إن تعظيمَ اللهِ تعالى لا يكونُ إلَّا بعدَ معرفةِ اللهِ سبحانه وتعالى بأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه ونعوتِ جلالِه، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِلَهَ إِلا اللَّهُ) [محمد:19]، فلا بدَّ من العلمِ والمعرفةِ، فهي النورُ الذي يضيءُ لك طريقَ التعظيمِ والإجلالِ.
الله ذو العظمةُ المطلقةُ والقدرةُ المطلقةُ
فاللهُ سبحانه وتعالى عظيمٌ في ذاتِه، عظيمٌ في أسمائِه، عظيمٌ في صفاتِه، عظيمٌ في ملكِه وسلطانِه، عظيمٌ في خلقِه وأمرِه، عظيمٌ في دينِه وشرعِه، عظيمٌ في علمِه وكلماتِه قال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف:109]، وقال: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان:27]، هذا علمُ الله تعالى فماذا عن قدرته؟ قال تعالى بعد هذه الآية: (مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [لقمان:28 – 31].
إنها العظمةُ المطلقةُ والقدرةُ المطلقةُ والعلوُّ المطلقُ، والجلالُ المطلقُ، والقهرُ المطلقُ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67].
أعرفُ الناسِ بالله أشدُّهم له تعظيمًا وإجلالًا
قال الإمامُ ابنُ القيمِ في ارتباطِ التعظيمِ بالمعرفةِ: (وهذه المنزلةُ ـ أي منزلةُ تعظيمِ الله عز وجل – تابعةٌ للمعرفةِ، فعلى قدرِ المعرفةِ يكونُ تعظيمُ الربِّ تعالى في القلبِ، وأعرفُ الناسِ به أشدُّهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذمَّ اللهُ تعالى من لم يعظِّمْهُ حقَّ عظمَتِهِ، ولا عَرَفَهُ حقَّ معرفتِهِ، ولا وَصَفَهُ حقَّ وصفِهِ، فقال تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13])1(1) مدارج السالكين (2/ 495)..
وقال أبو القاسمِ إسماعيلُ الأصبهانيُّ في صفةِ العظمةِ: (العظمةُ صفةٌ من صفاتِ اللهِ، لا يقومُ لها خلقٌ، واللهُ تعالى خلقَ بين الخلقِ عظمةً يعظّمُ بها بعضُهم بعضًا، فمن الناسِ من يعظَّم لمالٍ، ومنهم من يعظَّم لفضلٍ، ومنهم من يعظَّم لعلمٍ، ومنهم من يعظَّم لسلطانٍ، ومنهم من يعظَّم لجاهٍ، وكلُّ واحدٍ من الخلقِ إنما يعظَّمُ لمعنى دونَ معنىً واللهُ عز وجل يعظَّمُ في الأَحوالِ كلِّها، فينبغي لمن عَرَفَ حقَّ عظمةِ اللهِ أن لا يتكلمَ بكلمةٍ يكرهُها اللهُ، ولا يرتكبَ معصيةً لا يرضاها اللهُ، إذ هو القائمُ على كلِّ نفسٍ بما كسبتْ)2(2) الحجة في بيان المحجة (1/ 141، 142).، يشير بذلك رحمه اللهُ إلى أنَّ المعصيةَ تُضْعِفُ من تعظيمِ العبدِ لربِّه، وقد تذهبُ التعظيمَ من قلبِه بالكليةِ.
تعظيمُ الأمرِ والنهيِ
وهذا يدلُّ على أن أولَ مراتبِ التعظيمِ هي تعظيمُ الأمرِ والنهيِ، وقد ذكر ذلك ابنُ القيمِ فقال: «تعظيمُ الأمرِ والنهيِ هو ناشئٌ عن تعظيمِ الآمرِ الناهي فإن اللهَ تعالى ذمَّ من لا يعظِّمهُ ولا يعظِّمُ أمرَهُ ونهيَهُ، قال سبحانه وتعالى ـ: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13]، قالوا في تفسيرِها: ما لكم لا تخافونَ للهِ تعالى عظمةً.
وما أحسنَ ما قالَه شيخُ الإسلامِ في تعظيمِ الأمرِ والنهيِ: «هو ألا يُعَارَضَا بترخصٍ جافٍ، ولا يُعرَّضا لتشديدٍ غالٍ ولا يُحْمَلَا على علةٍ توهنُ الانقيادَ».
