حدد الشرع أسهم الغنيمة والفيء والركاز وغيرها، وحدد مصارفها بدقة. كما حفظ أموال الناس وحرم أكل أموال الناس بالباطل. وأمر باتباع رسول الله وأصحابه.
مقدمة
أثارت جماعة الحوثيين فتنة ـ كانت متوقعة منذ استيلائهم على صنعاء ـ وهي تبني مذهب الرافضة في جباية الخُمس من كآفة ما يكتسبه الناس..
فقد أصدر الحوثيون قرارًا حول الزكاة يميزون فيه “بني هاشم” عن سائر اليمنيين وعموم المسلمين.
وحسب ما نُشر على المواقع الإخبارية، فقد أصدر ما يُسمى “رئيس المجلس السياسي الأعلى” مهدي المشاط، قرارًا بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة، مكونة من عدة أبواب وفصول في (38) صفحة..
مواد أثارت الفتن
ومن هذه المواد التي أثارت الفتنة:
جاء في الباب الثالث “الأموال التي تجب فيها الزكاة”، الفصل الثامن “ما يجب في الركاز والمعادن”، (ص 18).
المادة [47] (أ):
يجب الخُمس (20%) في الركاز والمعادن المستخرجة من باطن الأرض أو البحر أيًّا كانت حالتها الطبيعية جامدة أو سائلة كالذهب، الفضة، النحاس، الماس، العقيق، الزمرد، الفيروز، النفط، الغاز، القير، الماء، الملح، الزئبق، الأحجار، الكري، النيس، الرخام، وكل ما كان له قيمة من المعادن الأخرى.
الفقرة (ب):
يجب الخمس (20%) في كلِّ ما استخرج من البحر كالسمك واللؤلؤ والعنبر وغيره.
الفقرة (ج):
يجب الخمس (20%) في العسل إذا غنم من الشجر أو الكهوف.
الفقرة (د):
سيُصدر رئيس هيئة الزكاة بعد موافقة المجلس السياسي قرارًا بتنظيم عملية تقرير وتحصيل واحتساب زكاة الركاز والمعادن والمنتجات المائية.
وحددت المادة [48]، الفقرة (أ): مصارف ما يجب في الركاز والمعادن، وقسمته على (6) أسهم كالتالي:
السهم الأول: سهم لله. ويُصرف في مصالح المسلمين العامة كالطرق، المستشفيات، المدارس، أجور العاملين فيها، طباعة كتب العلم والمناهج الدراسية، وتحصين ثغور المسلمين جندًا وسلاحًا ومؤونة وغير ذلك من المصالح العامة التي لا يُراعى فيها جنس بعينه أو أشخاص بعينهم.
السهم الثاني: سهم الرسول. لولي الأمر، وله كل تصرف فيها.
السهم الثالث: لذوي القربى. من بني هاشم الذين حُرمت عليهم الصدقة فجعل الله لهم الخمس عوضًا عن الزكاة، والأوْلى أن تُصرف في فقرائهم.
السهم الرابع: يُصرف ليتامى المسلمين بمن فيهم يتامى بني هاشم.
السهم الخامس: يُصرف لعموم مساكين المسلمين بمن فيهم مساكين بني هاشم.
السهم السادس: يُصرف في مصرف ابن السبيل من بني هاشم أو من غيرهم من سائر المسلمين.
بيان التلبيس في هذه الأحكام
ونقول وبالله التوفيق:
هذه لائحة جائرة من لوائح الضرائب والرسوم المحرَّمة، الشائعة في عموم الأنظمة العلمانية، إلا أنَّ الحوثيين يحاولون إعطاءها صبغة دينية لتَرُوج على عامة الناس..
ولفظ “الخُمس” وارد في الكتاب والسنة؛ إلا أنَّ حقيقته غير ما يقوله هؤلاء الروافض..
الخمس المشروع
فالخُمس المشروع له ثلاثة مصادر تحديدًا:
الغنائم
قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: 41].
يقول الحافظ ابن كثير:
“…و”الغنيمة”: هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب. و”الفيء”: ما أُخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك. هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف.
ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة، والغنيمة على الفيء أيضًا…”. اهـ (1تفسير القرآن العظيم (4/ 59))
وفي هذه الآية بيان مصارف خمس الغنائم؛ قال النووي ـ شارحًا حديث فتح خيبر التي فتحت عنوة؛ لأنَّها كانت للغانمين:
“… وقوله: “يأخذ رسول الله صـلى الله عليه وسلم الخمس..” أي: يدفعه إلى مستحقه وهم الخمسة أصناف المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ…﴾ فيأخذ لنفسه خمسًا واحدًا من الخمس، ويصرف الأخماس الباقية من الخمس إلى الأصناف الأربعة الباقين”. اهـ (2شرح مسلم (10/ 212))
وقال السعدي:
“… ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ أي: وباقيه لكم أيها الغانمون، لأنَّه أضاف الغنيمة إليهم، وأخرج منها خُمسها. فدلَّ على أنَّ الباقي لهم، يُقسم على ما قسمه رسول اللّه صـلى الله عليه وسلم: للراجل سهم، وللفارس سهمان لفرسه، وسهم له.
