إن الخطر الإيراني ليس إلا نتيجةً من نتائج الاستعمار الصليبي الصهيوني، فلم يتمكن المشروع الصفوي من التمددِ والتعاظمِ إلا بعد سقوط الخلافة الإسلامية واستعمارِ الدول العربية والإسلامية [وتنصيب الحكام الخونة المنافقون الذين ينفذون للصليبين والصهاينة كل ما يريدون، ويعادون الأمة ودينها وعقيدتها من أجل كراسيهم، فخطرهم أشد من خطر الرافضة] واحتلال فلسطين من قبل الصليبيين ثم الصهاينة..
التطبيع مع الصهاينة مواجهة للخطر الإيراني
دحض شبهة كون التطبيع مع الكيان الصهيوني تحالف مع عدو أقل خطرا ضد عدو أشد خطرا وهو إيران
هذه الحجة تعد من أقوى حجج المطبعين الواهية، وإن كانت مبنيةً على أسس واهيةٍ وعلى مصلحةٍ متوهمةٍ لا حقيقة لها.
وقد ظهرت هذه الحجة مؤخرا بعد ظهورِ أثرِ التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، ومشاركتِها في استهداف أهل السنة في سورية والعراق واليمن، وسأحاول بعون الله تعالى الرد على هذه الشبهة من خلال ثلاثة محاور، حيث سأبدأ بذكر جملةٍ من الثوابت والمسلمات ثم أثنّي ببيان أهمِّ مفاسدِ التطبيع مع الكيان الصهيوني، ثم أختم بالتعريج على بعض الشبهات المتفرعةِ عن هذه الشبهة، والتي استدل بها المسوغون للتطبيع مع الرد عليها.
أولا: أهم الثوابت والمسلمات التي يُعتمد عليها في دحض هذه الشبهة
أن العداء الصهيوني للإسلام وللأمة الإسلامية عداء عقدي ثابت قطعا، وهو مُجمع عليه، وهو العداء الأشد للأمة الإسلامية، وقد دلت النصوص القطعية ثبوتا ودلالة عليه، ومن ذلك قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، وأن إفسادَ يهود في الأرض هو أعظم إفساد في الأرض بنص قطعي في كتاب ربنا عز وجل قال سبحانه: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}، ولا يجوز تقديم أيُّ قولٍ لأيٍّ كان على هذه النصوص القطعية الثبوت والدلالة، والتي تدل بشكل قطعي على كون يهود هم أشدُّ الناس عداوة للأمة الإسلامية، وأن إفسادَهم أعظم وأشد من إفساد غيرهم، وإن فاقهم في مرحلة ما في سفك الدماء أو الظلم والبغي والعدوان.
أن التطبيع لا يمثل في حقيقته تحالفا عسكريا من أجل الوقوفِ في وجه إيران، فالتطبيع هو جعلُ الكيان الصهيوني جسما طبيعيا في الأمة، يتم التعامل معه في جميع المجالات، ولا ارتباط بين التطبيع ومواجهة الخطر الإيراني البتة. ثم إن التطبيع يعد أبعدَ مدىً من الاعترافِ بالمحتل الصهيوني، وإقامةِ الصلح معه والتحالفِ العسكري معه. فهل يلزم تحريفُ الدين وتبديلُه وجعلُ العدو صديقا وتقويةُ العدو وتمكينُه وتحقيقُ مصالحه من أجل الوقوف في وجه إيران.
أن الخطر الإيراني ليس إلا نتيجةً من نتائج الاستعمار الصليبي الصهيوني، فلم يتمكن المشروع الصفوي من التمددِ والتعاظمِ إلا بعد سقوط الخلافة الإسلامية واستعمارِ الدول العربية والإسلامية واحتلال فلسطين من قبل الصليبيين ثم الصهاينة، فالخطر الإيراني ما هو إلا فرع وابن للخطر الصهيو صليبي، فالذي يجعل الخطر الإيراني أشدَّ من الخطرين الصليبي والصهيوني يقلب الموازين ويجعل النتيجةَ سببا، والتابعَ متبوعا، والفرعَ أصلا.