ومعنى كلامِه: أن أولَ مراتبِ تعظيمِ الحقِّ عز وجل: تعظيمُ أمرِه ونهيِه، وذلك لأن المؤمنَ يعرِفُ ربَّه عز وجل برسالتِه التي أرسلَ بها رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إلى كافةِ الناسِ، ومقتضاها: الانقيادُ لأمرِهِ ونهيهِ، وإنما يكونُ ذلك بتعظيمِ أمرِ اللهِ عز وجل واتباعِه، وتعظيمِ نهيِه واجتنابِه، فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه واجتنابه دالًّا على تعظيمِه لصاحبِ الأمرِ والنهيِ، ويكونُ بحسبِ هذا التعظيمِ من الأبرارِ المشهودِ لهم بالإيمانِ والتصديقِ وصحةِ العقيدةِ، والبراءةِ من النفاقِ الأكبرِ. فإن الرجلَ قد يتعَاطَى فعلَ الأمرِ لنظرِ الخلقِ وطلبِ المنزلةِ والجاهِ عندَهم، ويتَّقِي المناهِيَ خشيةَ سقوطِه من أعينِهم، وخشيةَ العقوباتِ الدنيويَّةِ من الحدودِ التي رتَّبَها الشارعُ على المناهِي، فهذا ليس فعلُه وتركه صادرًا عن تعظيمِ الأمرِ والنهيِ، ولا عن تعظيمِ الآمرِ الناهِي)3(3) الوابل الصيب (ص:17 – 18)..
الحمدُ من طرقِ تعظيمِ اللهِ تعالى
ومن الوسائلِ التي تُفضِي إلى تعظيمِ اللهِ تعالى وإجلالِه: كثرةُ حمدِه سبحانه وتعالى والثناءِ عليه سبحانه وشكرِه على نعمِه. وقدْ روى البخاريُّ عن أبي أمامةَ أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كانَ إذا رَفَعَ مائدتَه قال: «الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غيرَ مكفيٍّ، ولا مودَّعٍ، ولا مستغنَىً عنه»4(4) البخاري (5459)..
فالمعظِّمُ لربِّه عز وجل يعترفُ بقلبِه أنَّه لو أنفقَ جميعَ عمرِه في قيامِ الليلِ وصيامِ النهارِ ولم يَزَلْ لسانُه رطبًا بذكرِ اللهِ، فإنَّه لا يستطيعُ تأديةَ شكرِ نعمةٍ واحدةٍ منْ نعمِ اللهِ عليه. ومعَ ذلكَ فإنَّه يَجِبُ على العبدِ أن يَلْهَجَ بحمدِ اللهِ تعالى وشكرِه والثناءِ عليهِ وأن يقدِّمَ ذلكَ بين يَدَيْ دُعائِهِ وسؤالِه.
فإنَّ الحمدَ يتضمَّنُ مدحَ المحمودِ بصفاتِ كمالِه، ونعوتِ جلالِه، معَ محبَّتِه والرِّضَا عنه، والخضوعِ له. فلا يكونُ حامدًا من جَحَدَ صفاتِ المحمودِ، ولا من أعرضَ عن محبَّتِه والخضوعِ له. وكلَّما كانت صفاتُ كمالِ المحمودِ أكثرَ كان حمدُه أكملَ، وكلما نقصَ من صفاتِ كمالِه نقصَ من حمدِه بحَسَبِها. ولهذا كانَ الحمدُ كلُّه للهِ حمدًا لا يحصِيهِ سِوَاهُ، لكمالِ صفاتِه وكثرتِها. ولأجلِ هذا لا يُحْصِي أحدٌ من خلقِه ثناءً عليه، لما له من صفاتِ الكمالِ، ونعوتِ الجلالِ التي لا يحصِيها سِوَاهُ.
ومعلومٌ بالفِطَرِ والعقولِ السليمةِ والكُتُبِ السماويَّةِ: أنَّ فاقدَ صفاتِ الكمالِ لا يكونُ إلهًا، ولا مدبِّرًا، ولا ربًّا، بل هو مذمومٌ، معيبٌ ناقصٌ، ليسَ له الحمدُ، لا في الأولى ولا في الآخرةِ. وإنَّما الحمدُ في الأولى والآخرةِ لمن له صفاتُ الكمالِ، ونعوتُ الجلالِ، التي لأجلِها استحَقَّ الحمدَ.
وكذلكَ حمدُه لنفسِه على عدمِ اتِّخَاذِ الولدِ المتضمِّنِّ لكمالِ صَمَدِيَّتِه وغِنَاه وملكِه، وتعبيدِ كلِّ شيءٍ له. فاتِّخَاذُ الولدِ يُنَافِي ذلكَ، كما قال تعالى: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ) [يونس:68].
