محاولات غربية، عبر الفساق، لا تتوقف في إدخال جميع بقاع المسلمين الى حالة التغريب، والتركيز على التأثير الغربي عليها، وخاصة على من لم يزل فيه تمسك بدينه ونخوته وعفته كأهل اليمن الكرام.
مقدمة
“الهالوين” هو احتفال يُقام في عموم دول الكفر وكثير من الدول الإسلامية التي تسير في ركابها، وذلك في نهاية شهر أكتوبر من كلِّ عام، وهذا الاحتفال مرتبط بِعيدٍ للنصارى يُقال له “عيد جميع القدِّيسين” الذي يعقبه في اليوم التالي، وأصل “الهالوين” وثني من أعياد المشركين وعبَدة الشيطان، ويُسمَّى أيضًا “عيد الرعب”، ثُم تَم دمج عيد الرعب بـعيد القدِّيسين الذي يحتفل به النصارى..
وتشمل تقاليد عيد “الهالوين” على الخدع والتنكر في أزياء وأقنعة مرعبة فيما يسمى “زي الهالوين”، وقراءة القصص المخيفة عن جولات الأشباح في الليل، ومشاهدة أفلام الرعب، وزيارة المعالم السياحية المسكونة، وتزيين البيوت والشوارع باليقطين المزخرف بالأشكال المرعبة والمضاءة والألعاب المرعبة، وغير ذلك من أمور تُنسب للرعب. وقد أُنتجت الكثير من الأفلام عن الهالويين يغلب عليها ما يُسمَّى بأفلام الرعب والكوميديا السوداء، ومثلها أفلام كرتون للأطفال..
وعلى الرغم من أنَّ عيد “الهالوين” تحوَّل في مناطق مختلفة من العالم إلى احتفال تجاري وعلماني، فإنَّه لا تزال تمارس فيه الاحتفالات الدينية المسيحية بما في ذلك حضور الطقوس الكنسيَّة وإضاءة الشموع على قبور الموتى من الأقارب وغير ذلك..
ويُعتبر عيد الهالوين احتفالًا عالميًّا تُغلِق فيه الدوائر الرسمية في الدول الغربية وغيرها أبوابها للاحتفال به.
وقد اقتَحم عيد “الهالوين” على المسلمين ديارهم كما اقتحمها غيره من أعياد المشركين واليهود والنصارى، وقد كانت اليمن من أبعد الدول عن هذه الفتن لما لها من خصائص الإيمان والفطرة والمحافظة على التمسُّك بالدين في الجملة وعدم مسايرة الكفار..
وما زالت الهجمات إثرَ الهجمات على شعب اليمن المستهدف عالميًّا لتغيير هويته ونزع نخوة رجاله. ومن هذه الهجمات ما سمعناه قبل أيام قليلة من اعتزام جماعة مجهولة الاحتفال بـ “الهالوين” في تجمع مختلط من شباب وفتيات بلبس تنكري في مدينة “المكلا” نهاية هذا الأسبوع من الساعة التاسعة مساء وهي البلاد التي تقلُّ فيها التحركات من بعد صلاة العشاء حتى تكاد تنعدم في الساعة التاسعة التى يعتزمون بدء احتفالهم فيها..
بيان الحكم الشرعي وحجم المخالفة
ولبيان خطورة الأمر ومخالفته لشريعة الله ومقتضيات العقيدة؛ نقول وبالله التوفيق:
تحريم التشبه بالكافرين
المشاركة في الاحتفال بأعياد المشركين واليهود والنصارى وعموم الكفار ليست من ديننا الحنيف ولا تمت للإسلام بصلة، وما اقتفاء الكثير من المسلمين لخطى كفار الشرق والغرب بحثًا عمَّا يقلدونه إلَّا لضعف إيمانهم وتفريطًا منهم في دينهم ـ وهو أعزُّ ما عندهم..!
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع ذلك كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟». (1رواه البخاري (3456، 7320) ومسلم (2669)، ونحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه مرفوعًا؛ رواه البخاري (7319))
قال الحافظ ابن حجر:
“والذي يظهر أنَّ التخصيص إنَّما وقع لجُحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنَّهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لتبعوهم”. (2فتح الباري (6/ 498))
وأيُّ رداءة وضياع أعظم من مناسك الرعب التي ينسكونها في احتفال الهالوين..
