لم تزل هذه الأمة الكريمة تحاول التخلص من واقعها، ولم يزل المحترقون عليها من أبنائها يبحثون عن مخرج، وتلك محاولة تأمل النجاح.
نواة مشروع
هذه الورقة مقدمة لتكون نواة لمناقشات عصف ذهني نأمل أن تؤدي إلى صهرها وتحويلها إلى نواة مشروع يتحول شيئًا فشيئًا إلى خطط وبرامج محددة بأفضل ما تسمح به الظروف والإمكانات.
المشروع
منذ إسقاط الخلافة العثمانية وتقسيم تركتها بين الدول الاستعمارية وحتى اليوم ووحوش الأرض تتكالب على الأمة الإسلامية لتقتل وتأسر، وتنهب وتحرق، وتمزق وتقسم بل وتفتت.
وبينما نجدهم جميعًا يملكون مشروعات محددة يجتمعون على أساسها في هيئة اتحادات كالاتحاد الأمريكي والأوروبي والروسي والاسكندنافي، حتى أمة التيه (اليهود) جمعوها في كيان واحد على أرض المسلمين، يتم هذا بينما نرى منهم إجماعًا بعدم السماح بقيام كيان سني متماسك سواء في شكل دولة أو حتى جماعة تمثل أقل مستوى من الاجتماع على مشروع سني موحد.
وقد يكون تكوين دولة سنية حلمًا بعيدًا ولكن لا بد من استمرار السعي إليه، وإبراز أهميته، وزرعه في وجدان الأمة، ومناقشة فرص إقامته…
والأمة اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الاجتماع فالمصائب تجمع المصابين، والحريق الذي يهدد الأمة ليس أحد بمأمن من شره…
وهذا هو الجديد في المشروع فيما يتعلق بوحدة العاملين للإسلام من أهل السنة ذلك أن الجميع مستهدف بهذه الحرب الشرسة الشاملة دون تفريق، وهنا تأتي أهمية الاجتماع.
كما أن من الجديد الذي يؤكد ضرورة ائتلاف العاملين للإسلام هو سقوط الأقنعة وتعري المنافقين من الطواغيت.
ونحن أهل السنة نملك الكثير من الإمكانات البشرية، ولا ينقصنا الاستعداد للبذل والتضحية، ولا التجارب، فعندنا النخب العلمية والفكرية ورجال الصحوة الذين يدفعون من دمائهم عبر الأجيال ثمن عزة الأمة وثباتها في مواجهة أعاصير الباطل، وعندنا الرصيد الكبير من التجارب الثمينة.
وعندنا قبل كل هذا المنهج المعصوم المتمثل في الوحي المطهر.
وقد أثبتت الثورات العربية أن المكون الأكثر اتساعاً وصلابة في المجتمعات المسلمة هم أبناء الصحوة الإسلامية.
أسباب طرح المشروع في هذا التوقيت
لماذا يطرح هذا المشروع في هذا التوقيت؟
- لأن الأمة تتعرض لهجوم هائل يستهدف كل مكوناتها ولهذا فالكل في دائرة الخطر.
- سقوط الأقنعة التي كان يتستر بها المنافقون.
- هذا الطرح ليس إلا اجتهاد بشري ولا يدعي أصحابه صوابه تماماً.
- تسارع الأحداث وهذا يعني أن تطوراتها قد تفاجأنا جميعاً بما لم نعمل له حسابا.
- أهداف المشروع
الهدف الذي تطرحه هذه الورقة هو جمع الطاقات المتفرقة لأهل السنة والجماعة وصياغتها في مشروع متكامل يستوعب العاملين لنصرة هذا الدين العظيم من كل الفصائل والجماعات والتيارات والرموز ويصهر كل الأدوات والوسائل الإصلاحية والتغييرية في رؤية جماعية.. لمواجهة المشروعين الكبيرين: “الغربي الصهيوني” و “الرافضي”.
ويزيل الفوضى المتفشية في الكثير من الأعمال وذلك من خلال أدوات أهمها:
- مخاطبة المؤثرين من رموز أهل السنة والجماعة لتوحيد خطابهم الموجه للأمة ليناسب التحديات التي تواجهها.
- إعادة النظر في المناهج التربوية الفكرية والقلبية والعملية وتحديد الثوابت والمتغيرات لإخراج مسلمٍ واعٍ بأحوال أمته وقادر على تحمل أعباء الطريق.
- السعي لنشر ثقافة تربوية حرة مستقلة لا تنتج عبيدًا يخضعون للشيخ والجماعة والحزب وإن خالفت ثوابت الدين وأصوله.
- تحطيم الأغلال وهدم الحيل النفسية التي تعوق العمل الإسلامي.
خصائص المشروع
المشروع هو “عمل يهدف إلى تنفيذ فكرة واضحة باستخدام موارد محددة في فترة معينة”.
وبناء على هذا فلا بد وأن يكون المشروع:
- جماعيًا، وله هدف محدد، وقابل للقياس، ويمتلك موارد مالية وبشرية وعلمية مناسبة، ويعمل وفق خطة للتنفيذ، وأخرى للمتابعة.
- المشروع يجب أن يكون سنيًا خالصًا يختص بـ “الأمة الإسلامية” بكل ضخامة وفخامة المسمى.
- أن يحدد الثوابت والأمور القطعية ومظان الاجتهاد وكيفية التعامل مع كل منهما.
- أن يسعى بكل قوة لهدم الخطاب الاستخذائي المهزوم.
- أن يحْيي قيمة النقد والاحتساب السني بضوابطه الشرعية.
- أن يكون جامعًا وليس مكونًا حزبيًا إضافيًا، وأممياً وليس قطريًا أو إقليميًا.
- وأن يحْيي قيمة التعاون على أساس من البر والتقوى.
- أن يسعى لإيقاف حرب الشعارات المفرقة.
- أن يستثمر الإنجازات الهائلة لأهل السنة على مختلف الأصعدة: العلمية والدعوية والجهادية والاحتسابية والإغاثية.
- الحرص على إيجاد حلول عملية وممكنة.
- أن يحترم التخصص ويحدد دور الأطراف الفاعلة من العلماء إلى المتخصصين في العلوم الأخرى.
- أن يكون علميًا عمليًا يعلي من شأن العلم.
- أن يكون المشروع مستوعبًا للواقع الدعوي، وواعياً بسبيل المجرمين.
مرتكزات المشروع:
أي مشروع إسلامي لا بد وأن يقوم على مرتكزات ثلاث هي: المنهج، والقيادة، والجماعة.
وهذه الركائز هي عين ما تضمنته رسالات الرسل وفي مقدمتهم رسالة النبي الخاتم، عليه وعليهم صلوات الله وسلامه.
أولا: المنهج
ويمكن تقسيم المنهج إلى قسمين:
- أولهما (المنهج العلمي) الذي يتضمن مجمل أصول وتصورات أهل السنة والجماعة بكل مواردها في أبواب الدين كله
- والثاني (المنهج العملي) أي المنهج الحركي أو منهج التغيير: وهو محل النزاع بين العاملين في الساحة الإسلامية فقد أورث الاختلاف فيه خلافات عميقة.
وهذه المناهج تدور ـ على الأغلب ـ بين فئتين:
- (أولهما): “الإصلاحيون” والذين يرون الإصلاح التراكمي والسعي لهداية الناس وترك التنازع على الحكم. والبدائل عندهم متنوعة …
- (ثانيهما): “التغييريون” وهم من يرون أن الباطل قد استفحل وبدل الكثير من ثوابت الدين وأصوله ولا سبيل لتمكين الإسلام إلا باقتلاعه .. وإقامة نظام إسلامي صحيح، وعلى الأمة أن تعد نفسها لمثل هذا الصراع.
ثانيا: القيادة
منذ أن فقدت الأمة قيادتها السياسية المتمثلة في الخلافة العثمانية ـ على هشاشتها في آخر مراحلها ـ فقد فقدت معها القيادة العلمية الموحدة التي تعيد الأمر إلى نصابه كما كان يحدث عبر مراحل التاريخ.
