في كتاب الله شفاء لأمراض الفرد والأمة. والناس في أشد الحاجة لهذا الدواء وإلا هلكوا في الآخرة، وبه أيضا تصلح دنياهم. وهذا الاستشفاء واجب، وله شروطه ومأخذه.
الحاجة للاستشفاء
الأمراض والأدواء التي يعاني منها الفرد والأمة كثيرة..
يهلك الانسان بها وقد تسبب له كروبا شديدة في الآخرة، أو الهلكة في عذاب الله مع استيجابها لسخطه تعالى، وتتأثر الأمم بشيوع الأمراض المهلكة فيها حتى تهددها بالهزيمة ثم الاضمحلال والفناء. وفي كتاب الله الدواء الناجع. أخبرنا بهذا رب العالمين سبحانه.
عدم الصدق داء، افتقاد الإخلاص داء، استيلاء الشهوة على القلب بحيث تكون هي الدافعة والمحركة بل والمانعة من الهُدى داء، الإمعية والتبعية داء، ضعف النفس وعدم القدرة على اتخاذ القرار وعلى المبادأة داء، البخل داء، الاستضعاف والاستذلال للغير داء .
الاستخفاف بمعنى الحَمل على الخفة والسير في ركاب الجموع وعدم التفكير بمدى صحة ما عليه الجموع داء ..
إلغاء الإرادة وافتقادها بل والتهرب من مسئوليتها داء.
عدم الموضوعية داء، الانبطاح للمستقوي المبطِل مع العلم ببطلانه داء.
التخلي عن الحق وإضاعته والتعمية عليه وصرف أنظار الناس عنه داء .
الركون إلى الدنيا وعدم القلق منها وعدم الانزعاج منها نحو الآخرة داء، عدم الاهتمام بالدين أصلاً داء.
هي أدواء كُثْر؛ فعجبًا لمن لم يطلب شفاء هذا في الكتاب العزيز، وأعجب من ذلك من يخفيها ويكابر، وأعجب منهما من يجهلها، وأعجب وأعجب من لا يهمه الأمر!!!.
هذا الكتاب شفاء
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 57 – 58)، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً﴾ (الإسراء: 82)، ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ (فصلت: 44).
ومن يعقل هذا عن ربه ويصدقه فلابد أن يُعقبه بموجَبه، وهو أن يطلب شفاء مرضه في كتاب الله تعالى.
فهل نحن مرضى؟ وهل نحتاج إلى الاستشفاء؟
للإجابة لا بد أن نعرف حقيقة نفوسنا.
يقول تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ (الأحزاب: 72)، والظلم جاء على وجه المبالغة ﴿ظَلُوماً﴾، والجهل جاء على وجه المبالغة ﴿جَهُولاً﴾. وهي صفات لازمة للإنسان لا تنفك عنه.
ففي جانب العلوم والتصورات والإدراكات فالانسان جاهل .. بل جهول.
وفي جانب الإرادات والعمل هو ظالم .. بل ظلوم
ومن عرف نفسه عرف هذا، ومن لم يعرف هذا عن نفسه فلم يعرفها. وقد عرّفها له ربه فليعرفها إذًا.
من أجل انتفاء الجهل
فالإنسان الجاهل بل الجهول يحتاج إلى ربه ويفتقر اليه أن يعلّمه .. فهو محتاج إلى العلم يداوي به جهله وفي هذا جاء الحديث: «هلا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال»، «ألم يكن شفاء العي السؤال» (1).
فنص عليه الصلاة والسلام على الاستشفاء من الجهل بالعلم وكان هذا في مسألة بعينها، وهو مستند إلى القاعدة المذكورة في القرآن بأن الأصل هو الجهل حتى يُعَلّمه الله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ (البقرة: 282).
وفي هذا جاءت المنّة: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (آل عمران: 164).
وهذا ما سأله إبراهيم وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ (البقرة: 129)، فالتعليم من أعظم ما يسأله العبد ربه: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ (طه: 114)، وهو محتاج إليه دائمًا.
وهذا الجانب مطروح للخلق وقد ضمن الله تعالى لأصول هذا الدين الحفظ .. ومَن طلبها من بابها، يريد معرفة ما أنزل الله وما كان عليه رسول الله وصحبه من الفَهم والعمل؛ وجده: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69)، وقد جاء في حديث علي رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَلِ الله تعالى الهدى والسداد، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، واذكر بالسداد تسديدك السهم». (2)
من أجل انتفاء الظلم
الجانب الآخر هو جانب الإرادات والأعمال، وضبطها واستقامتها لما يُصلح العبد وينفعه في الآخرة، وتجري أموره على استقامة في الدنيا.
وهو أمر محوري يحتاج إلى الكثير من الاستشفاء لكثرة الأمراض وكثرة الانحرافات ولالتواء النفوس كثيرًا عن الاستقامة، وهذا ما يُهمَل كثيرًا، وُيحصر الاستشفاء بالقرآن في جانب ضيق جدًا ومحدود من الرقية ـ وإن كانت حقًا ـ لكن الأصل العظيم الذي نزل من أجله القرآن أنه كما نزل بالعلوم الرافعة للجهل والحقائق الموضحة لما لا يعلمه الإنسان ويحتاجه لصلاح حاله؛ فكذلك نزل بشفاء الإرادات وصلاحها لتطلب ربها سبحانه وتعالى؛ فيرفع بذلك ظلمها.
وإضافة إلى صلاح الإرادات فإنه يطلب كذلك صلاح الشخصيات المنحرفة، والأخلاق المنحرفة، والميول المنحرفة.
مأخذ الاستشفاء بهذا الكتاب
وأصل هذا الباب هو أمران:
1- الصدق والوضوح في معرفة النفس وعيوبها.
2- طلَب علاج النفس في القرآن تعبدًا لله وثقة بكتابه وأنه لن يشفيه شيء كما سيشفيه كتاب رب العالمين.
ونقصد بالصدق أن يعرف الإنسان منا مرضه ويواجه نفسه بعيبه؛ فإن ادّعى أنه لا عيب فيه فهو مراوغ يخدع نفسه.
والمخُوف هو نزولنا قبورنا بأمراض تهكلنا هناك وتهلكنا يوم القيامة؛ فلماذا نسكت على أمراض تغضب الله منا وتهلكنا يوم القيامة وبيدنا علاجُها، ويكون الدافع للسكوت عن العلاج هو المكابرة أو الانصراف وعدم الاهتمام وعدم الشعور بالخطر.
إصابة الأمة بأمراض قاتلة
كذلك فإن بعض هذه الأمراض تعاني منها أمة بأكملها، وتؤثر اليوم في مسيرة الأمة واستمرار أوضاع مذلتها.
حتى إن علمَت ما تجهل من حقائق الدين التي غابت عنها بفعل الأوضاع السيئة؛ فالعلوم والمفاهيم الصحيحة وحدها قد لا تغيرها بل ولا تحرك فيها ساكنًا لانحراف الميول وتهرّؤ الشخصيات التي لعب بها الاستخفاف وأفسد خامتها!.
والمقصد من هذا المأخذ هو التنبيه على هذا الكنز الذي أنزله الله وأمر عباده أن يستشفوا من أمراضهم به، ومعرفته والمضي فيه.
متى يفتح القرآن لك كنوزه ؟
ثمة أمراض نعاني منها اليوم؛ لكن الأمراض بطبيعتها لا تنتهي فلهذا لا غناء عن هذا المأخذ .. ولا بد من التمسك به سواء كان فردًا صادقًا يريد أن يربي نفسه، أو مجموعات تريد أن تغير الصورة الجماعية للأمة، أو توجيه عام للأمة كلها لإصلاح ما بها من خلل.
إنك قد تقرأ الآية، ويكون تأثيرها عليك ضعيفًا ولا تلتفت إلى ما فيها أو بتعبير أصح لا يفتح الله تعالى لك معانيها لأنك لم تتعامل معها بالجدية المطلوبة والافتقار الواجب والمأخذ العملي الذي أمر الله به؛ لكن إن كنت قاصدًا للاستشفاء لمرضٍ ما وإصلاح الحال؛ فإن الاستفادة من الآية ستعظم جدًا وسترى فيها كنوزًا .. هي كنوز عملية، وهي موجود في محلها لكن كنت عنها غافلاً .
وقد تكفيك سورة قصيرة أو بِضع آيـات، أو آيـة واحدة، أو تستشفي ببعض آية، أو بكلمة من رب العالمين.