فالهالوين وأشباهه من «الـمُرِّ» الوارد في حديث عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: «لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حُلْوَهَا وَمُرَّهَا». (3أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (38532)، وعزاه الحافظ في الفتح (13/ 301) للشافعي وصحح سنده)
وليت التقليد للغرب يكون في الأمور الإيجابيَّة المفيدة كالتقدُّم المادي والنظم الإبداعيَّة وما يحقق رفاهة المواطن والإنسان فيما لا يخالف الشريعة المطهَّرة..
شبهة التكسب، وعموم التحريم
وأمَّا شُبهة تحول هذه الأعياد إلى عادات وتجارات ومكاسب ولهْو؛ فهي أوهن من خيط العنكبوت؛ فمع كون ذلك من إضاعة المال؛ فالرسميات هي المتحكمة في تلك الاحتفالات، ومخالفتها تفقد الاحتفالات قيمتها عندهم، ولا تجد هذه الشُبهة إلَّا عند المسلمين ليخدعوا بها من بقي فيه مسكة من عقل وتفكير من أتباعهم، وسيأتي الردُّ على هذه الشُبهة فيما يلي..
ها هنا أصل عظيم يجب ألَّا يجهله أحد من المسلمين، وهو أنَّ موافقة الكفار والتشبه بهم منهي عنه باتفاق الأئمة، بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ فقال:
“الوجه الثالث في تقرير الإجماع: ما ذكره عامَّة علماء الإسلام من المتقدِّمين والأئمة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار أو مخالفة الأعاجم، وهو أكثر من أنْ يمكن استقصاؤه، وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلَّا وقد بلغه من ذلك طائفة، وهذا بعد التأمل والنظر يورث علمًا ضروريًّا باتفاق الأئمة على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم والأمر بمخالفتهم”. اهـ (4اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (ص133))
ومن أدلة هذا الأصل: حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». (5رواه أبو داود (4033) وغيره، وحسَّنه الحافظ في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6149)) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
“وهذا الحديث أقلُّ أحواله أنَّه يقتضي تحريم التشبُّه بهم، وإنْ كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾”… إلى أن قال:
“فهو يقتضي تحريم التشبُّه بهم بعلة كونه تشبُّهًا”. اهـ (6قتضاء الصراط المستقيم (ص83))
وهذا يعني تحريم التشبُّه بهم من أجل أنَّه تشبُّه لا لسبب آخر، فسواء كان المتشبَّه به منصوصًا على تحريمه في شرعنا أو لم يكن؛ فكونه تشبُّهًا يكفي بحدِّ ذاته لتحريمه.
أصل التعبد في الأعياد
وأمَّا شُبهة كونه من العادات، وأنَّه ليس من العبادات المختصَّة بالكفار، فالجواب كما ذكرنا من قبل أنَّ الرسميات ـ التي هي في حقيقتها مناسك لهم كما سنذكره عن شيخ الإسلام فيما يلي ـ هي المتحكِّمة في الاحتفالات، ومن ذلك ـ مثلًا ـ التزام الزي والقناع التنكري، واحترام الخصوصية ـ حسب تعبير دعوة حفل الهالوين في المكلا ـ واحترام الخصوصية تشتمل على المحافظة على تنكر وقناع الآخرين من الانكشاف.. إضافة لما فيه من تجمع مختلط لا يتوجه إليه إلَّا أهل الفسق والفجور والريب.
