هل سنتعلّم من درس جيوش ما بعد الاستعمار التي توهّمنا أنها كانت “استقلالا” فكانت استمرارا للاستعمار ولكنْ بصورة غير مباشرة؟ هل سنبذل الجهد للتعلّم من درس التاريخ الحديث هذا، ومن درس التاريخ القديم (سيطرة العسكر المحترفين على الملك منذ عصر الدولة العباسية) ودروس الأمم الناهضة الأخرى التي تعزل الجيش عن التدخل في السياسة والتعدّي على خيارات الشعب؟
ما حدث في سورية لو تعلمون عظيم
حتى تدركوا جذرية ما حدث في سورية: يمثل سقوط نظام الأسد فرصة لم تحدث منذ خروج جيوش الاستعمار الأجنبي من بلادنا، فقد حرصت قوى الاستعمار وعلى رأسها أمريكا التي ورثت الاستعمار القديم على إبقاء أنظمة وجيوش وقيادات يمكنها التفاهم معها أو الاستحواذ عليها وتقزيم بلادنا العربية الإسلامية لخطورة استقلالها على مصالحها في المنطقة، فلم يستقل بلد عربي بمعنى أن تمسك قيادته ومفاصل القوة فيه نخبة يفرزها الشعب تعكس دينه ومواقفه وتطلّعاته.
كانت الأداة المثلى للهيمنة هي السيطرة على قيادات الجيوش، وهي مؤسسة خطيرة صعبة الكسر والاختراق من قبل الإسلاميين، وقد كانت هناك محاولات لذلك قديما ولكنها لم تفلح، وازدادت هذه المؤسسة بعدا عن الخير وتحقيق آمال الأمة. وهذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها هدم هذه المؤسسة تماما، وإعادة بناء الجيش بواسطة قوى الثورة التي تمثل إرادة الأمة، لا على عين الاستعمار وعلى هواه.
والسؤال هنا: هل سنتعلّم من درس جيوش ما بعد الاستعمار التي توهّمنا أنها كانت “استقلالا” فكانت استمرارا للاستعمار ولكنْ بصورة غير مباشرة؟ هل سنبذل الجهد للتعلّم من درس التاريخ الحديث هذا، ومن درس التاريخ القديم (سيطرة العسكر المحترفين على الملك منذ عصر الدولة العباسية) ودروس الأمم الناهضة الأخرى التي تعزل الجيش عن التدخل في السياسة والتعدّي على خيارات الشعب؟
من أهم الوسائل لتحييد خطورة الجيش على الأمة
– بناء ثقافته وعقيدته العسكرية من جديد بقيم شرعية أخلاقية عالية، فهي أكبر ضامن بعد الله لعدم انحرافه ووقوعه في قبضة الخارج، فحين يتربّى القادة والجنود على حرمة موالاة أعداء الله والأمة، وعلى حرمة دماء المسلمين، وأن دورهم حماية حقوق الأمة وحفظ أمنها وصيانة حرماتها، وأن للحاكم (الرئيس) حق الطاعة العليا، فحينها سيكون اختراق هذا الجيش والانقلاب على إرادة الأمة والوقوع في قبضة الأعداء أصعب.
– بناء ثقافة شعبية راسخة تكره الانقلابات العسكرية وتقاومها، وتدرك أن تدخّل الجيش في السياسة مدعاة لعدم الاستقرار وتأخر التنمية فضلا عن اغتصاب الحقوق، وتمنع تدخل الجيوش في الخيارات السياسية، إلا في حالات الانقلاب على إرادة الشعوب أو تدخل خارجي أو الاعتداء على دين الأمة، فحينها يتدخل الجيش ليردّ الحقوق السليبة ويدفع الصائل ويعيد حق الأمة في اختيار من يحكمها ويؤمّن مشاركتها في الحكم. وكلّما اعتادت الأمة على اختيار من يحكمها من خلال ممثّليها، ستكون أمنع من اغتصاب هذا الحقّ.
– تقييده دستوريا بمواد تجعله منقادا لرئيس الدولة، مع مواد تشدد على أي خروج عن هذا المبدأ وتحظر أي تكتلات سياسية أو أيديولوجية أو طائفية داخل المؤسسة العسكرية، وتحدد وظيفة الجيش في حماية الأمة والبلاد، كما تقطع الطريق على من يعادي دين غالبية الأمة من الانتساب إلى الجيش ومن ثم من الوصول إلى مراكز قيادية فيه. مع وجود هيئة رقابية من خارج الجيش تكون مشكّلة من ممثّلي الشعب لإجراء رقابة دورية على الجيش تضمن عدم خروجه عن وظيفته وعن التقييدات القانونية والدستورية.
– تقييد الأنشطة الاقتصادية للجيش، بخلاف ما يحدث اليوم في بعض المزارع العربية التي تسمّى دولا، حيث يمتلك الجيش وقياداته مقدّرات اقتصادية هائلة تجعل من تدخّله في الشؤون السياسية والاقتصادية للبلد واقعًا مفروضا.
– الحدّ من ارتباط الجيش بقوى خارجية، خصوصا في سياق التسليح والمناورات والدفاعات المشتركة والبعثات العلمية وما شابه، والعمل بشكل حثيث على الاكتفاء العسكري من خلال الصناعات العسكرية المحلية في أسرع وقت، والابتعاد قدر الإمكان عن تلقي الأسلحة ورفض المساعدات الاقتصادية من الدول الاستعمارية وتلك التي لها توجهات تعادي دين الأمة ومصالحها، فهي لا تقدّم هذه المساعدات لسواد عيوننا، بل لها مآرب أخرى.
– وأن دورهم حماية دين الأمة ودمائها وأعراضها وأرضها ومالها وحقوقها ومقدراتها وحفظ أمنها وصيانة حرماتها، وأن لولي الأمر الحاكم (الرئيس) حق الطاعة في غير معصية الله، فحينها سيكون اختراق هذا الجيش والانقلاب بعيدا عنهم.
– وتحدد وظيفة الجيش في حماية الأمة والبلاد، والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، كما تقطع الطريق على من يعادي دين غالبية الأمة من أعداء الداخل والخارج.
المصدر
صفحة الأستاذ شريف محمد جابر، على منصة ميتا بتصرف يسير.
اقرأ أيضا
المعركة الأكبر والأهم في سوريا الآن