أيٌّ من هذا ينزل على “وجيعتك” ـ التي تعاني منها والتي تريد علاجها بصدق، وبوضوح مع نفسك، وتطلب علاجها في كتاب ربك ـ سيكون هذا كافيًا شافيًا.
قد تُكتب كتب في مرض بعينه، لكن تشفي منه آية وأحيانًا بعض آية أو بعض المواضع في كتاب رب العالمين .. ومهما يكن جودة ما يكتب فالارتباط بكتاب الله تعالى لا يعادله ارتباط. وإنما وظيفتنا أن نربط الخلق بهذا الكتاب العزيز، فالقرآن يعرف طريقه الى الفطرة جيدا وبسهولة فيسكب فيها نوره وهداه.
إن الله رب الناس .. وربوبيته لهم ربوبية شاملة؛ فهو كما يخلقهم ويرزقهم ويكسوهم ويطعمهم ويسقيهم ويعافيهم .. فهو يشفي أمراضهم ويصلح أحوالهم ويصلح قلوبهم وأرواحهم ونفوسهم.
فغاية العبد أن يكون له قلب سليم، وهذه غاية عظمى فالقلب السليم مستقيم باطمئنان على منهج ربه ومتوجه لله تعالى بكافة نفسه في يسر.
أمثلة للتنبيه والقياس عليها
فمن عانى من مرض الجبن فلن يجد مثل قوله تعالى ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ..﴾ (سورة النساء: الآية 154) وقوله تعالى ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (سورة الأحزاب: الآية 16)
ومن عاني من سيطرة الشهوة فدواؤه في مثل قوله تعالى ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾ (سورة آل عمران: الآية 15) وقوله تعالى ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾، (سورة سبأ: الآية 54) وغيرها من الآيات.
ومن عانى من سيطرة شهوة المال على قلبه ففي الآيات علاج ذلك ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (سورة آل عمران: الآية 180)وقوله ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ..﴾ (سورة التوبة: الآية 34-35) ﴿وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ﴾ (سورة النور: الآية 33).
ومن ثقل الى الدنيا ففي مثل قوله ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (سورة التوبة: الآية 38) وقوله ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ..﴾ (سورة النساء: الآية 78).
ومن عانى فقدان الإرادة، والتبعية للمستكبرين ففي مثل قوله تعالى ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ (سورة الأعراف: ألاية 38-39)
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ..﴾ (سورة سبأ: الآية 31-32).
ومن اشتبهت عليه مقاييس الفوز والخسارة ففي قوله تعالى ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر)
وفي طول الطريق واستعجال الأمور ففي مثل قوله تعالى ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (سورة المطففين: الآية 4-6) وفي الغفلة عن الآخرة في مثل قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ (سورة الانشقاق: الاية 6)
وفي الصبر على المكروه ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (سورة النساء: الآية 19) وفي ضبط العلاقات الاجتماعية وبجانب الحدود المنزلة ذلك المعنى الندي ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (سورة البقرة: الاية 237).
وعند البغضاء والتشاح بين الحقوق وبغية طل طرف أن يكسر الآخر ليثبت استعلاءه عليه واستغناءه عنه وأن الآخر هو المحتاج المنكسر يقول الله عند الطلاق وتوابعه ومتعلقاته، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا..﴾ (سورة الطلاق: الآية 2-3).
والآية عامة لكنها نزلت على سبب هو أخص بها، ودخوله فيها أوّلي.
العلم بالأدواء لمداواتها
ولكي يتحقق هذا الاستشفاء بكتاب الله فيجب البصر بأمراض الناس واحتياجاتهم، والبصيرة بكتاب الله وبمعاني ما أنزل سبحانه وتعالى.
إننا نبحث عن علاج “وجيعتنا” وما يؤخرنا عن إقامة هذا الدين في نفوسنا وفي واقعنا، لكن لا يبالَغ في التفتيش عن كل عوار النفوس وإلا لم تنته ويصير هو مرضًا بذاته، والتوسط بين الأمرين مهم، وهو علم مطلوب وفقه وحكمة لضبط الأمر. والله تعالى الموفق
……………………………………………..
هوامش:
- سنن الببهقي الكبرى، جـ 1، ص 227.
- مسند أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 88، تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.