تتراوح المعاني بين فرحة تمام العبادة وإكمال الصوم وأداء الفريضة، وبحث القلب عن علامات القبول. بين تكبير الله وظروف الصوم هذا العام، وما يكمن في البلاء من خير.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فنحمد الله عز وجل على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة حيث من علينا بصيام شهر رمضان وقيام ما كتب لنا من لياليه، وبما أنعم علينا من إكمال عدة هذا الشهر الكريم. هذا من تيسيره سبحانه وتوفيقه ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 185).
أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم وأن يجعلنا ممن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا فغفر الله له ما تقدم من ذنبه.
وأود بهذه المناسبة وفي نهاية هذا الموسم الشريف أن أهنئ الجميع بهذا العيد المبارك. وأدعوا الله عز وجل أن يجعله وما بعده من الليالي والأيام أيام عز ونصر وفرج للإسلام والمسلمين.. كما أود في هذه المقالة أن أنبه نفسي وإخواني المسلمين إلى بعض الأمور المهمة.
تنبيهات وبشارات
علامات القبول
لا أحد يقطع لنفسه أو لغيره بأن الله عز وجل قد قبل عمله وغفر له ذنوبه. ولكن المسلم يرجو ربه ويخاف ذنبه. وهناك بعض العلامات والقرائن التي يرجى أن تكون من علامات القبول.
ومن أهم هذه العلامات ما يجد العبد في قلبه من زيادة الإيمان والتقوى والطمأنينة، وتغير أحواله إلى الأحسن بعد رمضان؛ وذلك بالتخلص من الذنوب التي كانت قد أثقلت كاهله قبل رمضان وكبّلته عن طاعة الله عز وجل.. فإذا وجد العبد نفسه نشيطًا خفيفًا إلى طاعة الله بعد رمضان دلّ هذا ـ إن شاء الله ـ على غفران الذنوب والقبول؛ ذلك لأن الذنوب هي أكثر ما يكبّل العبد ويثقله عن طاعة الله. أما إذا لم يتغير الحال وبقي الكسل عن طاعة الله وبقي العبد على ذنوبه السالفة فإن هذا مُنذر شر.
معاني التكبير
استدل العلماء على مشروعية التكبير ليلة العيد إلى ما قبل صلاة العيد بقوله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ). كما استدلوا بفعله عليه الصلاة والسلام فيشرع الإكثار من قول “الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد”؛ لكن ما معنى التكبير وسر مشروعيته في مثل هذه المواسم؟
هل يكفي أن يتلفظ بها العبد فحسب ؟
إن من معاني تكبير الله عز وجل وتعظيمه أن يعظم في القلوب ويكبر؛ فلا يكون فيها أكبر ولا أعظم منه سبحانه.
ومن علامة تعظيم الله في القلوب تعظيم حرماته وحدوده والتسليم لها، وأن لا نقدّم عليها عقلًا ولا رأيًا ولا هوى؛ وهذا من مقاصد التكبير أيام العيد.. كما أن من علامة تعظيم الله عز وجل في القلب أن يغضب العبد إذا انتهكت حرمات الله.
عن فرحة الصائم
قال صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح و إذا لقي ربه فرح بصومه» متفق عليه.
والسؤال هنا لماذا يفرح الصائمون عند فطرهم في يوم عيدهم؟
أجاب بعض العلماء بأن ذلك بسبب الفرح بتمام عبادته وإكمال عدة رمضان، وفرحه بما يرجوه من صيامه من الثواب وغفران الذنوب، وكذلك فرحه بهدايته للإسلام ﴿ولِتكبّروا الله على ما هداكم﴾؛ فرحه بهدايته للإسلام الذي مِن أجَلّ شعائره عبادة الصوم.
وهذا هو الفرح الحقيقي الذي يُطلب من المسلم يوم عيده وليس فرح الترف والبذخ واللهو واللعب والتباهي بأنواع المطعومات والمشروبات والملبوسات وبمتع الدنيا الفانية.
خصوصية الصوم هذا العام
هذه السَنة وافق صيام رمضان وعيد الفطر هذه الأزمة العالمية من انتشار وباء لـ “فيروس كورونا”؛ حيث ترتب على ذلك إغلاق المساجد وحظر الجُمعة والجماعات والاجتماعات، ومن ذلك تعطيل صلاة العيد.. وهذا كله تقدير العزيز الحكيم اللطيف الرحيم؛ وقد رأينا من آثار قضائه سبحانه وقدره في هذه الأزمة الشيء الكثير من آثار رحمته وحكمته ولطفه وعزته وقهره، وما خفي عنّا من الحِكم والألطاف أعظم.
والأمر الذي أحب الإشارة إليه هنا هو أن صيام شهر رمضان وقيامه في هذه الأزمة، وما ترتب عليها من احترازات قد تكون لبعض الناس هي أفضل شهر مرَّ عليه في حياته صيامًا وقيامًا؛ وذلك في توفر دواعي الإخلاص في عبادته من صلاة وذكر وقراءة القرآن، فقد كانت عند بعض الناس في السنين الماضية تحكمها العادات والتأثر بمن حوله من المصلين والتالين؛ بينما في هذه السَنة، وفي هذه الأزمة؛ فإن الذي يُقبل على صلاته وقراءة القرآن والذكر وغيرها من العبادات قد تجرَّد في عبادته تلك وانطلق بدافع ذاتي متجرد؛ وهذا يكون أقرب إلى الإخلاص حيث لا مُعين ولا تجمعات يراها فيتنشط بها؟
وهذه نعمة من نعم الله عز وجل وبعض من ألطافه وحكمه البالغة (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: 216).
خاتمة
أسال الله عز وجل أن يتقبل منا و يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يرفع عنا البلاء والوباء بالتوبة النصوح الصادقة فـ «ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبه».
والحمد لله رب العالمين..
………………………………