وحتى لو تخيلنا أنَّ عيد الهالوين، وأمثاله، ليس له أصل تعبدي عند الكفار؛ فنقول: عادات الكفار أيضًا داخلة في النهي عن التشبُّه بهم، لعموم الأدلة الواردة في النهي عن التشبُّه بهم، كما قال شيخ الإسلام:
“..مثل قوله صـلى الله عليه وسلم «مَنْ تَشبَّه بقومٍ فهو مِنهم» فإنَّ موجَب هذا تحريم التشبُّه بهم مطلقًا”. اهـ (7اقتضاء الصراط المستقيم (ص181))
ومما يدلُّ على ذلك أيضًا حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ». (8رواه البخاري (3462) ومسلم (2103))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، تعليقًا على هذا الحديث:
“…أمر بمخالفتهم؛ وذلك يقتضي أنْ يكون جنس مخالفتهم أمرًا مقصودًا للشارع لأنَّه إنْ كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط فهو لأجل ما فيه من المخالفة؛ فالمخالفة إمَّا علَّة مفردة، أو علَّة أخرى، أو بعض علَّة. وعلى جميع التقديرات تكون مأمورًا بها مطلوبة للشارع”. اهـ (9اقتضاء الصراط المستقيم (ص50))
ومما قاله شيخ الإسلام في أعياد المشركين:
“وأمَّا أعياد المشركين فجمعت الشُبهة والشَهوة، وهي باطل؛ إذ لا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى ألم، فصارت زورًا، وحضورها: شهودها.
وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرَّد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عملُ الزور لا مجرَّد شهوده”. اهـ (10اقتضاء الصراط المستقيم (ص183))
والمقصود بكونها زورًا، وبمدح ترك شهودها هو قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان:72]. وتأمل قوله رحمه الله:
“إذ لا منفعة فيها في الدين…”.
فما لا منفعة فيه في الدين فهو باطل يجب التحرُّز منه، لا سيما التجمعات التى لا تخلو من المخالفات ولا يأتيها أهل الخير والصلاح.
وقال شيخ الإسلام أيضًا:
“إنَّ الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج.
فإنَّ الموافقة في جميع العيد موافقةٌ في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر؛ بل الأعياد هي مِنْ أخصِّ ما تتميز به الشرائع ومِنْ أظهرِ ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخصِّ شرائع الكفر وأظهرِ شعائره؛ ولا ريب أنَّ الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه” اهـ (11اقتضاء الصراط المستقيم (ص208))
ومن فقه أئمة الإسلام في أعياد المشركين ما نقله شيخ الإسلام عن ابن حبيب المالكي رحمه الله تعالى:
“قال: وسُئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم فَكَرِهَ ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه.
وكَرِه ابن القاسم للمسلم أنْ يُهدي إلى النصراني شيئًا في عيدهم مكافأة له. ورآه من تعظيم عيده، وعونًا لهم على كفرهم. ألَّا ترى أنَّه لا يحل للمسلمين أنْ يبيعوا من النصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأنَّ ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أنْ ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلمه اختلف فيه.
فأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهته بل هو عندي أشدُّ. فهذا كله كلام ابن حبيب”. اهـ (12اقتضاء الصراط المستقيم (ص231))
خاتمة
وعلى ما أوضحنا؛ فينبغي لكلِّ ذي سلطان، والآباء والأمهات، والعلماء والمدرِّسين والوعَّاظ ونحوهم؛ أن ينهوا عن مثل تلك المخالفات والاحتفالات وما يصاحبها، وكلُّ راع مسؤول عن رعيَّته كما ثبت بذلك الحديث، ولأهل اليمن عبرة فيمن حولهم من الدول التي تولَّت الكفار واليهود والنصارى وتخلَّت عن الإسلام منذ زمن طويل؛ ففي أندية وفنادق ومسارح بعض تلك الدول ما يَبرأ إلى الله عزَّ وجلَّ منه كلُّ مسلم..
قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112].
نسألُ الله عزَّ وجلَّ أن يُجنِّبنا وعامَّة المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن.
…………………………………
الهوامش:
- رواه البخاري (3456، 7320) ومسلم (2669)، ونحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه مرفوعًا؛ رواه البخاري (7319).
- فتح الباري (6/ 498).
- أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (38532)، وعزاه الحافظ في الفتح (13/ 301) للشافعي وصحح سنده.
- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (ص133).
- رواه أبو داود (4033) وغيره، وحسَّنه الحافظ في الفتح (10/ 271)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6149).
- اقتضاء الصراط المستقيم (ص83).
- اقتضاء الصراط المستقيم (ص181).
- رواه البخاري (3462) ومسلم (2103).
- اقتضاء الصراط المستقيم (ص50).
- اقتضاء الصراط المستقيم (ص183).
- اقتضاء الصراط المستقيم (ص208).
- اقتضاء الصراط المستقيم (ص231).