يعجز الكُفر الظاهر ـ على خطره وضرره ـ في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام أن ينفرد بإحراز انتصار شامل عليها، ما لم يكن مسنوداً بالمنافقين من داخل أوطان المسلمين، يسارعون في ولاء الكفار، يمدونهم بالعون، ويخلصون لهم في النصيحة، ويزيلون من أمامهم العقبات.
تولي الكفار ومظاهرتهم وطاعتهم والتماس رضاهم بسخط الله عز وجل .
قال الله عز وجل: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 138- 139].
وقال عز وجل عنهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر:11] .
والأمثلة على هذه الموالاة والمحبة من منافقي زماننا للكفار لم تعد خافية على أحد، فألسنتهم وأقلامهم ومواقفهم تطفح بذلك دون حياء أو خجل.
هكذا يوالون الكفار اليوم
التعاون المباشر
– تعاون هؤلاء المنافقين الجدد مع أعداء الأمة من الدول الكافرة، وما علينا إلا الرجوع إلى بعض التقارير التابعة لبعض مراکز البحوث الغربية، التي تنادي بدعم هذه الفئة واستغلال أنشطتها ومنابرها لنشر الديمقراطية الغربية1(1) انظر مثلا: تقرير لمركز البحوث الأمريكي (راند) بعنوان: (الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والمصادر والاستراتيجيات)..
الولاءات البديلة عن الإسلام
– ومن ذلك محاولتهم تعطیل عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكفر وأهله، وإلغاء الحصر الذي جاء في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، بمصطلح (التعايش السلمي)، وهم لم يتعايشوا مع المسلمين سلميا إلى اليوم، ولن يتعايشوا معهم إلى آخر الزمان، ولكنهم أرادوا ذبح ضحاياهم وهم مستسلمون، ثم قذفوا بمصطلح (الآخر) بديلا للمسميات الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي الكافر والمنافق والمرتد والمبتدع، وظن كثير من الناس أن تلك المصطلحات المحدثة مجرد استعمالات لغوية مولدة، اقتضاها تطور اللغة الفكرية والصحفية ليس غير.
ولما رأى المنافقون أن هذه المصطلحات قد رسخت في أذهان كثير من الناس، وكثر استعمالها، وقل استنكارها واستغرابها بدءوا بالإلحاح على مضامينها، واستخراج معانيها، ودعوة الناس إلى لوازمها، فانبرى بعضهم إلى نفي الحقيقة المطلقة، ولازم ذلك نفي اليقين بالإسلام؛ لأنه في واقع الأمر حقيقة مطلقة، وآخرون منهم زعموا أن جميع الطرق توصل إلى الله تعالى، وأن الأديان يترك الفصل فيها إلى عدل الله يوم القيامة، وأنه لا يجوز الحكم على الكفار بالنار، بل لا يجوز إطلاق الكفر على اليهود والنصارى، ولا على من لم يؤمن بالإسلام إذا لم يحاربه، وزعم بعضهم أن من التشويه والتحريف لكلمة (لا إله إلا الله) القول باقتضائها الكفر بالطاغوت، ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها: لا معبود بحق إلا الله تعالى.
وفي هذه الأقوال الفاسدة ومثيلاتها إبطال لدين الإسلام، وتصحيح لكفر الكفار، وإفراغ لكلمة التوحيد من معانيها ولوازمها، ودعوة إلى اعتناق الإلحاد العلماني الغربي.
الترحيب بالمحتلين الغزاة
– ومن ذلك مباركة منافقي زماننا لغزو المحتلين لبلاد المسلمين وتأييدهم لذلك، فها هو أحدهم يبرر غزو أمريكا للعراق ويبين شرعيته، وأنه جاء للتحرير ورفع الظلم، وعليه فلا يجوز جهاد الأمريكان ولا الدفاع عن العراق2(2) صحيفة عكاظ تاریخ 23/1/1424.. بل طالب بالدعاء لهم بأن يمنح الأمريكان أطول مدة للبقاء في العراق، وأن يرزقهم الصبر والتحمل على ما يلاقونه من المتاعب والمشاق3(3) صحيفة عكاظ تاریخ 19/5/1424..
