إنما تكتمل إنسانيتك بتمام حرّيتك… وإن كنت تعرف الإسلام العظيم كما أُنزل، لم يشوّش عليك هذه القاعدة ضرورة كونك عبدا لله تعالى، فإنّ تمام حرّيتك، ألا يستعبد غير خالقك العظيم … سبحانه وبحمده..

الحرية سلاح.. لماذا يملكه الغربيون ويُحرم منه العرب؟

الأمر الوحيد الذي شجّع الشاب المصري بل سمح له بغلق السفارة المصرية على السفير ومن معه داخلها، هو وجوده في دولة ” حريات “، وأغلب الظنّ أنّه يحمل جنسيتها التي تحميه من بطش المستبدين في بلده مثلما أنقذت الجنسية الأمريكية محمد صلاح سلطان من سجون السيسي، وأبقت الجنسية المصرية والده يذوب داخل زنزانته…

وأنت ترى مشاهد التضامن ” اليساري ” و ” الليبرالي ” في أوربا وأمريكا مع القضية الأمريكية، وخروج سيول بشرية من دافعي الضرائب تضغط على حكوماتها لأجل منع تعاونها مع الاحتلال فتضطر الكثير من الحكومات إلى تعليق العلاقات أو المطالبة على الأقل بإيقاف الحرب أو التنديد بجرائم اليمين الصه‍يوني – تسكينا لشعوبها – … حينئذ تدرك أنّ أوّل أعداء شعوب القطعة الجنوبية من الكوكب، هو الاستبداد، وغياب أدنى مستويات الحرية التي تمكّنهم على الأقل من الصراخ مثلما يصرخ اليساريون من غير أبناء ملتهم …

حين يكون ‘الاستبداد’ هو العدو الأول.. قبل الاحتلال!

ليس شيء أكثر ضررا على القائلين بالحق والحاملين له، من سيف المستبد أو عصاه وسجنه وأدواته، ليس أمر أعدى للإسلام نفسه من الاستبداد الذي لا يرضى في الآمرية شريكا، وقد انتبه العلماء لهذا الشأن وهم يشرحون سبب اقبال الناس على الإسلام بعد صلح الحديبية حتى اعتنقه – رغبة فيه – في عام الصلح أضعاف من دخله قبله، قال الإمام الزهري: ” فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية… فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس، التقوا وتفاوضوا الحديث، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا في تلك المدة إلا دخله ” … تأمّل: تفاوضوا الحديث من غير خوف أحد على نفسه…

وأجلى من ذلك بيانا، قول الحافظ ابن حجر : ” إن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وظهر من كان يخفي إسلامه، وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم جهرة آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم إلا خفية، فذلّ المشركون من حيث أرادوا العزّة، وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة ” .

فتأمل هذا التفسير البديع وألمع النظر فيه، ثم قس الأشباه، لتدرك أن لا خشية من ” الحرية ” مأمونة الأطراف، إنما الخوف من الاستبداد… الحرية دائما في صالح العقل والفطرة والإسلام رافدهما، أمّا الاستبداد وإن تدثّر بخطابات الهوية ومفردات اليمين التي تفتن كثيرا من المتديّنين، فإنما هو مثبّت نفسه لا غير …

الاستبداد والانحطاط: كيف يفقد الإنسان إنسانيته؟

قبل أن تنام حاول أن تفهم كون هذه المشاهد من مظاهرة في تل أبيب ضد خطة التجويع…

حتى تفهم ذلك، عليك أن تدرك أنّ الحرية عضو في مُركّب الإنسان، ما ازداد المرء حرية إلا ازداد إنسانية وما قيدت حريته إلا سلبه ذلك من إنسانيته ما يوقفه على طريق الحَيونة حتى يكتمل حيوانا ليس معه من إنسانيته سوى الصورة الآدمية …

تأمّل أحوال الاستبداد ولن تُخطئ تجليات الاقتران السببي بينه وبين هدر الطاقات البشرية وحصرها فيما يختار لها المستبد حتى يبلغ بها الحيوانية المحضة…

ألست ترى ملياري مسلم منهم مئات الملايين تحيط بالقطعة السليبة؟ أين هذه الطاقات الطوفانية؟ ما سبب ترويضها غير الاستبداد؟

إنما تكتمل إنسانيتك بتمام حرّيتك… وإن كنت تعرف الإسلام العظيم كما أُنزل، لم يشوّش عليك هذه القاعدة ضرورة كونك عبدا لله تعالى، فإنّ تمام حرّيتك، ألا يستعبد غير خالقك العظيم … سبحانه وبحمده..

المصدر

صفحة الأستاذ أبو عبد الرزاق فتح الله، على منصة ميتا.

اقرأ أيضا

تحطيم الأصنام أولى طرق التحرر

من هو الحر..؟ وما حقيقة الحرية..؟

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

التعليقات غير متاحة