أن الكيان الصهيوني المحتل تم زرعه في وسط الأمة الإسلامية وفي بقعة مقدسة من أقدس بقاع الأرض، وتم تهجير معظم سكان فلسطين الأصليين من أجل أغراض استعمارية، ومن أجل ضمان عدم وَحدة الأمة، وعدم عودة الخلافة الإسلامية فيها، أما إيران فهي دولة قائمةٌ منذ أمد بعيد، ولم يتم زرعها داخل كيان الأمة الإسلامية بالقوة، فلا وجه للمقارنة بين الخطرين، مع التسليم بكون التدخل الإيراني في المنطقة ونشر التشيع السياسي من الأخطار العظيمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية في هذا الزمن.
أن التطبيع متفرعٌ عن الاعتراف بحق الصهاينة في احتلال فلسطين، والإقرارِ لهم بكل اعتقاداتهم الباطلة في فلسطين ومقدساتها، أما التعامل مع إيران عند الضرورة فلا ينبني عليه إقرار لهم بأي حق في بلاد الإسلام الأخرى كالعراق وسوريا واليمن ولا الإقرار بأي اعتقاد باطل.
أن التطبيع ما هو إلا نوع من تعاون الأنظمة المطبعة مع القوى الخارجية من أجل تحقيق وهم تثبيت الحكم لحكام حكامهذه الأنظمة، وبشكل أخص بعد ثورات الربيع العربي، وبالإضافة إلى ذلك فإن الاصطفاف الطائفي والخطر الإيراني في المنطقة وخصوصا في دول الربيع العربي لم يستفحل بشكل جلي إلا بعد أحداث الربيع العربي، وذلك بسبب أنظمة الحكم ذاتها. فهي فضلت التعاون مع القوى الخارجية بدل التفاهم مع شعوبها، وفضلت ترك الجهات التابعة لإيران تتقدم من أجل القضاء على القوى المطالبة بالإصلاح بعد تلك الثورات.
أن كلا من الخطرين الصهيوني والإيراني الطائفي وجهان لعملة واحدة مع تفاوت في درجة المفاسد بينهما، فهنالك مفاسد عظيمة مترتبة على التدخل الإيراني في بعض الدول الإسلامية، لكن هذه المفاسد لا تقارن بأي حال من الأحوال بدرجة مفاسدِ التطبيعِ مع الكيان الصهيوني المحتل.
المحور الثاني: بيان أهم مفاسد التطبيع مع الكيان الصهيوني
ينبني على التطبيع مع الكيان الصهيوني مفاسد عظيمة نذكر منها
من مفاسد التطبيع تحريفُ الدين والعبثُ به ولَيُّ أعناق نصوصه، من أجل القبول بالصهاينة، فلا جهاد بعد اليوم، ولا سورَ قرآنية تتحدث عن صفاتهم وما فعلوه بأنبيائهم، فالتطبيع يؤدي إلى تغيير ثوابت الدين وإلى جعل عدو الأمة صديقا طبيعيا لها وإلى إعادة ترتيب أعداء الأمة.
أن التطبيع يؤدي في مآلاته إلى تغيير جذري للقيم والمفاهيم والمبادئ واستبدالها بقيم ومفاهيم ومبادئ تخدم الكيان الصهيوني وتحقق أهدافه .
أن التطبيع يؤدي إلى هيمنة الكيان الصهيوني على الإقليم وعلى الأمة الإسلامية عموما.
أنه يؤدي إلى جعل وظيفةِ الدول المطبعة بأجهزتها المختلفة أداةً لتحقيق أهداف الاحتلال الصهيوني والحفاظ على أمنه واستقراره.
أنه مدخل للهيمنة الصهيونية الشاملة في جميع المجالات على الأمة الإسلامية.
يعطل التطبيع وعي الأمة بذاتها ويحولها إلى شعوب ودول مفتتة، ويفسدُ كل محاولات وَحدة الأمة ونهضتِها وبناءِ مشروعِها الحضاري الجامع، ويعيق جميع محاولات التغيير والإصلاح في الأمة الإسلامية.
أن من مفاسد التطبيع مع الكيان الصهيوني أنه يحقق مصالح عديدة لإيران منها: تلميعُ صورتها أمام الشعوب الإسلامية، وإظهارُها بأنها تقف في وجه الكيان الصهيوني وأنها تمثل صف المقاومة للمشروع الصهيوني، وهذا بحد ذاته يساعد إيران على الترويج للتشيع السياسي، بل ويبرر لها التدخل في بعض الدول السنية.
المحور الثالث: الرد على الشبهات التفصيلية المنبثقة عن شبهة تبرير التطبيع مع الاحتلال من أجل الوقوف في وجه الخطر الإيراني.
قال بعضهم: إن للشيعة من العقائد الكفرية ما لا يوجد عند اليهود ولا عند النصارى. وهذا قول باطل فالشيعة مهما وُجد عندهم من العقائد الكفرية سواء أكانت عند بعض فرقهم أو عندهم جميعا، فهي لا تصل بأي حال من الأحوال إلى كفر اليهود والنصارى، فهم على الأقل يشتركون مع أهل السنة بجملة من الأصول والتي منها على سبيل المثال لا الحصر القبلة والرسول والكتاب والصلاة والحج والصيام والزكاة وغيرها، أما اليهود والنصارى فهم لا يشتركون مع المسلمين بأي أصل من هذه الأصول.
ادعى بعضهم بأن مطامعَ الصهاينة محدودةٌ في أراضي المسلمين من النِّيل إلى الفرات، وأنهم لا يريدون نشر اليهودية، أما إيران فمطامِعُها أوسع من مطامع الصهاينة؛ لأنها تخطط للاستيلاء على العالم الإسلامي كله، وتحويل أهلِه إلى روافض. أقول هذا ادعاء باطل، وهي شبهة ناتجة عن فكر انهزامي استسلامي وكأن قائل هذه الشبهة قد سلّم لكل من لديه أطماع أو أحلام بأنه سيحقق أحلامه، ولو صح التسليم بهذه الشبهة فهنالك جهات أخرى تريد الاستيلاء على العالم الإسلامي كله وتريد هدم الكعبة مثل الهندوس على سبيل المثال، ثم ألم يستعمر الصليبيون الكثيرَ من بلاد العالم الإسلامي، ثم إن الادعاء بأن مطامعَ الصهاينة محدودةٌ في أراضي المسلمين منقوض بإقامة الصهاينة التطبيع والعلاقات مع عدد من دول القارة الإفريقية مع أنها خارج حدود هذه المطامع، ولِمَ يسيطر الصهاينة على القرار والاقتصاد والإعلام في الغرب والشرق، فالواقع المشاهَد يدل على أن أطماع الصهاينة لا حد لها وقد بين لنا الشارع الحكيم حقيقة أطماعهم وأنهم يريدون العلو في الأرض عموماً.
ادعى البعض بوجود مصلحة في عقد تحالف عسكري مع الكيان الصهيوني لكون الصهاينة يشتركون معنا في العداء للمشروع الإيراني ولكونهم أقدر على إقناع الغرب بالوقوف في حلف ضد المعسكر الإيراني، فأقول: إننا لو سلمنا بوجود مصلحة وإن كانت متوهمة في عقد تحالف عسكري مع الكيان الصهيوني للوقوف في وجه الخطر الإيراني، فإن هذا لا يبرر استباحة التطبيع، فالتطبيع ليس تحالفاً عسكرياً، وإنما هو موالاةٌ للصهاينة ونبذُ معاداتِهم وتغييرُ عقيدة الأمة، فأين هو التحالف من أجل دفع الخطر الإيراني في التطبيع الاقتصادي والرياضي والتعليمي والثقافي والزراعي والصناعي والإعلامي والفني والسياحي وغيرها من أشكال التطبيع المقيتة.
فانطلاقا مما سبق ذكره من مسلمات في دحض هذه الشبهة مع استحضار مفاسد التطبيع العظيمة على دين الأمة وثوابتها وحضارتها ومكتسباتها بالإضافة إلى الردود على ما احتوته هذه الشبهة من حجج واهية هزيلة يتبين لكل من لديه مُسكةٌ من عقل ضعفُ هذه الشبهة وضحالتُها وغباءُ المحتجين بها وجهالتُهم، بل هي لا تصل إلى مرتبة الشبهة فهي وَهمٌ محض، وحيلة شيطانية مما يوحي به شياطين الإنس والجن بعضهم إلى بعض.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المصدر
مركز معراج للبحوث والدراسات: د. محمد همام ملحم التصنيف.
اقرأ أيضا
التطبيع مع الصهاينة مظاهر وأحكام
من منكرات التطبيع مع اليهود؛ ولاية الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين
جدلية العلاقة بين إيران والغرب