إن الله تعالى ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﻟﻘﺒﻠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺩﻳﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﺣﺪ والمسلمون ﺃﻣﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. الخ.
ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺗﻌﺪﺩ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻛﻤﺎ في ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﺃﺣﺒﺎﺭ ﻣﻌﺒﻮﺩﻭﻥ ﻭﺍﺳﺘﻨﺼﺎﺡ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ في ﺩﻳﻦ ﷲ، ﺃﻭ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ ﺷﺮﻉ ﷲ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺗﺜﻠﻴﺚ ﻛﺎﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻭﻻ ﻳﺸﺮﻉ ﻋﻠﻤﺎﺅﻩ ﺷﻴﺌﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺮﻉ ﺍﻷﺣﺒﺎﺭ ﻭﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ.
خصائص وسمات الحضارة الإسلامية
الميزة الثانية: أنها حضارة توحيدية
فالله تعالى واحد والرسول واحد والقبلة واحدة والقرآن واحد، ودين الأنبياء واحد والمسلمون أمة واحدة وحكمة الوجود واحدة.. إلخ.
والإسلام دين التوحيد وليس فيه تعدد، وليس فيه كما في اليهودية أحبار معبودون واستنصاح للرجال في دين الله، أو اصطلاح على خلاف شرع الله، وليس فيه تثليث كالنصرانية، ولا يشرع علماؤه شيئا كما يشرع الأحبار والرهبان.
وكلمة التوحيد هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولو كان المسلمون يعرفون قدرها ووزنها، ما فضلوا الكافر الأشقر أو الكافرة الشقراء على المسلم الأسود أو المسلمة السوداء!
والتوحيد في الإسلام حقيقة كبرى لا يحققها الإنسان إلا بتحقيق الإخلاص ظاهرا وباطنا، فالإيمان واجب ظاهرا وباطنا، والإثم يجب تركه ظاهرا وباطنا، قال تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) [الأنعام: ١٢٠]، والشكليات والشعارات لا تنفع عند الله (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [البقرة: 167] و(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا) [الحج: ٣٧]، أما الحضارة الغربية فهي طلاء تختفي تحته الوثنية الكامنة.
والروح الوثنية التي تتشبع بها الحضارة المعاصرة كانت لدى مشركي اليونان وورثها عنهم مشركو الرومان وورثتها الإمبراطورية الأمريكية عن الإمبراطورية الرومانية.. وهكذا.
الوثنية أرباب متفرقة
وجعل أولئك الوثنيون لكل شيء ربا أو ربة، فللنار رب “بروميثوس”، وللخمر رب “ماخوس” وللخصب رب “أدونيس”، وللجمال رب “فينوس”، وللشتاء رب “تموز”، وللسماء رب “أبولو”، وللشعر رب وهكذا، ويتضرعون إلى أربابهم كما تضرع الشاعر الانجليزي “ملتون” إلى ربة الشعر في مطلع قصيدته “الفردوس المفقود”.
ولما أنكر عليهم سقراط تعدد الأرباب سقوه السم.
وكانت الفراعنة ومن بعدهم على التثليث وتبعهم الروم، وادعى أولئك المشركون أن الله اتخذ ولدا وصاحبة تعالى الله عما يشركون، وورث منهم ذلك النصارى ومشركو العرب في الجاهلية، وعليه ملايين الأمريكيين اليوم وهذا من قياس الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد على تلك الأوثان.
وفي التاريخ الحديث ظهرت نظريات وثنية كثيرة مثل النظرية المادية، والنظرية الأثيرية، ونظرية التطور العضوي، ونظرية المصادفة!!
وليس في الإسلام دوائر منفصلة ولا تقسيم للنفس الإنسانية، فالإسلام يوحد بين الروح والمادة، وبين العقل والنقل، وبين التجربة والفكر، وبين الزهد وجمع المال، وبين النظافة والبذاذة، وبين الدنيا والآخرة، وبين الحقوق والواجبات، وبين الحرية والعبودية، وبين السياسة والأخلاق، وبين القوة والرحمة، وبين الكرم والاقتصاد، وبين الشهوة والعفة، وبين عمل المرأة وحجابها، وبين الإنسان والطبيعة، وبين بر الوالدين ومعصيتهما إذا خالفا الدين، وبين طاعة الملوك في الطاعة ومعصيتهم في المعصية، وبين ما لله وما لقيصر، وبين حق الله وحق عباده، وبين المحسوس والغيب.
ومن كلمات “هوايتهد” المشهورة: (إن مشكلة الإنسان العويصة هي تجزئة الطبيعة).
وهذا الشرك أنكره نبي الله يوسف عليه السلام الذي هو قبل كل بني إسرائيل، وقبل كل أنبيائهم كموسى وداود وسليمان، وإنما أخذ أرسطو عن زنادقة أهل الكتاب بعد سليمان عليه السلام.
وهذه الوثنية والشرك والنزول بالتصورات الإلهية إلى درك المشابهة للبشر، تجدها حتى عند من يسمون علماء الفيزياء المعاصرون حيث آمنوا بما يسمونه خوذة الإله أو خوذة الرب تعالى الله عما يشركون.
وبالتوحيد يكون الإنسان سلما لله لا شريك له، وبغيره يكون فيه شركاء متشاكسون، ولا علمانية في الإسلام أو فصل بين الدين والسياسة.
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
وهكذا خسر العالم الشيء الكثير بانحطاط المسلمين، كما ذكر الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله، ولو لم يخسر إلا القيم والأخلاق لكفاه، وإذا أراد العالم أن يتجاوز أزماته الكثيرة فليسلم لله وليتبع كتابه، وبغير ذلك لا يصلح الناس أبدا، قال الإمام مالك رحمه الله: “لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”، وإذا صلح المسلمون صلح العالم كله.
ومتي آمنت البشرية بأن الله واحد، وأن الشيطان واحد، آمنت أيضا بأن النفس البشرية واحدة يفلح من يزكيها ويخيب من يدسيها.
وبالتوحيد يتحقق الإخلاص، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162 -163].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة).
قال أبو العالية الرياحي: “أسس دين الإسلام على الإخلاص”.
وقال سهل بن عبد الله التستري: “الإخلاص أن تكون حركاته وسكناته لله وحده”.
وقال تعالى عن المشركين وأهل الكتاب: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة:5].
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ) [الزمر: ١٤-١٥].
وبه تتطهر النفوس من أدران الشرك والرياء والعمل للدنيا.
المصدر
كتاب: “المسلمون والحضارة الغربية” للشيخ سفر الحوالي ص 150 – 154.
اقرأ أيضا
من خصائص الحضارة الإسلامية: أنها تقوم على الحجة والبرهان
بين الحضارة النيّرة والحضارة ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ المظلمة .. مختارات من “المسلمون والحضارة الغربية” (9)