وأمَّا هذا الخُمس، فيقسَّم خمسة أسهم، سهم لله ولرسوله، يُصرف في مصالح المسلمين العامة، من غير تعيين لمصلحة، لأنَّ الله جعله له ولرسوله، والله ورسوله غنيَّان عنه، فعُلم أنه لعباد الله. فإذا لم يعيِّن الله له مصرفًا، دلَّ على أنَّ مصرفه للمصالح العامة.
والخُمس الثاني: لذي القربى، وهم قرابة النبي صـلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب. وأضافه الله إلى القرابة دليلًا على أنَّ العلَّة فيه مجرد القرابة، فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم.
والخُمس الثالث: لليتامى، وهم الذين فقدوا آباؤهم وهم صغار، جعل الله لهم خُمس الخُمس رحمة بهم، حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم، وقد فقدوا من يقوم بمصالحهم.
والخمس الرابع: للمساكين، أي: المحتاجين الفقراء من صغار وكبار، ذكور وإناث.
والخمس الخامس: لابن السبيل، وهو الغريب المنقطع به في غير بلده…”. اهـ (3تيسير الكريم الرحمن (ص321))
فآل بيت النبي صـلى الله عليه وسلم لهم خُمس خُمس الغنائم التي تُكتسب بالجهاد الشرعي، الذي هو: جهاد الكفار لإعلاء كلمة الله.
الفيء
وقال تعالى: ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر:7].
قال السعدي:
“﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ أي: من أهل هذه القرية، وهم بنو النضير.
﴿فـ﴾ إنكم يا معشر المسلمين ﴿ما أَوْجَفْتُمْ﴾ أي: ما أجلبتم وأسرعتم وحشدتم، ﴿عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ﴾ أي: لم تتعبوا بتحصيلها، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم، بل قذف الله في قلوبهم الرعب، فأتتكم صفوًا عفوًا، ولهذا قال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من تمام قدرته أنَّه لا يمتنع منه ممتنع، ولا يتعزز من دونه قوي. وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء: هو ما أُخذ من مال الكفار بحق، من غير قتال، كهذا المال الذي فرُّوا وتركوه خوفًا من المسلمين، وسُمي فيئًا، لأنَّه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه.
وحكمه العام، كما ذكره الله في قوله: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ عمومًا، سواء أفاء الله في وقت رسوله أو بعده، لمن يتولى من بعده أمته.
﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ وهذه الآية نظير الآية التي في سورة الأنفال، في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾.
فهذا الفيء يُقسم خمسة أقسام:
خمس لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين العامة، وخمس لذوي القربى، وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، حيث كانوا يُسوَّى فيه بين، ذكورهم وإناثهم، وإنما دخل بنو المطلب في خُمس الخمس، مع بني هاشم، ولم يدخل بقية بني عبد مناف، لأنهم شاركوا بني هاشم في دخولهم الشعب، حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهم فنصروا رسول الله صـلى الله عليه وسلم، بخلاف غيرهم، ولهذا قال النبي صـلى الله عليه وسلم، في بني عبد المطلب: «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام».
وخمس لفقراء اليتامى، وهم: من لا أب له ولم يبلغ، وخمس للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، وهم الغرباء المنقطع بهم في غير أوطانهم.
وإنما قدَّر الله هذا التقدير، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين لـ ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً﴾ أي: مدوالة واختصاصًا ﴿بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ فإنَّه لو لم يقدره، لتداولته الأغنياء الأقوياء، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء، وفي ذلك من الفساد، ما لا يعلمه إلا الله، كما أنَّ في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر…”. اهـ (4انظر تيسير الكريم الرحمن (ص850))
الركاز
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «…وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». (5رواه البخاري (1499) ومسلم (1710))
و”الركاز” هنا هو: ما دفنه أهل الجاهلية من كنوز؛ قال ابن الأثير:
“الرِّكاز عند أهل الحِجاز: كُنوز الجاهلية المدْفونة في الأرض، وعند أهل العِراق: المعَادِن، والقَوْلان تَحْتَمِلُهما اللغة؛ لأنّ كلًّا مِنهما مَرْكوز في الأرض: أي ثابِت. يقال: رَكَزه يَرْكُزه رَكْزاً إذا دَفَنه، وأرْكَز الرجُل إذا وجَد الرِّكَاز. والحديث إنَّما جاء في التفسير الأوّل وهو الكَنز الجاهلي…”. اهـ (6النهاية (2/ 626))
وأمَّا الحكمة من فرض الخُمس في دفن أهل الجاهلية؛ فقد قال ابن الأثير:
“وإنما كان فيه الخُمس لكثرة نَفْعه وسُهولة أخْذه”. اهـ (7المصدر السابق)
وقال الحافظ ابن حجر:
“…وقيل: إنما جعل في الركاز الخمس؛ لأنَّه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه”. اهـ (8فتح الباري (3/ 365))
وأمَّا مصارفه؛ فقد قال ابن حجر:
“…واختلفوا في مصرفه؛ فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: مصرفه مصرف خمس الفيء. وهو اختيار المزني، وقال الشافعي ـ في أصح قوليه ـ مصرفه مصرف الزكاة. وعن أحمد روايتان، وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي؛ فعند الجمهور يخرج منه الخمس، وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء. واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال”. اهـ (9المصدر السابق)
فالذي يُعطاه آل البيت هو سهم ذوي القربى من خُمس الغنيمة ومن الفيء ومن الركاز، وهي جميعها من أموال الكفار لا من أموال المسلمين، وفي الموضوع تفاصيل وخلافات يراجع لها كتب الفقه..
فساد الحوثيين
والعجب لهؤلاء الحوثيين الرافضة الذين يزعم قادتهم ـ الذين يسمونهم القناديل، ويسمون من كان من أتباعهم من غير أهل البيت الزنابيل ـ كلَّ العجب لهم كيف يأكلون أموال الناس بالباطل ويأخذونها بغير حق وقد حرمت عليهم الصدقة التي تؤخذ بحق من المسلمين، وتأمل تكالبهم على الدنيا، وحرصهم عليها، وقارنه بما كان عليه رسول الله صـلى الله عليه وسلم من ترفُّع عن أموال الناس، وفيما يلي شيء يسير من ذلك:
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فَأَخَذَتْ سَمُرَةٌ [شجرة شوكية] بِرِدَائِهِ، فَقَالَ: «رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، تَخَافُونَ عَلَيَّ الْبُخْلَ، وَاللَّهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا». فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ قِسْمَةِ الْخُمُسِ أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْتَحِلُّهُ مِخْيَطًا أَوْ خِيَاطًا، فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ وَشَنَارٌ وَنَارٌ». ثُمَّ رَفَعَ وَبَرَةً مِنْ ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ: «مَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ». (10رواه سعيد بن منصور (2754) وغيره بسند حسن، وهو ثابت عن عدد من الصحابة؛ انظر الإرواء (1240))
وغنيٌّ عن البيان أنَّ هذا الخمس يُؤخذ من الكفار لا من المسلمين ـ كما تقدم.
وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كخ كخ». لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ». (11رواه البخاري (1491) ومسلم (1069))
وفي لفظ لمسلم:… فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»؟. وله أيضًا:«… أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ»؟
وكلمة: كخ كخ؛ يُزجر بها الصبيان عن المستقذرات.
قال النووي: “قوله صـلى الله عليه وسلم: «أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة» هذه اللفظة تُقال في الشيء الواضح التحريم ونحوه وإن لم يكن المخاطب عالـمًا به، وتقديره: عجب كيف خفى عليك هذا مع ظهور تحريم الزكاة على النبي صـلى الله عليه وسلم وعلى آله…”. اهـ (12شرح مسلم (7/ 175-176))
وعن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث قَالَ: اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: وَاللهِ، لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ ـ قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ ـ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ.
قَالَ فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَفْعَلَا، فَوَاللهِ، مَا هُوَ بِفَاعِلٍ، فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: وَاللهِ، مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا ـ أي: حسدًا ـ فَوَاللهِ، لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ، قَالَ عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا.
فَانْطَلَقَا، وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ، فَقُمْنَا عِنْدَهَا، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا، ثُمَّ قَالَ: «أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ».
ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَ: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ.
قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، قَالَ: وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ عَلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ ـ وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ ـ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ». قَالَ: فَجَاءَاهُ، فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: «أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ» ـ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ ـ فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: «أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ» ـ لِي ـ فَأَنْكَحَنِي. وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: «أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا». (13رواه مسلم (1072))
قال النووي:
“قوله صـلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» تنبيه على العلَّة في تحريمها على بني هاشم وبني المطلب وأنها لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ فهي كغُسَالة الأوساخ”. اهـ (14شرح مسلم (7/ 179))
وقال: “قوله صـلى الله عليه وسلم: «أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ» يحتمل أن يريد من سهم ذوي القربى من الخمس لأنهما من ذوي القربى، ويحتمل أن يريد من سهم النبي صـلى الله عليه وسلم من الخمس”. اهـ (15شرح مسلم (7/ 180))
وتحريم الزكاة على آل البيت إنَّما هو لما لهم من مصادر أخرى يمكن للمحتاج منهم الأخذ منها مثل ما قدمنا من خمس الغنائم والفيء والركاز، وغير ذلك كالهدية بطيب نفس ونحوها.
