الله تعالى هو الحفيظ، وقد أوجب علينا عبوديات مترتبة على اسم الله تعالى «الحفيظ». والعبد في احتياج لاستحضار موجبه، مراقبةً لله، وحفظا لشرائع، ولجوارح العبد.
مقدمة
من أسماء الله تعالى «الحفيظ» ومما أوجب علينا تعالى أن نتعبد له بأسمائه الحسنى بمعرفتها وتصديقها والتعبد بموجبها. ومن العبوديات الواجبة لهذا الإسم الحسَن العظيم هي حفظ مراقبته تعالى لنا، وحفظ ما وهب من الجوارح، وحفظ ما أنزل من الشرائع.
ثمة مجموعة من الأمانات أُنزلت الينا؛ مجموعة في شريعة رب العالمين؛ هي دينه ومنهجه. وقد أمرنا سبحانه بحفظها والقيام بها وعدم تضييع ما أوجب منها، وعدم تعدي ما حرم منها سبحانه. ولنا جوارح أمرنا ربنا تعالى بحفظها عما حرم.
مفهوم اسم الله (الحفيظ)
من أسمائه جل في علاه: الحفيظ.
وهو الذي حفظ خلقه وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولطف بهم في الحركات والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم وجزاؤها.
معنى «احفظ الله يحفظك» احفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا نتجاوزها.
المعنى: فعل الواجبات جميعاً وترك المحرمات جميعاً.
وقد مدح الله عباده الذين يحفظون حدوده، فقال في معرض بيانه لصفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة:112].
نعم! بشرهم إذا حفظوا أوامره وحدوده، حفظهم في دينهم ودنياهم وفي أولاهم وأخراهم.
التوحيد أعظم ما يجب حفظه
ومن أعظم ما يجب على العباد حفظه من حقوق الله هو التوحيد، وهو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، روى البخاري من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ بن جبل قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم! قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم! قال: ألا يعذبهم». (1رواه البخاري)
فهذا هو حق العظيم الذي أمر الله سبحانه عباده أن يحفظوه ويراعوه، ومن أجل حفظه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وكان الله رقيباً على الجميع ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن:28].
فمَن حفِظ توحيده في الدنيا حفِظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة وسلَّمه وأمَّنه، وكان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ويجيره من النار، وإن عذب بسبب ذنوبه إن لم يتب منها فإنه أيضاً محفوظ بتوحيده من الخلود في النار مع الكفار الذين ضيعوا هذا الحق العظيم.
الصلاة من أعظم ما أمر الله بحفظه
ومن أعظم ما أمر الله بحفظه من الواجبات: الصلاة، وما أدراك ما الصلاة..؟ قال سبحانه: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة:238]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون:9].
فمن حافظ على الصلوات وحفظ أركانها حفظه الله من نقمته وعذابه وكانت له نجاة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «اكلفوا من العمل ما تطيقون، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ».
قال ابن القيم رحمه الله:
“والصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء مقوّية للقلب، مبيّضة للوجه، مفرحة للنفس، مُذهبة للكسل، منشطة للجوارح، مُمدّة للقوة، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن”. (2زاد المعاد، ج4ص/304)
وللصلاة تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتُلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل وعاقبته أسلم.
وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، لا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدفعت شرور الدنيا والآخرة ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة.
وسِر ذلك أن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها وتقطع عنه من الشرور أسبابها؛ تأمل في قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: «يا ابن آدم اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفيك آخره ». (3رواه أحمد (22469)، وأبو داود (1289))
ومن حفظ الله للمصلين أن صلاتهم تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، أما من ضيعها، فقد توعّده الله بالهلاك والشر العظيم قال سبحانه: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ [مريم:59].
فكيف هي صلاتنا..؟ هل حفظناها..؟ هل راقبنا اللهَ فيها..؟ هل تدبرْنا قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء:218 – 219]؟ كم مرة تفوتك صلاة الجماعة..؟ كم مرة تفوتك تكبيرة الإحرام..؟ كم مرة تنام عن الصلاة المكتوبة..؟ والله لن يستقيم لنا حالٌ إلا إذا استقام العبد والأمّة في أداء الصلاة.
حفظ السمع والبصر
ومما أمرنا بحفظه السمع والبصر والفؤاد، قال سبحانه: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء:36].
فاحفظ سمعك فلا تسمع إلا ما يرضيه، واحفظ بصرك فلا تنظر إلا إلى ما يرضيه، واحفظ قلبك فلا يمتلئ إلا بما يحبه ويرضيه، واحفظ عقلك فلا تفكر إلا في طاعته ومراضيه.
حفظ الفروج
ومما أُمرْنا بحفظه الفروج، قال سبحانه: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور:30]، وقال سبحانه: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور:31].
ومدح الله المؤمنين والمؤمنات بذلك فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون:5].
حفظ الأيمان
ومما أُمرْنا بحفظه الأَيْمان، فقال سبحانه: ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة:89] وقال: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة:224]، لأن حفظ اليمين يدل على إيمان المرء وورَعه.
فكثير من الناس يتساهلون في الحلف والقسم، وقد تلزمه الكفارة وهو لا يدري، أو يعجز عنها فيقع في الإثم لتضييعه وعدم حفظه لأيمانه.
خاتمة
بالجملة فالعبد مأمور بحفظ دينه أجمع، فلا يترك منه شيئاً لتعارضه مع هواه ومصلحته؛ بل هو مطيع لربه على أي حال وفي كل زمان ومكان، لأن ربه يراه ويسمع سره ونجواه وكلما كان وفاء العبد والأمة بحفظ حدود الله وشرائعه أعظم كان حفظ الله له ولها مثل ذلك، قال سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة:40]، وقال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة:152]، وقال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].
……………………….
الهوامش:
- رواه البخاري.
- زاد المعاد، ج4ص/304.
- رواه أحمد (22469)، وأبو داود (1289).
المصدر:
- خطبة مفرَّغة، الشيخ خالد الراشد.