فالذي ينظر في التاريخ الإسلامي يجد أن القيادات السياسية تأتي وتذهب، وفيهم الصالح وفيهم دون ذلك، لكن الثابت دائماً هم العلماء العاملون الذين يحافظون على لُحمة الأمة وتماسكها وارتباطها بدينها، حتى تظهر قيادة سياسية جديدة فتجد الأرض ممهدة للنهوض من جديد.
لكن هذه المرة سقطت القيادتان ودخلت الأمة في مرحلة من التيه تتقاذفها الأمواج، وأهلها حيارى لا يعرفون إلى من يستمعون؟ وممن يحذرون..؟
وأصبح واجبًا عينيًا البحث عن حل لهذه المعضلة: غياب القيادة العلمية المتمثلة في “أهل الحل والعقد”، وهو واجب شرعي كفائي لزم أن تقوم به الأمة، وهو هدف كبير لكنه يمثل حاجة ضرورية لا غنى عنها للأمة.
ثالثا: الجماعة
الجماعة المقصودة بالخطاب هم أبناء الصحوة الإسلامية من أهل السنة بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم في كل بقاع الأرض، وفي مقدمتهم: الرموز والمنظرين والمرجعيات العلمية والمربين.
وثمة آفات كبرى تعيق العمل الإسلامي وفي مقدمتها التشرذم والتفرق، وهو ما ينبغي أن يركز الجهد عليه وفق التصور الآتي:
- قراءة اجتهادات “الرموز”.
- معالجة قضية التشرذم العلمي والفكري.
- التعرف على مواطن الخلل والنزاع في الساحة الإسلامية.
- دعم فكرة التقاء الدعاة من التيارات المختلفة، وإيقاف كل منهم على اختيارات الآخرين.
- إثراء فكرة التحاور السني السني كمقدمة ضرورية للترشيد المطلوب.
- الدعوة إلى عقد ندوات ولقاءات إقليمية ودولية وورش عمل حول الثوابت والمتغيرات لتحديد أطر جديدة للعمل الإسلامي تناسب المرحلة والتحديات التي تواجهها الأمة.
- مطالبة الرموز بالاشتراك في الكتابة والنشر لدعم فكرة ترشيد وتقريب الأنشطة الإسلامية.
- إبراز التحدي الذي يستهدف الجميع.
المعوقات
لمشروع الإنقاذ كما لكل المشاريع معوقات تتناسب وحجمه، وهنا يبرز التحدي في طرح البدائل وتغيير الخطط والاستراتيجيات.
ومن أهم هذه المعوقات:
- تشتت الصف المسلم وأجواء حزبية.
- عدم الاستفادة من التجارب الطويلة والاستمرار في تكرارها وانتظار نتائج مختلفة من نفس المقدمات المجربة.
- الشعور بالانهزامية والضعف والتخاذل في مواجهة الطواغيت.
- تأثر الكثير من المناهج والمشاريع الإسلامية بواقعها وظروفها الخاصة.
- الديكتاتورية في ممارسة العمل الإسلامي وصبغها بشورى وهْمية كاذبة.
- التركيزعلى الالتزام الفردي بالدين وإهمال الواجبات الجماعية.
- اختلال الأولويات واستهلاك العلماء والدعاة في أعمال هامشية.
- ضعف فهم الواقع فهمًا صحيحًا والمثالية في التصور.
- التماهي في أسلوب ومنهج واحد للتغيير مهما ظهر من خلله.
- شرعنة بعض المؤسسات الدينية ومن لفّ لفها للبطش والطغيان.
- التمدد العددي في أبناء الصحوة بدون أن يكافئه تمدد نوعي كثمرة للخلل التربوي في العمل الإسلامي.
خاتمة
تلك محاولة تتلمس الخلل والأدواء، وتضع أسسا مقترحة للتفاهم والحوار، وتفتح أُفقا للتعاون. إنها محاولة لتلمس المخلصين ومد الجسور وتوجيه الجهد وتكاتفه.
نسأل الله تعالى أن يجعل فيها خيرا نافعا لهذه الأمة العظيمة.
…………………………