وحمدُ نفسِه على عدمِ الشريكِ، المتضمِّنِ تفرُّدِه بالربوبيَّةِ والإلهيَّةِ، وتوحُّدِه بصفاتِ الكمالِ التي لا يوصَفُ بها غيرُه، فيكونُ شريكًا له. فلو عَدِمَها لكانَ كلُّ موجودٍ أكملَ منه. لأنَّ الموجودَ أكملُ من المعدومِ. ولهذا لا يحمدُ نفسَه سبحانه بعدمٍ، إلا إذا كانَ متضمِّنًا لثبوتِ كمالٍ. كما حَمِدَ نفسَه بكونِه لا يموتُ لتضمُّنِه كمالَ حياتِه.
وحَمِدَ نفسَه بكونِه لا تأخُذُه سنةٌ ولا نومٌ، لتضمُّنِ ذلك كمالَ قيوميَّتِه.
وحَمِدَ نفسَه بأنَّه لا يعزُبُ عن علْمِهِ مثقالُ ذرةٍ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبرُ، لكمالِ علمِه وإحاطتِه.
وحَمِدَ نفسَه بأنَّه لا يظلِمُ أحدًا، لكمالِ عدلِه وإحسانِه.
وحَمِدَ نفسَه بأنَّه لا تدركُه الأبصارُ، لكمالِ عظمَتِه، يُرى ولا يُدْرَكُ، كما أنه يُعْلَمُ ولا يُحَاطُ به علمًا. فمجرَّدُ نفْيِ الرؤيةِ ليسَ بكمالٍ. لأنَّ العدمَ لا يُرى. فليسَ في كونِ الشيءٍ لا يُرَى كمالٌ ألبتةَ. وإنَّما الكمالُ في كونِه لا يحاطُ به رؤيةً ولا إدراكًا، لعظمَتِه في نفسِه، وتعلِّيهِ عن إدراكِ المخلوقِ له.
وكذلكَ حَمِدَ نفسَه بعدمِ الغفلةِ والنسيانِ، لكمالِ علمِه.
فكلُّ سَلْبٍ في القرآنِ حَمِدَ اللهُ به نفْسَه فلمضادَتِه لثبوتِ ضِدِّه، ولتضمُّنِه كمالَ ثبوتِ ضِدِّهِ.
فعلمت أنَّ حقيقةَ الحمدِ تابعةٌ لثبوتِ أوصافِ الكمالِ، وأنَّ نفيَها نفيٌ لحمدِه، ونفيُ الحمدِ مستلزمٌ لثبوتِ ضدِّه 5(5) مدارج السالكين (1/ 26)..
التفكرُ من طرقِ تعظيمِ اللهِ تعالى
فمن تعظيمِ اللهِ تباركَ وتعالى: التفكرُ في آياتِه وآلائِه وبديعِ صُنْعِه كما قالَ تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190 – 191].
قال ابنُ كثير رحمه الله: (ومعنى الآيةِ أن اللهَ تعالى يقولُ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي هذه في ارتفاعِها واتساعِها، وهذه في انخفاضِها وكثافَتِها واتضاعِها، وما فيها من الآياتِ المشاهَدَةِ العظيمةِ من كواكبَ سياراتٍ، وثوابتَ وبحارٍ وجبالٍ وقفارٍ وأشجارٍ ونباتٍ، وزروعٍ وثمارٍ، وحيوانٍ ومعادنَ، ومنافعَ مختلفةِ الألوانِ والروائحِ والطعومِ والخواصِّ، (وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي تعاقُبُهما وتقارضُهما الطولَ والقِصَرَ، فتارةً يطولُ هذا ويقصُرُ هذا، ثم يعتدلانِ ثم يأخذُ هذا من هذا فيطولُ الذي كان قصيرًا، ويقصُرُ الذي كانَ طويلًا. وكلُّ ذلك تقديرُ العزيزِ العليمِ، ولهذا قال تعالى: (لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) أي العقولِ التامةِ الذكيةِ التي تُدركُ الأشياءَ بحقائِقِها على جليَّاتِها، وليسُوا كالصُمِّ البُكْمِ الذين لا يعقلونَ، الذين قال الله فيهم: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف:105 – 106]، ثم وصف تعالى أولي الألباب، فقال: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ). كما ثبت في صحيحِ البخاريِّ عن عمرانَ بن حصينٍ: أن رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قال: «صلِّ قائمًا، فإن لم تستطعْ فقاعدًا، فإن لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ»6(6) رواه البخاري (1050)، وأبو داود (815). أي لا يقطعونَ ذكرَه في جميعِ أحوالِهم بسرائرِهم وضمائرِهم وألسنتِهم، (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي يفهمونَ ما فيهما من الحِكَمِ الدالةِ على عظمةِ الخالقِ وقدرتِه وعلمِه وحكمتِه واختيارِه ورحمتِه.
أقوال السلف في أهمية التفكر
وقال الشيخُ أبو سليمانَ الدارانيُّ: إني لأخرجُ من منزلي فما يقعُ بصري على شيءٍ إلا رأيتُ للهِ عليَّ فيه نعمةً ولي فيه عبرةٌ. رواه ابنُ أبي الدنيا في كتابِ التوكلِ والاعتبارِ.
وعن الحسنِ البصريِّ أنه قالَ: تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من قيامِ ليلةٍ، وقال الفضيلُ: قال الحسنُ: الفكرةُ مرآةٌ تريك حسناتِك وسيئاتِك.
وقال سفيانُ بن عيينةَ: الفكرةُ نورٌ يدخلُ قلبَك وربَّما تمثَّل بهذا البيتِ:
إذا المرءُ كانت له فكرةٌ … ففي كلِّ شيءٍ لهُ عبرةٌ
وعن عيسى عليه السلام أنه قال: «طُوبى لمن كانَ قيلُه تذكُّرًا وصمتُه تفكرًا، ونظرُه عِبَرًا».
قال لقمانُ الحكيمُ: «إن طولَ الوحدةِ ألهمُ للفكرةِ، وطولَ الفكرةِ دليلٌ على طرقِ بابِ الجنةِ».
وقال وهبُ بنُ منبهٍ: «ما طالت فكرةُ امريءٍ إلا فَهِمَ، ولا فَهِمَ امرؤٌ قطُّ إلا عَلِمَ، ولا عَلِمَ امرؤٌ قطُّ إلا عَمِلَ». وقال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ: «الكلامُ بذكرِ اللهِ عز وجل حسنٌ، والفكرةُ في نعمِ اللهِ أفضلُ العبادةِ».
وقال مغيثٌ الأسودُ: «زورُوا القبورَ كلَّ يومٍ تُفَكِّرُكم، وشاهدُوا الموقفَ بقلوبِكم، وانظرُوا إلى المنصرفِ بالفريقينِ إلى الجنةِ أو النارِ، وأشعِرُوا قلوبَكم وأبدانَكُم ذكرَ النارِ ومقامِعَها وأطباقَها».
وعنِ ابن عباسٍ أنه قال: «ركعتانِ مقتصدتانِ في تفكرٍ، خيرٌ من قيامِ ليلةٍ والقلبُ ساهٍ».
وقال بشرُ بنُ الحارثِ الحافي: «لو تفكَّر الناس في عظمةِ اللهِ تعالى لما عَصَوْهُ».
وقال الحسنُ عن عامرِ بنِ عبدِ قيسٍ: «سمعتُ غيرَ واحدٍ ولا اثنينِ ولا ثلاثةٍ من أصحابِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – يقولونَ: إن ضياءَ الإيمانِ أو نورَ الإيمانِ التفكُّرُ».
وقد ذم الله تعالى من لا يعتبرُ بمخلوقاتِه الدالةِ على ذاتِه وصفاتِه وشرعِه وقدرِه وآياتِه، فقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف:105 – 106]، ومدح عبادَه المؤمنينَ: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) قائلين: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً) أي ما خلقْتَ هذا الخلقَ عبثًا، بل بالحقِّ لتجْزِيَ الذين أساؤوا بما عمِلوا، وتجزي الذين أحسَنوا بالحسْنى، ثم نَزَّهُوهُ عن العبثِ وخلقِ الباطلِ، فقالوا: (سُبْحَانَكَ) أي عن أن تخلقَ شيئًا باطلًا (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أي يا من خلق الخلقَ بالحقِّ والعدلِ، يا من هو منزَّهٌ عن النقائصِ والعيبِ والعبثِ. قِنَا من عذابِ النارِ بحولِك وقوتِك وقَيِّضْنَا لأعمالٍ ترضَى بها عنا. ووفِّقْنَا لعملٍ صالحٍ تهدينا به إلى جناتِ النعيمِ، وتجيرنا به من عذابِك الأليم»7(7) تفسير ابن كثير (1/ 570 – 572) باختصار..
الهوامش
(1) مدارج السالكين (2/ 495).
(2) الحجة في بيان المحجة (1/ 141، 142).
(3) الوابل الصيب (ص:17 – 18).
(4) البخاري (5459).
(5) مدارج السالكين (1/ 26).
(6) رواه البخاري (1050)، وأبو داود (815).
(7) تفسير ابن كثير (1/ 570 – 572) باختصار.
المصدر
كتاب: تعظيم الله جل جلاله «تأملات وقصائد»، أحمد بن عثمان المزيد ص40-58.