فى سعيها لهدم وتفكيك الأسره المسلمة منظمة اليونيسيف دعت إلى رفع سن الزواج وحذرت من الزواج المبكر.
بدعم من منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة -وبالشراكة مع مركز (SOS) لتنمية قدرات الشباب، وغيرهما- اجتمع عدد من الأُمناء الشرعيين وأئمة المساجد في ورشة عمل بعدن قبل أيام لمناقشة ما أسموه: السن الآمن للزواج والأضرار الناتجة عن الزواج المبكر للقاصرات، وكان ذلك ضمن مشروع بعنوان: “لن أزوج طفلًا”…
وهدفت الورشة إلى رفع مستوى الوعي لدى الأُمناء الشرعيين والأباء والأمهات بخطورة زواج الأطفال والأضرار الجسدية والنفسية المترتبة عليه.
من أين تستمد منظمة اليونيسيف قوانينها
قد كان يكفي أي مشارك من المشاركين في تلك الفعالية أن يبحث -أو يسأل- عن منظمة اليونيسيف ليعلم حقيقتها؛ فتلك المنظمة المنبثقة عن الأمم المتحدة التي تستمد كافة قوانينها من غير شريعة الإسلام -بطبيعة الحال- بل وتعتبر الكثير من الأحكام الإسلامية أحكامًا قاسية منافية لحقوق الإنسان؛ وكأنها أعلم من رب العالمين الذي خلق الإنسان وهو أعلم بمن خلق ويعلم ما يصلح له، كما قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]. فلا يمكن للإنسان -الظلوم الجهول- أن يضع تشريعًا لعلاقة الجنسين مخالفًا لتشريع العليم الخبير، فالعقل البشري مهما كان ذكيًّا فهو قاصر جاهل..
ومما يعلم عن هذه المنظمة أنَّ سنَّ الطفولة وعدم التكليف في قوانينها يمتد حتى الثامنة عشرة؛ مما يعنى التغاضي والعفو عن جرائم القتل والزنا ونحوها طالما أنَّ مرتكبها لم يبلغ الثامنة عشرة حتى لو ظهرت عليه علامات البلوغ..
إنَّ قوانين اليونيسيف والأمم المخالفة للإسلام ظاهرة لا تخفى على أي متابع..
على من يقع عاتق مناقشة الزواج المبكر
إنَّ مسألة الزواج المبكر -وغيرها من مسائل الشريعة- لا يناقشها إلا الفقهاء الثقات الذين لا تُنفق عليهم تلك الجهات الإجرامية، ولا يؤيدون الأحكام الوضعية والمخالفة للشرع التي تتحكم في عامة الحكومات..
لم يحدد الشرع سنًّا معينة للنكاح، وقد ذكر الله تعالى عدة للبنات الصغيرات اللائي لم يحضن -سواء بسواء مع اللائي يئسن من المحيض-؛ قال تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: 4].
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: “﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ أي: الصغار اللائي لم يأتهنَّ الحيض بعد، والبالغات اللاتي لم يأتهنَّ حيض بالكلية، فإنهنَّ كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر”. اهـ 1[تفسير السعدي (ص 870)].
وقال ابن بطال: “قال المهلب: أجمع العلماء على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التى لا يوطأ مثلها لعموم الآية: ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: 4]، ويجوز نكاح من لم تحض من أول ما تخلق…”. اهـ 2[شرح صحيح البخارى (7/247)].
وقال ابن قدامة: “… قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ نِكَاحَ الْأَبِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ جَائِزٌ، إذَا زَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ، وَيَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا مَعَ كَرَاهِيَتِهَا وَامْتِنَاعِهَا.
هل حدّد الشرع سنًّا معينًا للنكاح؟
وَقَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ فَجَعَلَ لِلَّائِي لَمْ يَحِضْنَ عِدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا تَكُونُ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إلَّا مِنْ طَلَاقٍ فِي نِكَاحٍ أَوْ فَسْخٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَتَطْلُقُ، وَلَا إذْنَ لَهَا فَيُعْتَبَرُ…”. اهـ 3[المغني (14/428)].
وقد تزوج النبي صـلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنهـا وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع؛ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. 4[رواه البخاري ( 5134 )، ومسلم (1422)].
ويجب مراعاة البنت الصغيرة فلا يدخل الرجل بزوجته الصغيرة إلا إذا كانت ممن يطيق الجماع؛ قال النووي: “… وَأَمَّا وَقْتُ زِفَافِ الصَّغِيرَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالدُّخُولُ بِهَا فَإِنِ اتَّفَقَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ عَلَى شَيْءٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ عُمِلَ بِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ دُونَ غَيْرِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: حَدُّ ذَلِكَ أَنْ تُطِيقَ الْجِمَاعَ. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِهِنَّ وَلَا يُضْبَطُ بِسِنٍّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَحْدِيدٌ وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَطَاقَتْهُ قَبْلَ تِسْعٍ وَلَا الْإِذْنُ فيمن لَمْ تُطِقْهُ وَقَدْ بَلَغَتْ تِسْعًا. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وكانت عائشة قد شبت شبابًا حسنًا رضى الله عنها”. اهـ 5[شرح مسلم (9/206)].