فإن مُنعوا حقوقهم من هذه المصادر، وكانوا فقراء محتاجين، جاز لهم الأخذ من الزكاة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
“…وبنو هاشم إذا مُنعوا من خُمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة، وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا، وقاله أبو يوسف والإصطخري من الشافعية؛ لأنَّه محل حاجة وضرورة”. اهـ (16الفتاوى الكبرى (5/ 374))
وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
“فإذا مُنعوا أو لم يوجد خُمس كما هو الشأن في وقتنا هذا؛ فإنهم يُعطَون من الزكاة دفعًا لضرورتهم إذا كانوا فقراء، وليس عندهم عمل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح”. اهـ (17الشرح الممتع (6/ 257))
وقد بيَّن الإمام الشوكاني في كتابه السيل الجرار، أنَّ إلزام الناس بدفع الخمس من أموال المسلمين لا دليل عليه، وهو أمر باطل، فقال، رحمه الله:
“اعلم أنَّ هذه الشريعة المطهرة وردت بعصمة أموال العباد، وأنَّه لا يحل شيء منها إلا بطيبةٍ من أنفسهم، وأنَّ خلاف ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وقد ثبت في الكتاب والسنة أنَّ الله سبحانه أحلَّ لعباده صيد البرِّ والبحر، فما صادوه منهما فهو حلال لهم داخل في أملاكهم كسائر ما أحلَّ الله لهم، فمن زعم أنَّ عليهم في هذا الصيد الحلال خُمسه أو أقلَّ أو أكثرَّ لم يقبل منه ذلك إلا بدليل يصلح لتخصيص الأدلة القاضية بعصمة أموال الناس، وينقل عن الأصل المعلوم بالضرورة الشرعية. ولم يكن ها هنا دليل قط”. اهـ (18السيل الجرار (2/ 93))
إنَّ لآل البيت مكانة في نفس كلِّ مسلم، وحبهم والتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بذلك دين وإيمان، متى ما كانوا متَّقين، ونسبُهم ثابت، وإنما الـمُستنكَر أن يستخدم بعضهم تلك القرابة من النبي، صلى الله عليه وسلم، مطيَّة لأكل أموال الناس بالباطل أو التمكن من مناصب بغير حق أو احتقار المسلمين والترفُّع عليهم بالباطل كتسميتهم بـ “الزنابيل”.
ومثل ذلك يقال عن غيرهم من المسؤولين الذي يفعلون مثل تلك الجرائم ويمارسون أسوأ أشكال الترفُّع والاستغلال ـ في المال والمناصب لذويهم وأتباعهم ـ ويحرمون شعوبهم من حقوقهم.
خاتمة
إنَّ تمسُّك المسلمين بثوابتهم الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع وما عليه الصحابة ـ وخصوصًا الخلفاء الراشدون الأربعة ـ هو السبيل لوحدة المسلمين وجمع كلمتهم، ونبذ وإزالة أسباب الفرقة من الجهل والتعصُّب والهوى، كما قال صـلى الله عليه وسلم: «…فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ». (19رواه الترمذي (2676) وقال: حسن صحيح)
وقال صلـى الله عليه وسلم: «…وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». (20رواه الترمذي (2641) وحسنه الألباني)
حفظ الله المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم في مشارق الأرض ومغاربها، إنَّه سميع قريب.
………………………..
الهوامش:
- تفسير القرآن العظيم (4/ 59).
- شرح مسلم (10/ 212).
- تيسير الكريم الرحمن (ص321).
- انظر تيسير الكريم الرحمن (ص850).
- رواه البخاري (1499) ومسلم (1710).
- النهاية (2/ 626).
- المصدر السابق.
- فتح الباري (3/ 365).
- المصدر السابق.
- رواه سعيد بن منصور (2754) وغيره بسند حسن، وهو ثابت عن عدد من الصحابة؛ انظر الإرواء (1240).
- رواه البخاري (1491) ومسلم (1069).
- شرح مسلم (7/ 175-176).
- رواه مسلم (1072).
- شرح مسلم (7/ 179).
- شرح مسلم (7/ 180).
- الفتاوى الكبرى (5/ 374).
- الشرح الممتع (6/ 257).
- السيل الجرار (2/ 93).
- رواه الترمذي (2676) وقال: حسن صحيح.
- رواه الترمذي (2641) وحسنه الألباني.