادر سبحانه إذا شاء وغَير الناس ما بهم على أن يُغير الله ما بهم ويُبَدل خوفهم أمنا وليُعَلِّمنا الله آثار أسمائه الحسنى ويرينا بعض هذه الآثار البالغة فيما حدث في أفغانستان لكيلا نيأس من رحمة الله ولا من نصره ولا من زوال الطغاة الظالمين.
الحق أبلج والباطل لجلج
إن سقوط الباطل وأوليائه وسقوط الكفر وانكساره بعد غطرسته وعربدته والتمكين للحق وأوليائه لهو أكبر دليل على أن الباطل زاهق وذاهب لأنه لا أصل له ولا تجذر بل هو كما وصفه الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله سبحانه: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِیثَةࣲ كَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَار) (إبراهيم: ٢٦ )
وقال أيضا عنه: ( كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَـٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءً وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ)(الرعد: ١٧) بما بين لنا سبحانه بأن الحق متجذر ثابت صعب اقتلاعه وإزالته وذلك في قوله سبحانه: (أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيَّبَةً كَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٌوَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ)(إبراهيم: ٢٤ ) فالبقاء للحق والباطل زاهق قال تعالى(بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَـٰطِلِ فَیَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقࣱۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَیۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ)(الأنبياء:١٨) نقلت صحيفة إندبندنت البريطانية قولها “إذلال الغرب في أفغانستان أكتمل الآن”
أعداء الله يتجرعون كؤوس الذل والمهانة ويتبرؤ بعضهم من بعض
رأينا صورا من الذل والمهانة لأعداء الله عز وجل وهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة وما أصابه من الرعب والهلع والمسارعة في الخروج من كابول فرارا من أسود الرحمن ورأينا كيف تبرأ بعضهم من بعض ونسي بعضهم بعضا ولم يعول أحد على أحد فأمريكا لا يهمها إلا رعاياها وتركت المنافقين من الأفغان العملاء لمصيرهم ويذكرنا ذلك بقوله سبحانه عن اليهود والمنافقين: (كَمَثَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَـٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیٌۤء مِّنكَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) (الحشر: ١٦) وهكذا المودة على الدنيا وعلى الإفساد يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة ويلعن بعضهم بعضا.ومأواهم جهنم وبئس المصير
سنة الله في الظالمين
ظهر في هذه الأحداث سنة الله عز وجل في الظالمين والنهاية البئيسة التي تنتظرهم ولو طال أمد ظلمهم قال تعالى: (وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلًا عَمَّا یَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ) (إبراهيم: ٤٢) هذا ولكل أجل كتاب ونحن ننتظر أجل الله عز وجل في قصم بقيةالظالمين الذين تسلطوا في بلاد المسلمين وساموا أهلها سوء العذاب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
سلاح الرعب مصاحب لتحقيق شروط النصر
نكبر في إخواننا الطالبان صبرهم وجلدهم وثباتهم طيلة عشرين سنة من سقوط دولتهم فلم يهنوا ولم يضعفوا ولم يستكينوا. وبهذا الصبر الذي نحسبه في سبيل الله عز وجل وبإخلاصهم -نحسبهم والله حسيبهم-وباجتماع كلمتهم وتآلفهم وبوضوح غايتهم من جهادهم وأنه لإعلاء كلمة الله وتعبيد الناس لربهم بهذا كله من الله عز وجل عليهم بالنصر العظيم ولا سيما بسلاح الرعب الذي ألقاه الله عز وجل في قلوب أعدائهم فأصبحت المدن تتهاوى وتستسلم بلا قتال وفي هذا عبرة وموعظة لكل من رفع علم الجهاد أن يحافظ على شروط النصر وأعظمها أن يكون في سبيل الله تعالى، وأن يكون أهله متآلفين مجتمعين غير متفرقين أو مختلفين.
هذا النصر ميز الخبيث من الطيب
في نصر الله لأوليائه في بلاد الأفغان امتحان عظيم لإيمان المؤمن ونفاق المنافق حيث انقسم المدعون للإيمان إلى فسطاطين فسطاط المؤمنين الذين فرحوا بهذا النصر العظيم وهنأ بعضهم بعضا به وانشرحت صدورهم وانتعشت أرواحهم، وفسطاط الكافرين وأوليائهم المنافقين الذين امتلأت صدورهم غما وحزنا جراء علو الحق وأهله وانكسار الكفر وأهله وصدق الله عز وجل في وصفه لهم: إِن تُصِبۡكَ حَسَنَةٌ تَسُؤۡهُمۡۖ وَإِن تُصِبۡكَ مُصِيبَةٌ یَقُولُوا۟ قَدۡ أَخَذۡنَاۤ أَمۡرَنَا مِن قَبۡلُ وَیَتَوَلَّوا۟ وَّهُمۡ فَرِحُونَ(50) قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ)(التوبة: ٥٠ – ٥١) وهذه سنة الله في عز وجل وحكمته في تقدير المصائب والنوازل ليميز الله الخبيث من الطيب وهذا شأن المنافقين في تاريخ المسلمين الغابر والمعاصر.
التواضع لله عند النصر سنة نبوية
ننبه إخواننا المجاهدين وطالبان وقد مكن الله عز وجل لهم أن يتواضعوا لله تعالى ولعباده المؤمنين فلولا الله عز وجل ما انتصروا ولا حصل الرعب في قلوب أعدائهم فالثبات أيام النصر والصبر فيها أشد من الصبر أيام المحن والبلايا فالحذر الحذر من العجب أو رؤية النفس وتذكروا كيف دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا لقد دخلها وهو مطأطئا رأسه فوق راحلته حتى كاد رأسه أن يمس راحلته من التواضع لله عز وجل.
إحسان الظن بالله وحسن التوكل عليه مطلوب لمواجهة الحرب الإقتصادية المحتملة
أن المعركة مع أعداء الدين لم تنته بسقوطهم وظهور الحق وأوليائه ولا نشك في أن قادة طالبان مدركون لذلك ويعلمون أن العالم بأسره سيرميهم عن قوس واحدة ويبذل قصارى جهده في افشال قيام دولة إسلامية تحكم بشريعة الرحمن وسيستخدمون في سبيل اسقاطهم كل وسيلة خسيسة في ذلك، ومن ذلك المحاصرة الاقتصادية والحرب الإعلامية والمساومة في الدين ونحسب أن قادة طالبان قد أعدوا لهذا الكيد و لتلك الحرب الاقتصادية والإعلامية عدتها، ومن أكبر العدة في ذلك إحسان الظن بالله عز وجل وصدق التوكل عليه فهو الذي نصرهم وقذف الرعب في قلوب أعدائهم ولن يتخلى عنهم ما داموا متوكلين عليه باذلين الأسباب المشروعة في تفويت الفرص على أعدائهم ونذكر بهذه المناسبة بقوله تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا یَقۡرَبُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَـٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَیۡلَةً فَسَوۡفَ یُغۡنِیكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۤ إِن شَاۤءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ حَكِیمٌ) (التوبة: ٢٨) والشاهد من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى عندما أمر المسلمين في مكة أن لا يأذنوا بدخول المشركين إلى مكة لأنهم نجس خشي بعض المسلمين أن تنقطع عنهم البضائع وحركة البيع والشراء التي كانت تصاحب مجيء الحجاج إلى مكة مشركهم ومسلمهم فنبههم الله عز وجل إلى أنه سيعوضهم خيرا مما عند المشركين وذلك بقوله تعالى: (وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَیۡلَةً فَسَوۡفَ یُغۡنِیكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۤ إِن شَاۤءَۚ) (التوبة: ٢٨) وهنا نذكر إخواننا في دولة طالبان بوعد الله عز وجل في هذه الآية وأن الله سبحانه سيعوضهم ولن يتخلى عنهم ويخرج لهم من بركات الأرض والسماء والله ذو الفضل العظيم.
هذا وإن استخدام الحصار الاقتصادي على المسلمين يعد من أساليب الأعداء في القديم والحديث للضغط على الناس في أرزاقهم وجعلهم يثورون على حكامهم وهي شنشنة خبيثة قديمة، استخدمها المشركون في حصارهم للرسول صلى الله عليه وسلم في الشعب ومن معه من المسلمين وأقاربه من بني هاشم، واستخدمها المنافقون وذلك فيما حكاه الله عز وجل عنهم في قوله سبحانه: هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ)(المنافقون: ٧ ) ويستخدمها اليوم الكفرة والمنافقون في العقوبات الاقتصادية وتجفيف المنابع ولكن لاننسى قوله تعالى: (وَمَكَرُوا۟ مَكْراَ وَمَكَرۡنَا مَكْراً وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ) (النمل: ٥٠) ويكفي أولياء الله عز وجل في مواجهة هذا المكر قوله تعالى: (وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ)(المنافقون: ٧).
العفو العام حكمة يجب أن يصاحبها الحذر
إن إعلان العفو العام من قبل قادة طالبان عن كل من انحاز إلى صف الكفرة الغزاة من عساكر ومترجمين ومخبرين وأعلن توبته لهو عين الحكمة والسداد لكسب قلوب الناس اقتداء منهم بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من كفار قريش يوم فتح مكة حيث عفا عنهم وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
ولكن ينبغي لقادة طالبان أن لا يثقوا في هؤلاء الطلقاء بعد العفو عنهم ولو أعلنوا توبتهم بل يكونوا على حذر منهم ولا يولونهم قيادات ولا مناصب حساسة.
وجوب أخذ العبرة من تجربة طالبان
إن في صمود الطالبان وصبرهم وقناعتهم بأن لا حل مع العدو الكافر، أو المنافق المتربص إلا بالقوة والجهاد والسنان قد أظهرت الأيام نجاحه ونجاعته في استعادة الحقوق ودفع الغزاة الصائلين وما سوى ذلك فهو ضياع للجهود واستنبات للبذور في البحر ونظرة سريعة لموقف بعض الإسلاميين وانخراطهم في العمل السياسي الديمقراطي تحت مظلة الطواغيت الكفرة ترينا الفشل الذريع لهذه التجارب. فهذه تجارب الإخوان في مصر وتونس والمغرب وغيرها فما جنوا منها إلا الذل وضياع الأعمار، وأعظم من ذلك كله التنازل عن ثوابت هذا الدين وأصوله القائمة على التوحيد والبراءة من الشرك وأهله. وعلى سبيل المثال فهذه تجربة الغنوشي وحزب النهضة في تونس كيف آل بهم الأمر إلى أن تنقلب عليهم خصومهم مع أنهم تنازلوا وتميعوا إلى العظم، فهل تستوي هذه المواقف المخزية مع تجربة طالبان المجاهدة التي رفعت رؤوس المسلمين بصمودهم وتضحياتهم. نسأل الله عز وجل أن يستعملنا في طاعته ونصرة ة دينه وأن يعز الاسلام والمسلمين ويذل الشرك والمشركين والحمد لله رب العالمين.