ما هو الرأي المستحب عند العلماء لزواج القاصرات
ومع كل ما تقدم فالمستحب أن لا تزوج الفتيات إلا بعد البلوغ؛ قال النووي: “… وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: يستحب أنْ لَا يُزَوِّجَ الْأَبُ وَالْجَدُّ الْبِكْرَ حَتَّى تَبْلُغَ وَيَسْتَأْذِنُهَا لِئَلَّا يُوقِعَهَا فِي أَسْرِ الزَّوْجِ وَهِيَ كَارِهَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا يُخَالِفُ حديث عائشة لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا بالتأخير كحديث عائشة فيستحب تحصيل ذلك الزوج لِأَنَّ الْأَبَ مَأْمُورٌ بِمَصْلَحَةِ وَلَدِهِ فَلَا يُفَوِّتُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. اهـ 6[شرح مسلم (9/206)].
ونؤكد على أنَّ هذه المؤسسات الأممية بقوانينها تسعى إلى هدم الأسرة وتفكيكها وإشاعة الفواحش والجرائم في الأرض..
لماذا الزواج المبكر في الأسلام؟
ولذا نؤكد على الشباب، وأولياء الفتيات، أن يُبادروا بالزواج المبكر والتزويج تحصينًا للفروج، وتكثيرًا للنسل وتحصيلًا للمقاصد العظيمة التي جعلها الله في النكاح.. ومن أدلة ذلك قول النبي صـلى الله عليه وسلم « تزوَّجُوا فإني مُكاثِرٌ بكم الأممَ يومَ القيامةِ ولا تكونوا كرَهْبانيةِ النصارى ». 7[أخرجه البيهقي (13457) وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنـه، وذكره الألباني في الصحيحة (1782) وصححه في صحيح الجامع (2941)].
وعن معقل بن يسار رضي الله عنـه قال: جاء رجل إِلى النبي صـلى الله عليه وسلم فقال: إِني أصَبْتُ امرأة ذاتَ حَسَب وجمال، وإنها لا تَلِدُ أَفأَتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: «تزوجوا الودودَ الولودَ فإني مكاثرٌ بكم الأممَ ». 8[أخرجه أبو داود (2052) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2940). وروي أيضًا من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عمر مرفوعًا، وهو مخرج في آداب الزفاف (ص 53 – 54) والإرواء (1811)].
ودَخَلَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذَّةُ الْهَيْئَةِ فَسَأَلْتُهَا مَا شَانُكِ؟ فَقَالَت: زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لَهُ فَلَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا أَفَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ فَوَاللَّهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ». 9[رواه أحمد (25893) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة تحت الحديث رقم (1782)].
وعن الصنابح الأحمسي قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: «ألا إني فَرَطُكُمْ على الحوض وإني مُكَاثِرٌ بكم الأُمَمَ فلا تَقْتَتِلُنَّ بعدي». 10[رواه ابن ماجه (3944)، وأبو عوانة (4019)، وأحمد (19375) وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3187)].
وعن عائشة رضي الله عنهـا قالت: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: «النكاحُ من سنتي فمن لم يعملْ بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مُكاثِرٌ بكم الأممَ ومن كان ذا طَوْلٍ فلْيَنْكِحْ ومن لم يَجِدْ فعليه بالصومِ فإن الصومَ له وِجاءٌ ». 11[أخرجه ابن ماجه (1846)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2383)].
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود على زوجها؛ التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لا أذوق غمضًا حتى ترضى». 12[رواه النسائي في الكبرى (9094)، والطبراني في الكبير (12467) وغيرهما. وقواه الألباني في الصحيحة (287)، وحسنه في صحيح الجامع (2604) من حديث كعب بن عجرة].
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم -وهو على ناقته المخضرمة بعرفات-: « أتَدرونَ أيُّ يومٍ هذا، وأيُّ شَهْرٍ هذا، وأيُّ بلدٍ هذا؟ قالوا: هذا بلَدٌ حرامٌ، وشَهْرٌ حرامٌ، ويومٌ حرامٌ قالَ: ألا وإنَّ أموالَكُم، ودماءَكُم عليكُم حرامٌ، كحُرمةِ شَهْرِكُم هذا، في بلدِكُم هذا، في يومِكُم هذا، ألا وإنِّي فرطُكُم على الحوضِ، وأُكاثرُ بِكُمُ الأممَ، فلا تسوِّدوا وجهي، ألا وإنِّي مستَنقذٌ أُناسًا، ومُستنقَذٌ منِّي أُناسٌ، فأقولُ: يا ربِّ أُصَيْحابي؟ فيقولُ: إنَّكَ لا تَدري ما أحدثوا بعدَكَ ». 13[رواه ابن ماجه (3057) وغيره، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2481)].
أعزَّ الله تعالى عباده بالتزام شرعه المطهر..
هوامش
- [تفسير السعدي (ص 870)].
- [شرح صحيح البخارى (7/247)].
- [المغني (14/428)].
- [رواه البخاري ( 5134 )، ومسلم (1422)].
- [شرح مسلم (9/206)].
- [شرح مسلم (9/206)].
- [أخرجه البيهقي (13457) وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنـه، وذكره الألباني في الصحيحة (1782) وصححه في صحيح الجامع (2941)].
- [أخرجه أبو داود (2052) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2940). وروي أيضًا من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عمر مرفوعًا، وهو مخرج في آداب الزفاف (ص 53 – 54) والإرواء (1811)].
- [رواه أحمد (25893) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة تحت الحديث رقم (1782)].
- [رواه ابن ماجه (3944)، وأبو عوانة (4019)، وأحمد (19375) وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3187)].
- [أخرجه ابن ماجه (1846)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2383)].
- [رواه النسائي في الكبرى (9094)، والطبراني في الكبير (12467) وغيرهما. وقواه الألباني في الصحيحة (287)، وحسنه في صحيح الجامع (2604) من حديث كعب بن عجرة].
- [رواه ابن ماجه (3057) وغيره، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2481)].
اقرأ أيضا: