الطغاة والإسلام صراع لا يُوفَّق بينهما

إن الدعاة الذين يفرون من حقائق الواقع حاولوا كل سبيل ليتجنبوا مواجهة الطغاة اليوم، فكان ماذا؟.. هل نجح منهم داعية في إصلاح طاغية؟

استحالة التوفيق بين الإسلام وأحكام الطغاة

لن يمكن التوفيق أبدا بين الإسلام وبين أحكام الطغاة.. فوالله إن الإسلام الذي جاء به محمد ليكرهه الطغاة ويحاربونه!!

ومن سيحاول التوفيق لن ينتهي إلا بانتقاص الإسلام وتحريفه ليوافق الطواغيت!!

سطوة السلطان وتأثيرها على العقول والنفوس

سطوة السلطان لها أثرها الغالب على النفوس والعقول، والواقع أن الناس يفكرون بمشاعرهم قبل أن يفكروا بعقولهم، والنفس حين ترى التكلفة المريرة لقول الحق تضغط على العقل أن يلتمس المخارج والتأويلات!!

والنادر من الناس هو من يعترف أنه ساكت عن الحق أو غير قادر على قوله، إنما يهرب المرء من عذاب ضميره بأن يلبس الباطل ثوب الحق، ويلبس الحق ثوب الباطل!

ثمن الدعوة والعلم: ورثة الأنبياء وحُرَّاس الدين

نعم، إن على الدعاة والعلماء ثمنا عظيما يدفعونه، مثلما رفعهم الله للمرتبة العظيمة، مرتبة ورثة الأنبياء.. فالدعوة والعلم ليست جاها ومالا وحب جماهير بغير تكاليف، وإنما ورثة الأنبياء قائمون على حراسة دينهم ومتعرضون في ذلك للبلايا..

ولكن، يجب في ذات الوقت أن يُقال أيضا، بأن الصادق مع نفسه يلزمه أن يُفَرِّق بين قول الداعية والعالِم المقهور تحت سلطان طاغية، وبين قول الذي يتمتع ببعض حرية وأمان.. فيأخذ من كلٍّ منهما ما يعرف أنه لم يتلبس بباطل!!

الجماهير بين الإحراج والتخلي: اختبار النصرة

ومثلما يكون في العلماء ضعفاء وخونة وأهل سوء، ففي الجماهير أيضا كذلك.. يسأل لا ليعرف بل ليُحرج، ويختبئ وراء كونه مغمورا ليريد من العالم والداعية الفتوى الاستشهادية، فإذا دفع العالم والداعية ثمن موقفه تركه بغير نصرة ولا حماية، وذهب يعاير بقية “الطلقاء” بأنهم لا يقولون الحق!!

البعض يسألك وكأنه يجهل الحق أو يجهل الطريق، أو كأنما استكمل استعداداته ولا ينتظر غير الفتوى.. بينما هو غارق في الأمن والبِطْنَة، متسكع على مواقع التواصل، لا يفعل غير الإحراج!!

منهج الأنبياء: المصادمة والمجابهة لا المساومة

ونعم، إن مناهج الأنبياء هي مصادمة أقوامهم، وماذا في سيرة الأنبياء غير مجابهة أقوامهم بما يُنكرون وينفرون منهم.. ثم ماذا في سيرة نبينا إلا أنه جاء بالحق ففرق قومه وسفه أحلامهم وعاب آلهتهم وفرق بين الولد وأبيه والرجل وأخيه، فمنهم من صار إلى الحق ومنهم من صار إلى الباطل.. ثم إنه قاتل بمن اتبعه من عصاه، حتى فتح الله عليه وحكم بينه وبين قومه، وراسل الملوك وقاد الجيوش!!

مقارنة غير عادلة: الحسن بن علي وواقع الدعاة اليوم

ولا يقاس فعل الحسن على فعل الدعاة اليوم.. فالحسن كان معه “كتائب أمثال الجبال” ثم فضَّل حقن دماء المسلمين فتنازل لمن هو دونه في الفضل عن الخلافة، وهذا الذي هو دونه كان جديرا بالخلافة قائما بحقها.. فأي شيء في واقعنا اليوم شبيه بهذا؟!

من في واقعنا اليوم شبيه الحسن الذي يملك أن يقاتل فنرجوه أن يتنازل لشبيه معاوية الذي يمكنه أن يقوم بالأمر على وجهه؟!!

إن الدعاة الذين يفرون من حقائق الواقع حاولوا كل سبيل ليتجنبوا مواجهة الطغاة اليوم، فكان ماذا؟.. هل نجح منهم داعية في إصلاح طاغية؟

ألا من أراد سلوك سبيل الحسن حقا، فليكن معه كتائب أمثال الجبال أولا.. فلئن وجد أمامه من هو شبيه معاوية فلينزل له عنها، وإن لم يجد فليقاتل بكتائبه في سبيل أمة الإسلام حتى يعتدل حالها؟!

أئمة المذاهب الأربعة: محنهم مع السلطان حتى في عصر القوة

وهؤلاء الأئمة الأربعة.. ما منهم واحدٌ إلا وكانت له محنة مع السلطان في زمنه، مع أن سلاطين زمانهم هم الذين كانوا يحكمون ما بين الصين وفرنسا.. وكانوا يجاهدون ويغزون ويقاتلون، فكانت الأمة في زمانهم القوة العظمى العالمية..

ومع ذلك فمشهور عن أبي حنيفة دعمه ثورة العباسيين، ومشهور عن مالك فتواه التي مآلها دعم ثورة النفس الزكية ومدحه عبد الرحمن الداخل عدو العباسيين، ومشهور عن أحمد وقفته أمام المأمون والمعتصم، وهما مجاهدان كبيران كانا يذرعان الأرض بين طوس وطرطوس وعمورية وأنقرة!

وكان في زمانهم غيرهم من الأئمة الذين ثاروا وقاتلوا حتى هؤلاء الخلفاء الكبار المجاهدين لما يرون أنه ظلم أو جور يبيح الخروج عليهم وعزلهم.. سواءٌ أصابوا في هذا أم أخطؤوا، وسواءٌ أصحت تقديراتهم أم أخفقت.. فالأمر مداره في الحقيقة على التقدير والتنزيل لا على الحكم والتأصيل.

واقعنا اليوم: طغاة لا يُقاس عليهم وكفر بواح لا يُنكر

نحن في زمان وفي حال وتحت حكم طغاة لا يمكن أن يُقاس عليها ولا عليهم ولا أن يُنزل عليها ولا عليهم فقه هؤلاء الأئمة.. ومن لم يكن يرى في بلادنا الكفر البواح الذي عنده فيه من الله برهان، فإنه أعمى لا يرى، أو خائف لا يريد أن يرى!

وقد يكون الخائف معذورا حقا، لكن نشر الغواية لا عذر فيه!

المصدر

صفحة الأستاذ محمد إلهامي، على منصة X.

اقرأ أيضا

هذا هو الطريق حتى لا نغالط أنفسنا

تكاليف الخضوع للطواغيت في ضوء قصة شعيب

منبع الشر الكبير: النظام والسلطة

التعليقات غير متاحة