وها هو أحد رؤوس النفاق الليبرالي يعتب على أمريكا تقصيرها في تدخلها في تغريب مجتمعات المسلمين وإعلامهم، ويسدي لها النصائح في ذلك، حيث يقول:( لماذا لم تتقدم أمریکا بخطواتها الإعلامية المطلوبة والمفروضة، التي كان يمكن لها أن تحضر التربة العربية لزراعة ما تحاول أمريكا أن تزرعه الآن من خلال حملتها العسكرية على العراق… ولماذا لم تحفل ولم تستمع الإدارة الأمريكية لدعوة بعض المثقفين العرب الشجعان في ضرورة تدخلها في إعلام الدول العربية الرسمي، ومن هؤلاء المثقفين المفكر العفيف الأخضر)4(4) زوايا حرجة. شاكر النابلسي ص136..
ويقول فض الله فاه: (الليبراليون العرب هي الفئة الوحيدة في العالم العربي التي تشجع وتدعم وتبارك ما تم في العراق)5(5) (بالخط العريض) شاكر النابلسي ص81.، ويقول أيضا: (الليبراليون هم فدائيو الحرية، فهم الذين أيدوا غزو العراق منذ اللحظة الأولى)6(6) سجون بلا قضبان ص 32..
التطبيع مع الصهاينة
وهم يرون التطبيع مع اليهود في فلسطين وعدم التفكير في المقاومة والجهاد واحترام اتفاقيات السلام ، يقول شاكر النابلسي: (إن اتفاقيات السلام کاتفاقية كامب ديفد 1979 واتفاقية أوسلو 1993 واتفاقية وادي عربة 1994 يجب أن تصبح اتفاقيات شعبية بين الشعوب، بدلا من أن تكون اتفاقيات دول فقط)7(7) الليبراليون الجدد ص25.، ويقول أيضا: (إن إظهار المجتمع المدني العربي وخاصة من جانب الفنانين المثقفين والصحافين مشاعر ودية، إزاء الإسرائيليين يكسب المفاوض العربي ثقة الرأي العام الإسرائيلي)8(8) بالخط العريض ص 61..
خشية الدوائر
وعندما أصاب أمريكا الانهيار الاقتصادي الكبير، وفرح المسلمون بذلك، انبرى أحد المغرمين من القوم بحب أمريكا يتباكى على ما أصابها، ويدافع عنها، ويرى أن وجودها ضمانة حقيقة للأمن العالمي.
حيث يقول: (صحيح أن تراجع الاقتصاد الأمريكي قد يؤدي إلى ضمور النفوذ الأمريكي، وعدم قدرته على الفعل الحاسم خارج حدود أمريكا. قد يحدث هذا أو شيء من هذا القبيل، فيما لو حدث کساد حاد لكن هذا ليس في صالح أي من دول العالم التي تريد أن تعيش في سلام. فأمریکا برغم كل شيء وبرغم كل الأخطاء، هي في النهاية قوة إيجابية، وضمانة حقيقية للأمن العالمي، وبدونها قد ينهار نظام الأمن في العالم، فلا تستطيع الدول – باستثناء دولتين أو ثلاث – أن تضمن حدودها، ولا أن تحمي نفسها مما يشبه شريعة الغاب.
ما لا يريد أن يعترف به التقليديون والغوغائيون أن أمريكا هي أقل الإمبراطوريات عبر التاريخ إضرارا بالآخرين، وأن أخطاءها – برغم كل ما يقال – أقل بكثير من أخطاء الآخرين. بل إن العائد الإيجابي الأممي للقوة الأمريكية، يفوق كل ما قدمته الإمبراطوريات عبر التاريخ البشري كله، وهي حقائق يعرفها الجميع، ومع هذا يحنق عليها الجميع؛ لأن ضريبة النجاح والتفوق تفرض مثل هذا السلوك، وخاصة من قبل أولئك الفاشلين، الذين لا يملكون إلا جذوة الحسد السلبي، الذي نراه منهم في عبارات الشماتة الجوفاء)9(9) انظر جريدة الرياض العدد (14731) تاریخ 23/10/1429..
الاستهزاء بالعلماء والدعاة والتحريض عليهم
وها هو أحد الكتاب في بلاد الحرمين يسخر من المحتسبين الذين أنكروا فتح باب الابتعاث للمراهقين والمراهقات وتقرير الرياضة البدنية في مدارس البنات، ويبرر سخريته بأن هذا من شأنه أن يجعلنا سخرية للغرب المتحضر، حيث يقول: (لو أتيت باسترالي أو کندي أو بريطاني، وقلت له: إنا على خلاف في موضوع رياضة البنات لأمطرك بالسخرية والاستغراب)10(10) انظر جريدة عكاظ عدد (4680)..
ومما يدخل تحت موالاة الكفار وطاعتهم ما يقابل ذلك من عداء وبغض للمصلحين من المسلمين والشماتة بهم واستعداء الحكومات عليهم والفرح بما يصيبهم من الأذى، والحزن والغم عندما تحل بالمسلمين نعمة وخير ونصر. وهذا مصداق قول الله عز وجل في إخوانهم المنافقين السابقين: ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾ [التوبة: 50].
قال الشوكاني رحمه الله: (وهذا ذكر نوع آخر من خبث ضمائر المنافقين، وسوء أفعالهم، والإخبار بعظیم عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فإن المساءة بالحسنة، والفرح بالمصيبة، من أعظم ما يدل على أنهم في العداوة قد بلغوا الغاية)11(11) فتح القدير 2/ 420..
وها هم منافقو زماننا يستعدون الحكام على المصلحين، حيث يقول أحدهم عن المؤمنين المحتسبين: (لقد أفسد هؤلاء المحتشدون حياة الناس، وسمموها بفكرهم السافر. في هاشتاق «زيارة المشايخ لبيان خطر الابتعاث»، الذي وضعه المغردون، كتب أحدهم هذه العبارة قائلا: «إذا رأيتموهم يقادون إلى السجن ويجلدون، فاعلموا أن وطننا قام من كبوة الصحوة، وبدأ في تصحيح أموره»12(12) انظر المقال في جريدة الحياة العدد (12919) تاریخ 12/4/2014..
وها هي امرأة منهم تصف المحتسبين بالإرهاب، وتدعو إلى الضرب عليهم بيد من حديد، فتقول: (إن الواجب الوطني والأمني يحتم إعادة توجيه البوصلة، فمسيرة الإصلاح مسيرة لا تتم بالنوايا الحسنة، إنها مسيرة هدم وبناء في آن واحد، مسيرة تنهض بجهد تنظيم إداري، وبجرأة تغيير بنيوية ذهنية وتشريعية، وكما هي مسيرة تطور فهي مسيرة أمن ارتباطية، بمعنى لا يمكن أن توفر الأمن في بيئة حاضنة للتطرف والإرهاب، الإصلاح يتطلب العزم الجازم على اقتلاع كل أثر للمتطرفين فکریا ابتداء وأمنيا ارتباطا، فخطر الإرهابي يعتمل على البدايات الذهنية الباطلة، تلك الشعلة المتقدة لفرز مزيد من الإرهابيين المجرمين.
ختاما: لقد أسقط في يد المتطرفين، وأصبحت اعتراضاتهم مثار سخرية العالم أجمع، لكن الحقيقة التي علينا ألا نغفل عنها ثانية واحدة هي: (أن الرضوخ للمتطرفين بمثابة تسليم الوطن للإرهابيين) حمی الله وطننا بعنايته وحفظ مليكنا الصالح بحفظه وأدام عزه، ليقودنا بعزمه الصادق لعز بلادنا وإنسانه)13(13) انظر المقال في جريدة الرياض العدد (16733) تاریخ 17/4/2014..
الهوامش
(1) انظر مثلا: تقرير لمركز البحوث الأمريكي (راند) بعنوان: (الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والمصادر والاستراتيجيات).
(2) صحيفة عكاظ تاریخ 23/1/1424.
(3) صحيفة عكاظ تاریخ 19/5/1424.
(4) زوايا حرجة. شاكر النابلسي ص136.
(5) (بالخط العريض) شاكر النابلسي ص81.
(6) سجون بلا قضبان ص 32.
(7) الليبراليون الجدد ص25.
(8) بالخط العريض ص 61.
(9) انظر جريدة الرياض العدد (14731) تاریخ 23/10/1429.
(10) انظر جريدة عكاظ عدد (4680).
(11) فتح القدير 2/ 420.
(12) انظر المقال في جريدة الحياة العدد (12919) تاریخ 12/4/2014.
(13) انظر المقال في جريدة الرياض العدد (16733) تاریخ 17/4/2014.
اقرأ أيضا
الولاء والبراء على أساس العقيدة من هدي الأنبياء
حدود الولاء المكفر .. حفظا للأمة ومنعا للغلو
حكم مظاهرة الكفار على المسلمين إذا كانت للدنيا