أفغانستان دولة مهمة لتركيا فهي محاطة بروسيا والصين والهند وكلها لها مصالح وعداوات مع تركيا وتحاول تركيا إيجاد موطئ قدم لها هناك لتقوية مركزها.
اقتراح تركي بإدارة تركيا لمطار كابول
عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إدارة تركيا لمطار كابول الدولي بعد اكتمال انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان في سبتمبر القادم، مما يعني بقاء القوات التركية بعد انسحاب الأمريكان، وهذا أمر تشدد طالبان على رفضه.
وناقش الرئيس التركي أردوغان هذا المقترح مع قادة الناتو في اجتماعهم الأخير بيروکسل قبل أيام قليلة، وكذلك مع الرئيس الأميركي جو بایدن خلال اللقاء الذي جمعهما على هامش ذلك الاجتماع.
وأعقب ذلك زيارة وفد من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى تركيا ليبحث مع وزارة الدفاع التركية المقترح الذي تقدمت به، حيث تطلب تركيا لتحقيق ذلك دعما سياسيا ولوجستيا وماليا لإجراء المهمة..
وهذا الاقتراح التركي لاقى ترحيبا غريبا كبيرا؛ بينما رفضته طالبان تماما، بل وحذرت من بقاء أية قوات أجنبية والتي من ضمنها القوات التركية – بعد الانسحاب الأمريكي..
الانسحاب الأميركي قد فتح مجال تنفيذ اقتراح تركيا
والاقتراح التركي ليس جديدا، فتركيا تطلب تشغيل مطار كابول الدولي في أفغانستان منذ نحو ست سنوات، ولكن تم تجاهل مقترحها ذلك تماما حتى الآن، ويبدو أن الانسحاب الأمريكي قد فتح مجال تنفيذ هذا المقترح.
ومن المستغرب أنه بعد الفتور الشديد – بل والتخاصم – الأمريكي لتركيا بعد تولي الرئيس الجديد لأمريكا جو بایدن نجد حماسا أمريكا وتحركات قوية تجاه تركيا، وكذا مقابلة ودية بين أردوغان و بایدن على هامش اجتماعات الناتو الأخيرة في بلجيكا رغم أنَّ الأخير كان يقول في دعايته الانتخابية أنه سيعمل على إسقاط أردوغان..
ما يجمع بين تركيا وأفغانستان أكثر مما يُفرّق
ونقف وقفات في هذا الموضوع:
1- التاريخ التركي الأفغاني الحديث والقديم – يدل على علاقات وثيقة متينة بين البلدين؛ فمثلا:
في حقبة حرب دحر الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في عقد الثمانينات من القرن الماضي، شارك -شعبيا- عدد كبير من المجاهدين الأتراك، وكان منهم عدد من الشهداء الذين استشهدوا على ثری أفغانستان ..
وكذلك شارك الأتراك في كثير من الأعمال الإغاثية والتعليمية والخيرية التي كانت في تلك الفترة في أفغانستان…
وفي حقبة الغزو الأمريكي لأفغانستان بعد 11 سبتمبر عام ۲۰۰۱م شارکت تركيا بنحو ۵۰۰ جندي، إلا أنها لم تشارك في العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها القوات الأميركية وغيرها بل اكتفت بتقديم أنواع من الدعم اللوجستي، وإن كان الوقوف في صف الكفار ضد المسلمين جريمة كبرى، يعد في الإسلام كفرا وردة، لكن بعض الشر أهون من بعض، وهذه النقطة بالذات لا ينساها الشعب الأفغاني للأتراك..
وفي حقبة أردوغان مازال قادة طالبان يترددون على تركيا، بل ويقيم عدد من قيادات طالبان في تركيا دون أي تضييق..
وخلاصة الأمر أن الحكومة التركية ليس بينها وبين الشعب الأفغاني أي خصومات..
يضاف إلى ما تقدم أن تركيا ليس بينها وبين عامة العرقيات الأفغانية: البشتون والطاجيك والأوزباك والتركمان أو غيرهم من العرقيات مشادات أو خصومات أو ثارات في الماضي، ما عدا عرقية الهزارة الشيعية والتي تضمر النفاق والعداء لكل من ليس على مذهبهم..
والمذهب التركي العام والرسمي هو نفس المذهب الحنفي السائد في أفغانستان، وهذا من الدواعي النفسية للتقارب الأفغاني التركي..
2- وما تقدم مما ذكرنا من تاريخ العلاقات بين البلدين يجعلنا نرجح أن شيئا من خلف الكواليس قد يكون جرى الاتفاق عليه بينهما، واحتمالات الاتفاق السري بين أردوغان وطالبان واردة بقوة..
وإعلان طالبان أنها لن تسمح ببقاء أية قوات أجنبية على أرض أفغانستان – إن تم تنفيذه حرفيا، وقبلت تركيا به – يعني أن تشغيل المطار سيكون مدنيا دون وجود قوات تركية فيه ..
وعلى كل حال فالمطار لن يظل طويلا خارج سيطرة طالبان؛ فإما أن تتوافق تركيا مع طالبان، وإما ستضطر تركيا للرحيل أو المواجهة..
٣. من الواضح أن تركيا الحديثة تحت قيادة أردوغان تعمل على توسيع درجة نفوذها كحاملة لقب عظیم سابق: خلافة المسلمين..
وهذا ظاهر في تحركات تركيا في ليبيا وسوريا وأذربيجان وغيرها..
ولعل طلبها لتشغيل مطار كابول خطوة للتواجد في أفغانستان وعموم وسط أسيا..
وتلك الرغبة التوسعية إن لم تكن مصحوبة بتبادل المصالح المشتركة مع واجهة إسلامية فقد تواجه مقاومة قوية من الشعوب الإسلامية.. .
- لا شك أن التنظيمات الشيعية الأفغانية – المدعومة أمريكيَّا وإيرانيَّا- ستكون كارهة للوجود التركي ؛ إلا إذا استفادت منه، أو صدرت لها أوامر من أسيادها بالصبر – إلى حين -…
وأما تنظيم داعش فهو ضعيف إلى حد كبير في أفغانستان، وسيواجه الجميع كالعادة..
5- العلماء في أفغانستان في الواقع – معظمهم من جماعة طالبان، وهذا هو الطبيعي فجماعة طالبان هي جماعة طلبة العلم في كافة أفغانستان..
وعامة هؤلاء العلماء من الأحناف الديوبندية -وهو المذهب العام الشائع في أفغانستان -، ولا يخرج عنهم إلا القليل من المنتسبين للجماعة السلفية وأهل الحديث ونحوهم..
وقبل نحو أسبوعين في مكة حرسها الله تعالى – تم عقد مؤتمر للعلماء الأفغان والباكستان –لا نظن أن أحدا من علماء طالبان شارك فيه – انتهى بإصدار بيان عام دعوا فيه الأفغان إلى جمع الكلمة ووحدة الصف..
ولا نعلم – حتى الآن- هل نوقش التواجد التركي في هذا الاجتماع أم لا..
- ينبغي على المؤسسات العلمية والدعوية وأهل العلم والاختصاص دراسة كافة التحركات التركية وأهدافها؛ للاستعداد لها سلبا أو إيجابا، وتوجيه الشعوب الإسلامية للاستجابة لها أو تحذيرها منها..
وخطورة التحركات التركية الحقيقية هي فيما إذا ذهب العهد الأردوغاني ثم خلفه غيره من مجرمي العلمانيين؛ فالعلمانيون سيسلمون كافة المنافع والمعلومات لأمريكا على طبق من ذهب..
۷. كان من ضمن المقترح التركي إشراك باكستان والمجر مع تركيا في مرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية..
أما بالنسبة لإشراك باكستان فهذا أمر لا مفر منه؛ فباكستان تعتبر أفغانستان امتدادا طبيعيا لها -فالتاريخ والدين والأعراق واللغة والحدود كلها مشتركة بينهما-،
ولو تخيل تجاهل تركيا لذلك لأوقعت نفسها في عداوة كبيرة ومعارك خاسرة ولا شاك -…
وأما إشراك المجر فمجال التخمينات فيه واسع، ولعل أقربها طمأنة أمريكا بإشراك دولة مسيحية؛ فتركيا أردوغان ذات ميل إسلامي واضح، وباكستان دولة حليف داعمة لطالبان في السابق؛ ولذلك كان وجود طرف ثالث أما تقتضيه سياسة التوازن والله أعلم..
وفقنا الله وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه ..